الصفحة الأساسية > البديل العربي > ليبيا : تحديات مرحلة ما بعد القذافي
ليبيا : تحديات مرحلة ما بعد القذافي
27 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

بمقتل العقيد القذافي – وبغض النظر عن الموقف من طريقة مقتله- يمكن الجزم بأن صفحة حالكة من 42 سنة من تاريخ ليبيا المعاصرة قد طويت ، وبدأت مرحلة جديدة مفتوحة على عديد السيناريوهات.

أول هذه السيناريوهات التي بدأت تتضح ملامحها بعد خطاب مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي يوم الأحد 23 أكتوبر في بنغازي لما أعلن أن الشريعة الإسلامية ستكون مصدر التشريع للمرحلة الجديدة وإبطال التعامل المالي بالربا وهو ما اعتبره الملاحظون للتيار الإسلامي داخل هذا المجلس- الذي يمثله كل من الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة بقيادة عبد الحكيم بلحاج القائد العسكري للمجلس الانتقالي – في مقابل التيار الليبيرالي العلماني ذي التأثير المحدود في المجتمع وداخل المجلس والذي يعتبر محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي للمجلس الوطني الانتقالي أحد أبرز رموزه. وقد كان هذا المجلس ذاته مسرحا للتجاذب بين هذين التيارين حتى قبل زوال حكم القذافي مثلما تجلى في عملية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس التي لا زالت غامضة إلى حد الآن رغم توجه كل الشكوك إلى أنصار التيار الأول كما تعرّضت الشخصيات الليبيرالية داخل المجلس وبالخصوص محمود جبريل إلى انتقادات لاذعة من علي الصلابي أحد أهم الرموز التاريخية والفقهية للتيار الإسلامي.

الظلامية تهدد الديمقراطية

وفي مقابل هذه التجاذبات هناك تطلعات الشعب الليبي نحو بناء ليبيا جديدة ديمقراطية وحديثة تحترم مواطنيها وحقوقهم الاجتماعية والمدنية والسياسية بعد 42 سنة من غياب مجتمع مدني حقيقي، فليبيا لم تشهد طيلة حكم القذافي حياة سياسية طبيعية ولو شكلية إذ ألغى انقلاب 1 سبتمبر 1969 الدستور الذي توافق عليه الليبيون عند الاستقلال سنة 1951 لتظل البلاد دون دستور ينظمها كما شل نظام القذافي الحياة المدنية بما فيها من أحزاب وجمعيات وصحافة حرة وتنظيمات نقابية أدمجها بالقوة في ما أطلق عليه « الاتحاد الاشتراكي العربي» الذي كان بمثابة الحزب الوحيد في البلاد كما منعت الإضرابات وفرضت الرقابة على المنشورات وفتحت السجون أمام مختلف المعارضين. والسؤال الذي يطرحه المراقبون هو مدى قدرة ه>ين التيارين على تحقيق تطلعات الشعب الليبي ومنع قيام دكتاتورية جديدة وإرساء دولة القانون والمؤسسات خاصة وان التيار الإسلامي الذي يبدو أن الأمور تسير لصالحه لم يعرف عنه تاريخيا تبنيه للديمقراطية مما يثير الحيرة على مستقبل الحريات في هذا البلد.

بناء الدولة الجديدة

كما ستواجه أية حكومة مستقبلية مشكلات – لم تطفو إلى السطح إلى حد الآن- منها مدى القدرة على إعادة تشغيل مؤسسات الدولة المعطلة الآن خصوصا جهاز الأمن والجيش والقضاء ومدى القدرة على استيعاب بقايا أجهزة النظام السابق ضمن هذه المؤسسات للاستفادة من خبراتها أم سيتم اجتثاث كل من تعامل مع نظام القذافي؟ بالإضافة إلى مشكلة كبرى ناجمة عن مخلفات الثورة والحرب الأهلية وهي انتشار السلاح على نطاق واسع بين فصائل مختلفة ذات ولاءات قبلية وعقائدية متعددة فكيف سيتم استيعاب هذه التشكيلات المسلحة دون الإخلال بالتوازنات القبلية والسياسية ودون تعريض أمن البلاد إلى الخطر خاصة وانه غير بعيد على الحدود الصحراوية المترامية مع مالي والنيجر وتشاد ينشط تنظيم القاعدة وهو ما يفسر دعوة السيناتور الأمريكي الجمهوري جون ماكين إلى «السيطرة على المجموعات المسلحة» في تصريح له عند زيارة ليبيا منذ أسابيع وهو الذي سبق له منذ حوالي سنتين أن التقى القذافي في طرابلس لبيعه أسلحة غير قتالية ولشكره على الدور الذي لعبه في حفظ السلام في الصحراء الإفريقية الكبرى.

كما لا ننسى أن النظام السابق قد لعب على التوازنات القبلية ولم يسع إلى صهرها بهدف استخدامها في فرض قبضته على البلاد لهذا ساهمت عدة قبائل بدور مؤثر في الإطاحة بالقذافي مثل قبيلة ورفلة ذات أكثر من مليون نسمة وذات الحضور القوي في مدن الشمال وقبائل الزنتان وترهونة فكيف يمكن استيعابها في أي نظام جديد وكيف ستكون حصة كل منها في أجهزة الدولة وفي ثروة البلاد وهي التي تعود البعض منها على حصة كبيرة خلال الفترة السابقة أو أنها كانت مهمشة وترغب في تعويض ما تعتبره ضررا قد لحقها خلالها؟

الأطماع الامبريالية

بالإضافة إلى هذه التحديّات الداخلية فإنه في اعتقادي أبرز ما ستواجهه ليبيا الجديدة هي الأطماع الامبريالية للدول الغربية سواء على الصعيدين الاقتصادي والاستراتيجي- وهو ما تنبهت له روسيا والصين في بداية الثورة عند طرح الملف على مجلس الأمن- فالولايات المتحدة الأمريكية سبق أن قدمت لمجموعة الثمانية سنة 2004» مشروع الشرق الأوسط الكبير» الذي يقوم على «تحديث المنطقة ودمقرطتها» في إطار خطة محاربة عدو جديد «الإرهاب» وهذا المشروع الأمريكي الذي طرح بعد احتلال العراق سنة 2003 والذي يستهدف تطبيق «مجموعة من الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية» في منطقة ممتدة من حدود أفغانستان شرقا إلى موريتانيا غربا ليس في الواقع سوى مشروع هيمنة امبريالية تقوده الولايات المتحدة بشراكة معلنة مع الاتحاد الأوروبي والتي من مصلحتها الاستراتيجية في السياق الليبي الراهن دعم حركات أو نظام حكم ذي توجه إسلامي معتدل غير مناهض للغرب في مواجهة الحركات الدينية المتشددة والتيار القومي واليسار الراديكالي حتى وان كان منعدم التأثير في الوقت الحالي بحكم البنية الاجتماعية والثقافية الموروثة عن وضع مأزوم خلفه حكم العقيد القذافي.

ولئن يتوجه الاهتمام الاقتصادي الأمريكي في المنطقة عموما وليبيا على وجه الخصوص إلى مصادر الطاقة فليبيا كانت تنتج قبيل الثورة 1.6 مليون برميل من النفط يوميا ويبلغ حجم ما تحتويه أراضيها من مدخرات نفطية 65 مليار برميل من أجود أنواع الخام في العالم ، كما يتوجه الاهتمام الأمريكي إلى التواجد العسكري في هذا القطر الذي يحظى بأهمية استراتيجية في الحوض الشرقي للبحر المتوسط وبحكم امتداده نحو دواخل إفريقيا خاصة وأنه إلى حد 1970 كانت توجد في ليبيا واحدة من أكبر القواعد الجوية الأمريكية في الخارج. وفي المقابل فإن توجه الأوروبيين وبالذات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا هو بالأساس نحو سوق المنطقة خصوصا وأن الاتحاد الأوروبي يعتبر الشريك التجاري والاقتصادي الأول لدول شمال إفريقيا ومنها ليبيا وبالتأكيد سيكون للأوروبيين النصيب الأوفر من مشاريع إعادة البناء والأعمار في ليبيا بحكم الدور الذي لعبوه في الإطاحة بنظام القذافي. ففي تصريح لوزير الدفاع الفرنسي جيرار لونجيه إلى صحيفة لوموند يوم السبت 22أكتوبر 2011 قال»أن فرنسا تنوي لعب دور شريك أساسي في ليبيا التي يعلم قادتها الجدد أنهم مدينون لها كثيرا» أما بريطانيا فقد أرسلت إلى المجلس الوطني ما تعتبره خطة لإعادة الحياة للاقتصاد الليبي ولإعادة بناء البنية الأساسية المدمرة كما كشفت عن ذلك صحيفة الدايلي ميل منذ أكثر من أسبوع و تبلغ الاعتمادات المخصصة لهذه الخطة حوالي 30 مليار دولار أمريكي فهل هي مقدمة لتنافس فرنسي بريطاني وربما إيطالي في المنطقة اقتصاديا مع ترك الهيمنة الاستراتيجية والعسكرية للشريك الأمريكي الأقوى؟

كل هذه المعطيات تبيّن لنا أن ليبيا وإن تخلصت من حقبة القذافي الديكتاتورية والتي اقترنت بإهدار الإمكانات الوطنية في رهانات فاشلة فإن هذا البلد وشعبه مقبلان على مستقبل ليس بالضرورة أفضل في ظل خطر احتمال سيطرة ديكتاتورية جديدة لكن بغلاف جديد وذات ولاءات خارجية جديدة كما يمكن أن يتحول هذا الجار الجنوبي إلى قاعدة متقدمة للمشاريع الامبريالية في منطقتنا لن تكون بلادنا بمنأى عن تداعياتها.

محمود نعمان



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني