الصفحة الأساسية > البديل العربي > الأنظمة العربية تلعبُ وتـُرَاوِغ
الأنظمة العربية تلعبُ وتـُرَاوِغ
30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

تستغل الرجعيات العربية مستجدات المحافل الرياضية لتبدو في ثوب الأنظمة العصرية المحبة للسلام والتحابب بين الشعوب. وقد لاح ذلك جليا أيام "داحس والغبراء"بين مصر والجزائر على هامش تصفيات مونديال جنوب إفريقيا. فقد تجند لذلك الإعلام الموبوء لكل قطر وسلط الإشراف ممثلة في وزارتي الرياضة واتحادي الكرة. وبلغ الأمر ذروته مع إطلالة بوتفليقة على جماهير شعبه مصورا نفسه على أنه الوطني الغيور والمدافع الشرس عن حضارة الجزائر وشعبها عربا وبربرا. أما نظيره، حسني مبارك فقد أوعز إلى ابنه جمال باستغلال الأحداث ليستثمرها في لعبته الدقيقة باحثا عن التزكية والمباركة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي لسنة 2011.

وفيما يخص تونس صاحبة الصولات والجولات في هذا المضمار فقد كانت الأحداث على القياس فعقب ما جد بتاريخ 03 أكتوبر بملعب القاهرة من أعمال عنف وشغب بين الجماهير التونسية والأمن المصري تم إيقاف 15 شابا تونسيا مدة أسبوع كامل وتم منعهم من العودة إلى أرض الوطن إلى أن تدخل "راعي الشباب" بعد أن التقى بحسني مبارك على هامش القمة العربية و"حررهم" من السجون المصرية ليبدو في عيون التونسيين على أنه صاحب منة جديدة وله سديد الشكر والفضل بما أنه أعاد هؤلاء الشباب إلى ذويهم والذين لم يكونوا ليعودوا لولا تدخله العاجل. وحينها فحسب بدأت أبواق الدعاية ممثلة في وسائل الإعلام الرسمية بجميع أصنافها تمجد سياسة بن علي "الرشيدة" و"الحكيمة" حتى أنه ورد بإحداها مقال بعنوان:" بمناسبة القمة بن علي يزيح الغمة".

ولسائل أن يسأل ماذا لو لم تكن القمة؟ إذ الواضح أن بن علي أراد توظيفها حتى يصور للتونسيين أولويات الشأن الوطني حتى في قمة عربية تعنى بمطارحة القضايا القومية في حين أنه كان بإمكانه حل الإشكال منذ الوهلة الأولى عبر مكالمة هاتفية. ويبدو ذلك أكثر وضوحا أن بن علي وفريقه الحكومي لم يبرقا بأي موقف إزاء الحدث ولم يحركا ساكنا طوال مدة الإيقاف ولم يظهر بأدنى تعليق من سلطة الإشراف وجامعة كرة القدم وكأننا بالموقوفين لا ينتمون إلى تونس أو كمن ثبتت عليهم تهم الإرهاب الدولي ووجب التنصل منهم وهو ما ورد على لسان رئيس جمعية الترجي الذي لوح بأنهم لا يمثلون تونس ولا يشرفونها ولا شك أنه تناسى أن تلك الجماهير تصب سنويا ملايين الدنانير في خزانته الخاصة ليستثمرها في مشاريعه الخاصة لتنمية ثرواته المتراكمة أضف إلى ذلك هاله أمر وحجم الخطية المالية التي سيدفعها نتيجة الأحداث. وطالت أزمة الصمت السفارة التونسية بمصر فلم تكلف نفسها عناء مفاتحة السلطة المصرية في أمر الموقوفين أو حتى تكليف محامين للدفاع عنهم. ولم تضع في الحسبان ما يمكن أن يتعرضوا له من إهانات وعنف وهم رعن الإيقاف لاستنطاقهم وللإدلاء باعترافات ولا شك أنه لم يفتها الطابع القمعي الذي يتعامل به النظام المصري مع الموقوفين والسجناء كمثيله في تونس.

أما الإعلام التونسي الذي لا يقو إلا على التهليل والتطبيل لصانع نعمة هذا الوفد فقد بقي مكتوف اليدين عاجزا أمام الحملة المسعورة للإعلام المصري الذي يتسم بالتعصب في مثل هذه المواعيد الرياضية والذي عادة ما يلعب دورا كبيرا في شحن الجماهير وتأليبها ويخلق حالة من التشنج بتصريحاته المعادية للرياضة والرياضيين رغم محاولة تنميقها وتزويقها ببعض العبارات المنادية بضرورة نبذ العنف واستحضار روح الإخاء والمودة.

هذا الإعلام صور العنف على أنه عقلية وغريزة متأصلة ليس في الجماهير التونسية فحسب، بل يتعداها إلى الشعوب المغاربية ككل. وهو عنف موجه ضد المصريين بالذات ولكن فاته هذه المرة أن العنف لم يكن بين جماهير الفريقين بل ضد قوات الأمن المصرية، ولعل نظرة بسيطة لمثل هذه المستجدات ولملامح المشهد السياسي العربي تبين لنا أن النظام المصري هو الجاني على نفسه وعلى شعبه لأنه هو الذي خلق تلك الحالة الهستيرية وإن كنا لا ننكر أهمية الرهان الرياضي فإن السبب الوجيه هو سياسة النظام المصري اللاهث وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني ومواقفه المعادية للقضية الفلسطينية وغلقه للمعابر وعدائه الصريح لفصائل المقاومة. ولنا أن نضيف أن النظامين التونسي والمصري، أو غيرهما من الرجعيات العربية في المشرق والمغرب، هما اللذان خلقا هذا الشباب المتعطش دوما للعنف هو نتيجة خياراتهما الاقتصادية والاجتماعية الزائفة والتي لا تصب إلا في صالح البرجوازيات اللاوطنية أضف إلى ذلك حالة الانغلاق السياسي والتصحر الثقافي جراء نشر ثقافة هجينة "تغريبية".

ونود أن نشير هنا إلى تلك المبادرات الطيبة التي أقدم عليها المصريون الذين تدافعوا على مراكز الأمن مرفوقين بالأكل والماء للموقوفين التونسيين الذين ردوا الجميل باستقبال المصريين في منازلهم بمناسبة لقاء الإياب. وهذا يفند مزاعم هذا الإعلام الموبوء الخادم الطيع للرجعيات العربية المستثمرة الوحيدة لحالة الفرقة والتشتت بين الشعوب العربية.

إن ما نخرج به هنا هو:
- أن الرياضة حتى في العالم العربي وفي تونس خاصة صارت مطية لخدمة مصالح النظام الحاكم يكرسها لتأبيد السائد وديمومته.
- مسار التطبيع وحالة التحجر السياسي والتصحر الثقافي وزيف الخيارات الاقتصادية والاجتماعية لهذه النظم هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء العنف في الملاعب وغيرها من الظواهر الهجينة.
- حالة التآلف بين الجماهير العربية التي أبرزتها أحداث القاهرة وعديد الأحداث على الصعيد القومي.

وبناء عليه فإنه على الجماهير الرياضية والشعوب العربية قاطبة أن تتفطن لما يحاك ضدها من مؤامرات بما أن الرجعيات العربية وحدها المستفيدة من تأبيد السائد وتوجيه دفة الصراع وبث روح التباغض بين الشعوب العربية حفاظا على مصالحها.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني