الصفحة الأساسية > البديل الوطني > أبعاد أخرى للكارثة...
حريق غابة دار شيشو:
أبعاد أخرى للكارثة...
4 آب (أغسطس) 2011
صوت الشعب - العدد 10 الخميس 4 أوت 2011

وحده عويل الموت يضرب صماخ الآذان مخيّما بضلاله على غابة دار شيشو الممتدّة أرجاؤها في معتمديّات حمام الأغزاز وقليبية والهوارية، مسبغا رداء قاتما حزينا على منطقة لطالما مثّلت الغابة مُتنفّسا لها وعدّت إحدى أجمل مكوّنات المشهد الطبيعي بها... لتأتي النيران التي اندلعت بها منذ يوم 14 جويلية الفارط على أكثر من 420 هكتارا لتُنتج كارثة عجز قمقم السلطة على درئها فولّدت جملة من التساؤلات الحارقة حول أسبابها وحيثيّاتها وتداعياتها.

غابة لها تاريخ...

هذه الغابة التي بدأت غراسة الأشجار بها أيام الاحتلال الفرنسي لوقف زحف كثبان الرمال وانجراف التربة عن المحيط الحضري سيّما أن المنطقة معروفة بالهبوب الدّائم للرياح على مدار السنة. وقد تواصلت غراسة الأشجار بعد الاستقلال فساهمت في إحلال التوازن البيئي بكافة المنطقة ومثلت موطنا للعديد من الحيوانات والطيور فخُصّص جزء كبير منها للمحمية الطبيعية كما أنّ هذه الغابة مصدرا للحطب والخشب وكان جزء من ثمار أشجارها (البندق) يصدّر للخارج أو يباع في الأسواق المحلية. كما تجدر الإشارة إلى أن عديد الأراضي الفلاحيّة تقع على أطراف الغابة وقد تضررت أيضا من الحرائق الأخيرة.

تحوّلت العديد من الجمعيّات إلى عين المكان كجمعية المواطنة والديمقراطية بحمام الأغزاز وجمعية المكتسبات البيئية والنباتية بقليبية ونادي السينمائيين الهواة بحمام الأغزاز وجمعية البيئة بحمام الأغزاز و العديد من المتطوّعين و نشطاء المجتمع المدني مساهمة منهم في إطفاء النيران و الوقوف على حجم المأساة التي اصطلت بنيرانها كل الضمائر الحرّة بتونس. فتم تنظيم يومين تجنّد فيهما عديد المواطنين لإطفاء الحرائق و محاصرتها خاصة و أن تدخل الحماية المدنية بالشاحنات و الجيش الوطني بالطائرات كان بطيئا و غير فعّال بما ساعد على توسّع المساحات المحروقة وعلى إفراز حالة من الغليان لدى الرّأي العام المحلّي.

الحريق متعمد...

العديد هنا أجمعوا على أن إشعال فتيل النيران كان متعمّدا من أطراف لها مصالح في إحراق الغابة، خاصة أن إضرام النّار كان يقع في أماكن متباعدة...

اعترضنا الفلاّح عبد الوهاب بلحاج رحومة منهكا بعد أن قاوم هو وزوجته وابنه وحدهم النيران التي التهمت منتوجه الفلاحي (4 أطنان بطاطا + فلفل وعدة أشجار مثمرة) إلى جانب تضرر منزله، وقد همس لنا بأن هناك أطرافا أو بالأساس عائلة تدّعي ملكيّتها للغابة كانت قد هددت بحرقها منذ شهر جانفي الفارط. كما أكّد أنه شاهد شابّين على دراجة نارية في مساء 15 جويلية هاربين بعد أن أشعلا النيران في جزء من الغابة، وأضاف بأن سرعة اندلاع الحريق والدخان الأسود المنبعث منه يدلّ على استعمال المازوط في إشعاله. وأشار إلى أنه وجد أمام منزله في اليوم الثاني للحريق حاوية بنزين بلاستيكية بما لا يدع لكلامه مجالا للشّك... وأضاف أن هذه الأطراف قد استعملت ثلاث جرّافات لقلع الأشجار من الغابة وأنها الآن محجوزة في المستودع البلدي بحمام الأغزاز وأعلمنا بأنه قابل وزير الفلاحة ومعتمد حمام الأغزاز ووالي نابل أثناء معاينتهم لآثار الحريق وقد وعدوه بتعويضات لجبر الأضرار التي لحقت به. كما أنه سجّل استنكاره للتقصير الكبير من السّلط المعنية في إطفاء الحريق وأكد أنه اشترى أرضه منذ سنة 1958 وتحصل على عقد تسجيلها سنة 1967... وأضاف بحُرقة أن الغابة تعني له الكثير وأبرز فوائدها الكبيرة على كل المنطقة داعيا إلى تشجير الأجزاء المتضرر من الحريق.

أضاف الفلاح حمادي ريدان أن الحراسة تراجعت في الغابة منذ السنوات الأخيرة بسبب تقاعس إدارة الغابات والتقدّم في السنّ لأغلب الحرّاس. كما أكد لنا المعطيات التي ذكرها لنا الفلاح عبد الوهاب بلحاج رحومة مضيفا أن هذه الأطراف قامت بقطع أجزاء هامة من الغابة بعد 14 جانفي 2011 وقامت بالتفويت ببعضها دون أن يقع التصدّي لها... وأشار إلى أن عدّة بنايات حديثة شيّدت على هذه الأراضي بعد الثّورة، وأعلمنا بألم بأنه قاوم النيران بماء بئره بمساعدة أبنائه والعديد من المتطوّعين إلاّ أن ذلك لم يمنع تضرر جانب من محصوله الفلاحي الذي تعب كثيرا من أجله سيّما مع الارتفاع المتواصل لتكاليف الإنتاج الفلاحي، دون اعتبار احتراق قنوات الرّي التي يملكها... وأكد ابنه محمد على وجود مؤامرة مدبّرة وراء إحراق الغابة وأن جميع الدلائل تشير إلى ذلك مطالبا بضرورة التحقيق في ملابساتها لإماطة اللثام عن مرتكبيها.

عائلات متنفذة وراء الحريق

انتقلنا إلى الفلاح شكري ريدان الذي صرّح لنا أن هذه العائلة التي تدّعي ملكيّتها للغابة قد افتكّت أرضه (حوالي 100 مرجع و منزلين يقعان عليها) بعد الثورة واستولوا على محصوله الفلاحي الذي قدّر بحوالي 3 آلاف دينار ومصاريف زراعة البطاطا و 5 آلاف دينار ثمن قنوات الرّي قطرة قطرة...

وتعود أطوار قضيّته إلى سنة 2002 حين استحضرت هذه العائلة له عدلا منفّذا مدّعية امتلاكها للغابة وقدمت قضيّة في الغرض إلاّ أن المحكمة أصدرت حكما بعدم سماع الدّعوى لتستأنف الحكم الذي كان هذه المرّة لصالحها. وقام متحدّثنا بالتعقيب على الحكم مع بقاء أرضه في حيازته وأشار لنا بأن هذه العائلة لم تتمكّن من الاستحواذ على أرضه طيلة الفترة السابقة للثورة مع تلقّيه تهديدات متواصلة بافتكاكها، وبيّن لنا أن شهادة ملكيّته تعود إلى سنة 1962 وكافة الوثائق الأخرى قد سرقت من المحكمة العقارية قبل الثورة وأن الحرس الوطني بحمام الأغزاز ودار علّوش قد تنكّرا له وأكد لنا وجود أدلّة مادية تثبت تورّطهم في القضية. وقد أشار لنا أيضا بأن ابنه الذي يشكو من إعاقة عضوية قد أصيب بضربة خنجر في ذقنه أثناء ذهابه لتفقّد أرضه بعد الثورة من قبل أحد أفراد هذه العائلة وأكد أيضا أن رئيس مركز الحرس الوطني بحمام الأغزاز رفض مدّه بالشهادة الطبية التي استخرجها في الغرض. وفي فترة لاحقة تعرّض ابنه إلى مطاردة بسيف من قبل أطراف هذه العائلة. استطرد بعد ذلك قائلا بنبرة حزينة أنه لم يذق طعم النوم منذ أسبوعين بعد افتكاك أرضه، وتساءل عن مصير عائلته راجيا عدالة القضاء.

الأمــــــــن والمسؤولـــــون الجهويون متورطون أيضا

تواصلت المحادثات في الغابة وفي مقاهي المدن والقرى المجاورة وقد أجمعت كلّها على تخاذل المسؤولين في مجابهة الحريق وتقاعسهم في السيطرة عليه، وعلى وجود أطراف معروفة وراء إشعال فتيل الحرائق. لذلك تتعالى الأصوات اليوم بعد إخماد نار الحريق لإدانة مرتكبي هذه الجرائم تخطيطا وتمويلا وتنفيذا وكل من تثبت التحقيقات ضلوعه فيها وتحميل الأجهزة الأمنية المسؤولية الكبرى فيم جرى للامبالاتها وحيادها المشبوه إزاء ميليشيات أصحاب المصالح في حريق الغابة المرتبطين برموز الفساد في نظام بن علي إلى جانب ضرورة القيام بحملة «تطهير» لإزالة أزلام النظام البائد من إدارة الغابات والحماية المدنية لتقوم بدورها في المحافظة على الثروة الغابيّة وتغيير استراتيجيّات عملها وتفاعلها مع الكوارث الطبيعية.

وقد يكون مركب الثورة متأرجحا في منتصف الطريق مهددا بالغرق من طرف أمواج الثورة المضادة العاتية، وما محاولة إحراق غابة دار شيشو إلاّ واحدة من محاولات تشويه ثورة الحريّة والكرامة والحقوق الاجتماعيّة لذلك فإنّ الضرورة قد تكون ملحّة أكثر من أي وقت مضى أمام الشعب التونسي بكافة أطره وهياكله تنظيمه من أجل تفكيك الدكتاتورية أجهزة ومنظمات وشخوصا واجتثاث جذورها المتشعّبة الهادفة إلى إعادة إنتاج الماضي في ثوب جديد، لاستكمال أهداف الثورة و تحقيق أحلام الشهداء و الفئات الشعبية التي عانت القهر و الظلم و التهميش.

وسيم المؤدب



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني