الصفحة الأساسية > البديل الوطني > أرض مقموعة
بالسياسة:
أرض مقموعة
29 آذار (مارس) 2012

عبد الجبار المدوري

إذا أردتم أن تعرفوا سبب ارتفاع أسعار الخضر يكفي ان تزوروا مثلا الأراضي السقوية بمنوبة. هذه الأراضي التي كان من المفروض أن تكون مزروعة بصلا وسلقا وبسباسا وبطاطا وقنارية ولفتا وسفناريا... هي الآن إما بورا أو مزروعة قمحا... لقد تخلص الفلاحون الفقراء من هذه الأراضي وباعوها لكبار الملاكين الذين شيدوا عليها قصورا وحوّلوها إلى منتزهات لهم ولعائلاتهم...

والأراضي القليلة التي مازالت مزروعة خضرا يفلحها فلاحون فقراء إما بـ "الباي" (أي الحصول على نصيب من الربح) أو على وجه الكراء. وهؤلاء غالبا ما يتخلون عن فلاحتها بعد عام أو عامين بسبب ارتفاع التكلفة وقلة الربح.

هذه الوضعية موجودة أيضا في الوطن القبلي. فالعديد من الأراضي التي كانت تزرع خضرا من مختلف الأصناف تم تحويلها إلى زراعات أخرى كالفراولة وغيرها من هذه "الكماليات" ، بحيث أصبحنا ننتج ما لا نستهلك ونستهلك ما لا ينتج. بالإضافة إلى زراعة الورود التي تبعث إلى مختلف النزل في تونس وفي الخارج ولا يشتريها سوى الأغنياء الذين لا يقلقهم شراء "كعبة خص" بدينار و "ربطة بصل" بدينار ونصف.

ويؤكد بعض المختصين في الفلاحة أن تغيير طبيعة الأرض و "قمعها" كيمياويا لاستقبال الورود بدل البصل و الفراولة بدل البطاطا التي اعتادت عليها يجعل هذه الأرض غير قابلة لاستعادة طبيعتها ويحتاج ذلك وقتا وخسائر تزيد من معاناة الفلاحين.

وفي العديد من مناطق البلاد وقع إهمال عديد الضيعات التي كانت على ملك الدولة بعد أن استولى عليها المقربون من عائلة بن علي ومن عائلة أصهاره والآكلين على الموائد. وبعد الثورة فر هؤلاء وتركوا هذه الضيعات مهملة ولم تبادر الدولة بتسليمها إلى الفلاحين كي يفلحوها وينتجوا ما يعود بالنفع على البلاد والعباد.

من جهة أخرى فإن تربية الماشية في تراجع مستمر بسبب غياب سياسة واضحة تعمل على بعث مشاريع كبرى وعصرية لتربية الماشية وتنمية المنتوج الوطني من الغنم والماعز والبقر والإبل والاعتماد على المراعي والعلف الموجود في بلادنا بدل استيراده بالعملة الصعبة من الخارج.

إن الحلول موجودة لكن الإرادة السياسية مفقودة. إذ لا يجب الاعتماد على الرأس المال الخاص فحسب الذي تحركه قوانين المنافسة والربح لبعث المشاريع بل لا بد للدولة أن تتدخل وتقيم مشاريع "عملاقة" خاصة في المجالات الاستراتيجية التي تتعلق بالأمن الغذائي الوطني.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني