الصفحة الأساسية > البديل الوطني > أزمة المدرسة إلى أين؟
وجهة نظر:
أزمة المدرسة إلى أين؟
9 كانون الأول (ديسمبر) 2009

تتعالى الأصوات منذ سنوات إلى الآن من جهات عديدة محذرة من العنف الذي أصبح المدرّس ضحيته في استهداف ممنهج لهذا الإطار الذي "كاد أن يكون رسولا".

فما هي الأسباب و الخلفيات وراء هذا السلوك؟

يجمع المحللون على أن المدرسة قد تأثرت تأثرا بالغا بالاختيارات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية التي عرفتها بلادنا منذ بدايات التسعينات إلى الآن، و قد تجسمت تلك الاختيارات في المستوى التربوي في إعادة النظر عديد المرات في مضامين البرامج التعليمية لتواكب العصر في غياب كامل للطرف النقابي الذي ما فتئ يحتج على السياسات التربوية المرتجلة التي أنهكت المدرسة مع اتباع برامج مسقطة على الأساتذة و التلاميذ لا تستجيب وواقع المدرسة اليوم، وقد حاولت هذه السياسة أن تتماهى مع ما تدعو إليه العولمة التي أصبحت تعمل على إفراغ الهويات الوطنية للشعوب مقابل فرض هوية كونية خدمة لمصالح الشركات المتعددة الجنسيات ,و قد استجابت بلادنا لهذا الاتجاه، وعملت على :

-  إعادة صياغة البرامج وفق إملاءات صندوق النقد الدولي، وهو ما شوّه ذهنية التلميذ وشخصيته فأصبح يجهل انتماءه الحقيقي، ولا يتماهى مع هويته الوطنية.
-  القوانين المسيرة و المنظمة للحياة المدرسية التي أصبحت لا تتلائم مع واقع المؤسسة اليوم بفعل الثورة المعلوماتية الهائلة التي أثرت تأثيرا مباشرا على عقلية المجتمع عامة و المتعلمين خاصة .
-  التسيير و التأطير، إن عملية التسيير عملية أساسية في المدرسة و رغم أهميتها فان السلطة أبت أن يكون اختيار المدير في المؤسسة خيارا ديمقراطيا، عبر انتخابات حرة، بحيث تكون القاعدة الأستاذية هي التي تعطي للجهاز الإداري المشروعية، و في غياب ذلك يسمى المدراء حسب الولاءات الحزبية والسياسية و حسب الخدمات التي يمكن أن يقدّموها للأجهزة الإدارية و الأمنية والسياسية التي تحكم البلاد.
-  التخريب الإعلامي:حيث ما فتئت وسائل الإعلام و خاصة الصحف الصفراء تروج لأفكار تبخس المدرسة والعلم على حد السواء وقد ذهب العديد منها إلى حد التحامل على الأساتذة والإساءة إليهم معنويا و أدبيا في اتجاه تقديم صورة كاريكاتورية للمدرسة وللتلميذ وللمربي.

هذه العوامل كلها ساهمت في تبخيس المدرسة و الحط من قيمتها التي كانت تتمتع بها في السنوات الماضية، ومعها اهتزت صورة المدرس في ظل واقع اقتصادي صعب ساهم في تدهور المقدرة الشرائية للأستاذ ممّا جعله يلتجئ إلى الدروس الخصوصية وهو ما ضاعف من تكالب عديد الأطراف عليه بحيث أصبح المدرس في مواجهة العنف بكل أنواعه المادية والمعنوية من قبل كل الأطراف المتدخلة وحتى التي ليس لها علاقة مباشرة بالمؤسسة.

ولإبقاء هذا المشهد المأساوي قائما سعت الأطراف الإدارية و السياسية إلى توظيف عناصر تابعة لها لمنع النقابات من أداء وظيفتها عبر الادعاء بان النقابات تدافع عن الرداءة و تقدم حماية مفرطة إلى المدرسين بشكل يجعلهم لا يقومون بواجباتهم المهنية و قد وصل الأمر إلى توظيف أطراف سياسية مشبوهة في هذا الاتجاه. من أجل إبقاء الوضع على ما هو عليه، يحدث كل ذلك والوزارة تمعن في تهميش الدور النقابي و تحويله إلى دور ديكوري لا يحق له التدخل في المسائل الجوهرية للمؤسسة التربوية.

فإلى متى ستبقى مؤسسة التربية والتعليم غريبة عن الطرف النقابي؟؟

عطية عثموني


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني