الصفحة الأساسية > البديل الوطني > أليست هذه صائفة الجمر؟
أليست هذه صائفة الجمر؟
26 تموز (يوليو) 2008

يعتبر الصيف عند جزء من الناس في العالم مناسبة للراحة والإصطياف بعد موسم العمل والإجتهاد، لذلك يلجأ هؤلاء إلى تخصيص مبلغ من المال لتحصيل أكثر قدر ممكن من الإستجمام لتجديد الطاقة لموسم جديد، لكن الصيف في بلدنا تحول تدريجيا إلى ضيف ثقيل الظل خاصة في عهد بن علي إذ تحول موسم العطلة إلى مناسبة لا يتمتع بها إلا الأثرياء والمحظوظون، فغلاء المعيشة وتدهور المقدرة الشرائية لمن كانوا يعتبرون "مفخرة" التجربة التونسية أي ما يسمى "بالطبقة الوسطى" والمقصود بهم صغار الموظفين ومتوسطيهم وأصحاب المشاريع الصغرى والمتوسطة (محامون، أطباء، فلاحون، حرفيون...)، هؤلاء لم تعد أوضاعهم المادية تشح بأكثر من أيام معدودة في الإصطياف في ظروف أقل ما يقال عنها أنها سيئة بفعل غلاء معاليم الكراء الفالتة من كل عقال والتي يتحكم فيها كمشة من المحتكرين والسماسرة مستغلين توافد السواح المغاربيين الذين يخيّرون السكن الخاص عوض النزل، كما أن مواد الإستهلاك في مناطق الإصطياف غير خاضعة لأي تسعيرة ولا مراقبة، هذا زيادة على الإرتفاع الجنوني لمعاليم الترفيه والسهر والأكل، إذ لا غرابة تتجاوز تذكرة الواحدة لحفلة أحد المغنيين المغمورين في مهرجان من الصنف الثاني أو الثالث، تتجاوز 30 دينارا وأحيانا أكثر حين يتعلق الأمر بـ"النجوم" من غانيات لبنان ومصر... وحتى تونس.

نقول هذا عن الفئات الوسطى التي قد تسمح لها أوضاعها بالتمتع ببعض من الصيف، أما الطبقات الشعبية في المدينة والريف والتي لا إمكان لها حتى لتأمين قوتها اليومي وخاصة بعد موجة الزيادات الأخيرة في شهري جوان وجويلية في أسعار المحروقات (النفط، البنزين، الغاز...) وكذلك المواد الإستهلاكية التي إنطلقت في بعضها وستلتحق بقية المواد تباعا خاصة على إثر الموسم الزراعي الضعيف والذي زاد أوضاع الفقراء تعقيدا وصعوبة.

إن المفقرين في تونس لا حق لهم في الراحة ولا في التمتع بخيرات بلدهم، وإنما هي حكر على الأغنياء ومن عندهم المال، إن الفقراء لا حق لهم إلا في فقرهم وتعاستهم وآلامهم الذي زادها الهجوم الهمجي والقمعي الأخير على أبنائهم بمدن الحوض المنجمي عمقا.

ففي الوقت الذي يتمتع مغتصبو الأرض والشعب والثروة بكل المقدرات يقبع أبناء الرديف وأم العرائس والمظيلة والمتلوي وفريانة في أقبية السجون وعفن الزنازين في هذه الصائفة الحارقة في معتقلات قفصة والقصرين وسيدي بوزيد، لكن أوليس من ضيق عنابرهم وضور جوعهم ترتسم ملامح الغضب العارم الآتي، الغضب الذي ينسج خيوط التمرد الشعبي المظفر من أجل الحق في الحياة بعزة وكرامة، من أجل الحق في النصيب في الثروة الوطنية التي لا ينتجها إلا الكادحون. إنها صائفة الجمر التي في أحشائها تعتمل عناصر الإنتفاضة الطبقية القادمة التي ستجرف الظلم والظالمين وأيضا كل المتخاذلين والجبناء.

إن الأوضاع الإجتماعية الصعبة وتدهور المقدرة الشرائية وشيوع مظاهر الإملاق والبؤس واتساع رقعة البطالة والتسريح من العمل، فضلا عند الدكتاتورية، كلها عوامل انتفاضة شعبية قادمة لا ريب فيه


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني