الصفحة الأساسية > البديل النقابي > إضراب ناجح رغم كلّ العراقيل
إضراب ناجح رغم كلّ العراقيل
7 تشرين الأول (أكتوبر) 2009

لا يختلف عاقلان في أنّ إضراب المعلمين التونسيين ليوم 5 أكتوبر 2009 والذي خاضوه بنجاح لم يتوقعه البعض كان إضرابا نوعيّا، وهو من نوع الإضرابات التي يخوضها المعلمون ليس من أجل زيادة في الأجر، أو تخفيض في ساعات العمل أو غيرها من المطالب المهنيّة المباشرة بل من أجل إطلاق سراح زملائهم، المناضلين، مساجين الحوض المنجمي، إضراب من أجل الكرامة والعزّة، من أجل قول كلمة الحق. والجميع يعلم أنّ عدنان الحاجي وبشير العبيدي والطيّب بن عثمان وطارق حلايمي، ورفاقهم المسجونين من بقيّة القطاعات العمالية لم يدخلوا السجن من أجل سرقة أو رشوة أو أيّة تهمة أخلاقية أخرى بل زجّ بهم وراء القضبان بعدما نالوا ما نالوا من حصص التعذيب على أيدي أعوان القمع في مراكز الإيقاف وفي السجون، كلّ ذلك من أجل تحمّلهم لمسؤوليّاتهم وقيادتهم للتحرّكات الاحتجاجية ضدّ السلطة ورموز الفساد المحليين والجهويين والبيروقراطية النقابية (عمارة العبّاسي أبرزهم، إنه جمع فأوعى، نائب برلماني تجمّعي وكاتب عام الاتحاد الجهوي للشغل بقفصة مدى الحياة) في مدن الحوض المنجمي وعلى وجه الخصوص في مدينة الرديّف المناضلة ومطالبتهم بالشغل والتنمية العادلة وبيئة سليمة خالية من التلوّث (تلوّث الهواء والمائدة المائية) وبحماية الحوض المنجمي من الفيضانات (وقد صدقوا فيما طالبوا به، انظر الأضرار الحاصلة إثر الفيضانات الأخيرة بمدينة الرديّف: أكثر من 20 قتيلا ودمار هائل للبنية التحتية وللمنازل والأثاث والمواشي...).

لكنّ السلطة في تونس أبت إلا أن ترمي بخيرة هؤلاء المناضلين في غياهب السجون، بعد أن تحاورت معهم لإيجاد بعض الحلول للمشاكل المزمنة التي تعاني منها الجهة، ولكن بما أنّ السلطة يقودها الهاجس الأمني فقد أبت إلا أن تتعامل معهم بعقلية بوليسية منفلتة من عقالها، وتراجعت في وعودها وفي الحلول التي توصّلت إليها لجان التفاوض.

- لقد طالب أهالي الرديّف مرارا وتكرارا بإطلاق سراح أبنائهم.
- لقد طالب النقابيون من خلال عديد التظاهرات والاجتماعات والندوات والعرائض بإطلاق سراحهم أيضا، ولا من مجيب.
- لقد اتصلت قيادة اتحاد الشغل برأس السلطة في تونس المرار العديدة – حتى وإن تحرّكت بصفة متأخّرة جدّا وكانت أحد الأسباب المباشرة للزج بهؤلاء المناضلين في السجون بتجريدها لهم من المسؤوليّات النقابية وتركتهم لقمة سائغة لسلطة متوحّشة لتمارس عليهم شتى ألوان القمع والتنكيل والتعذيب إضافة إلى حبسهم في السجون - ولكنّ هذه الاتصالات والمناشدات من قيادة الاتحاد لبن علي لم تسفر سوى عن وعود بإطلاق سراحهم لم تنفذ إلى حدّ الآن.

إنّ السلطة البوليسية في تونس، وبعقلية التشفي المسيطرة عليها لا تفهم إلا بمنطق الغالب والمغلوب، فما دامت هي المسيطرة على الوضع و"الأمن مستتبّ" من وجهة نظرها فلماذا تطلق سراحهم؟!

إنّ معالجة قضية الحوض المنجمي لا يمكن أن تكون سوى معالجة سياسية، وهو ما لا تتعامل به السلطة في بلادنا ولا يمكنها أن تتعامل به لأنه منطق لا يتماشى ونهجها السياسي العام، نهج الاستبداد والتسلط والقمع والتشفي من الخصوم ومن مخالفيها الرأي وكل من تحدثه نفسه المطالبة والاحتجاج.

إنّ ما لم تفهمه قيادة اتحاد الشغل هو أنّ أسلوب التمسّح على الأعتاب والانخراط في تزكية الرئيس الحالي لدورة رئاسية جديدة تعبّد لرئاسة مدى الحياة لا يمكن أن تجني منه شيئا سوى الخزي والعار والخيبة!!

إنّ قيادة اتحاد الشغل لم تفكّر يوما في القيام بتحركات نضالية من أجل إطلاق سراح مساجين الحوض المنجمي، وحتى بعض التظاهرات التي أقيمت لم تكن راضية عنها، وقد روّجت لخطاب "بعملكم هذا تعسّرون مهمّاتنا"!! هكذا!!

وجاء مؤتمر نقابة الابتدائي في 24 و25 جوان 2009، وكان كما يعرف الجميع مؤتمرا خارجا عن السيطرة، سيطرة السلطة والبيروقراطيّة، وقرّر إضراب 5 أكتوبر 2009 الموافق لليوم العالمي للمربّي.

لقد راهنت العديد من الأطراف على فشل الإضراب ومنها من روّج لذلك بمقولات من نوع : هذا إضراب سياسي، هذا إضراب طرف سياسي متطرّف يصفـّي به حساباته مع السلطة، التوقيت غير مناسب، درجة الوعي لدى المعلمين متدنية، الخ. من مقولات الإحباط والخذلان والتعاسة والبؤس...

أمّا السلطة فلم تتحرّك في بادئ الأمر وعوّلت على "الوقت بدل الضائع" باللغة الكرويّة لأنها مغلولة اليدين من ناحية (انتخابات 25 أكتوبر المهزلة) وعليه من مصلحتها أن تتجاهل هذه الحركة الإضرابية النوعية ولا تحدث حولها الكثير من الضجيج، ومن ناحية أخرى عوّلت على وكلائها في الوسط النقابي (روّجوا لآخر لحظة أنّ الإضراب فاشل وأنّ عديد الجهات قرابة الـ10 غير موافقة عليه!!)...

ولكنّ هذه السلطة تحرّكت في اليومين الأخيرين أو الثلاثة أيام الأخيرة التي تسبق الإضراب من خلال الدعاية لإفشاله عبر المعتمدين وعناصر الشعب وبقية الأجهزة الإدارية والأمنية منتهجين أسلوب التخويف وبث الرعب والوعيد بالقصاص بعد مرور الإضراب وما مورس في هذا المضمار لا يحصى ولا يعدّ...

أمّا أشباه النقابيين في الجهات بما فيها تونس الكبرى والمرتبطين عضويّا بالبيروقراطية الفاسدة فقد تحرّكوا ضدّ الإرادة القاعديّة النابعة من قرار المؤتمر الوطني للنقابة العامة وهو أعلى سلطة نقابية في قطاعنا (مثلا نقابات جهويّة ضدّ الإضراب بينما النقابات الأساسية المنضوية تحتها تعبّئ المعلمين من أجل الإضراب!!!) والأمثلة عديدة...

لقد خيض الإضراب في موعده وفشلت رهانات التخاذل، وتجاوزت نسبة النجاح الـ 50% كما صرّح بذلك الكاتب العام للنقابة العامة في الاجتماع العام الذي أقيم ببطحاء محمّد علي صبيحة يوم الإضراب على الساعة الحادية عشرة والذي حضره عدد كبير من المعلمين ومن المكتب التنفيذي الأخوان "حسين العبّاسي" و"مولدي الجندوبي" وكذلك السيدتان المناضلتان الفاضلتان "جمعة الحاجي" زوجة "عدنان الحاجي" و"ليلى العبيدي" زوجة "البشير العبيدي".

لقد كانت الكلمات مؤثرة :

لقد بيّن حفيّظ حفيّظ، الكاتب العام على رؤوس الملإ وأمام ذلك الجمع الغفير من المعلمات والمعلمين أنّ "إضرابنا شرعي وقانوني ولم يقفز على قوانين الاتحاد وأنّ موضوع هذا الإضراب من صلب اهتمامات منظمتنا باعتبار الاتحاد يدافع عن الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان وهو ليس مجرّد منظمة حرفيّة كما يبيّن ذلك تاريخه منذ التأسيس".

"إنّ الاتحاد منظمة وطنية بما في المعنى من كلمة"

وكان الأخوان عضوا المكتب التنفيذي مشكورين "العبّاسي" و"الجندوبي" قد تدخلا لي ليركّزا على قانونية الإضراب وأنه لم يأت إلا بعد انسداد الآفاق وأنّ الأيدي مازالت ممدودة للحوار...

لقد كان يوما رائعا وسجّل فيه الإضراب نسب نجاح عالية سفـّهت أحلام الفاشلين المتخاذلين، وها هي النسب كما أدلت بها النقابة العامة [1]:

الجهة النسبة
بنزرت 48.8%
باجة 52%
سليانة 52%
مدنين 70%
قابس 75%
توزر 54%
سوسة 55%
المهدية 57%
سيدي بوزيد 63%
قبلي 70%
الرديف 96%
الحامة 90%
المرسى 31%
بنقردان 70%
المنيهلة 73.29%
القطار 80%
صفاقس المدينة 90%
صفاقص الغربية 80%
بوسالم 40%
جندوبة 20%
نفزة 90%
جبل الجلود 70%
نفطة 80%
الحنشة 95%
فوشانة 53.3%
سيدي حسين 64%
المزونة 65%
الرقاب 80%
مكثر 42%
التضامن 87.7%
مرناق 60%
دوار هيشر 77%
دوز 80%
جرجيس 77.5%
المطوية 77%
الحرايرية 30%
الكريب 39%
الروحية 80%

ملاحظة: من غرائب الأمور أن يضرب المعلمون الجزائريون تضامنا مع المعلمين التونسيين، ويلوذ البعض من معلمينا بأقسامهم هلعا وذعرا وذلاّ!!

معلّم نقابي من جهة تونس
تونس في 6 أكتوبر 2009

هوامش

[1الرابط: http://sbeg.blogspot.com


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني