الصفحة الأساسية > البديل الوطني > إلى فقيد الجامعة والشعر
إلى فقيد الجامعة والشعر
8 أيار (مايو) 2009

يصل اليوم الجمعة 8 ماي من إسبانيا إلى تونس جثمان الفقيد الطاهر الهمامي، وبهذه المناسبة الأليمة أهدي إلى روحه هذه الكلمات.

كنت طويلا فارع الطول. وكانت هامتك ترنو إلى السماء نجما بين النجوم. كنت كآدم أول خلقه وهو على جبل سرنديب، جعلته قامته أقرب من ذرى جبال الأرض إلى السماء. ظللت هناك لا تصغر لك قامة ولا ينحني لك ظهر، شامخا، مقاوما، تضحك من أولئك الذين تصفهم ولا تسمّيهم ممّن يكتبون بأخفافهم. أحببت وطنك.. أحببت الضعفاء والجوعى، ولكن أحببت قبل كل شيء وفوق كل شيء الشعر حتى جعلته رفيق دربك. عشقته فكنت تقلّب طرفك تبحث عن صيغة تؤدي دلالة هذا العشق الذي مداره اللغة فكان أبرز عمل من أعمالك دراستك حول "الشعر على الشعر"... احترت وأنت تدرس الشعر مصدرا من مصادر النقد وكان مردّ حيرتك الشراك التي تنصبها اللغة الاستعارية وتضر بها الأغراض الخاصة بالأحكام، والأهواء المحركة للمواقف، تلميحا كانت أو تصريحا، أو قل يضر بها الكذب المطلوب في تحقيق حسن الكلام

ولكنك لم تحتر في أمر الشعر فحسب بل احترت في أمر قومك غمطوك حقك، واستعجلوا فراقك الجامعة، وفقدان الجامعة إياك حتى قلنا بعدك ونحن ندخل قسم العربية في آداب منوبة ولا نراك "لقد تيتّم الأدب الحديث هنا على أيديهم" كنت تقول لي في أويقات البوح "نحن نعيش في بلد الإقصاء على الهوية" فحفظت التعبير الحزين عنك وبثثته ليردّده الرفاق من النقابيين بعدي. وتضيف "ليصنعوا ما شاء لهم الصنع، لن أبصم أبدا بخفّ، لأن لي يدا لا تصافح غير الأحرار"

مرضت وأنت تجوب الدنيا فتسلل المرض إلى طريق الموت. اضطربت أنفاسك وفاض الدم واشتد الألم وتسلل الذبول إلى الوجه المشرق مثل عدو ماكر خسيس خائن. لا شك أنك كنت في هدوئك وثباتك تستمسك بالعزيمة كما عهدتك، بل لعلك كنت تلاطفها كما كنت تلاطف مريديك من الطلبة وترجوها أن تثبت حتى الرجوع إلى الأرض التي أحببت وظللت وفيا لها، لكن أبت واستسلمت، لتنغرز أنت في عالم البرودة الصامت، فتنعدم الحركة إلى الأبد.

عشت حرا لا تساوم، متمسكا ببدويتك اللذيذة، متواضعا، ضاحكا، بشوشا، لا يفلت من سخريتك أحد، لا أولئك الذين كنت تشبههم بالبقرة الضحوك، ولا ذاك البعل الذي هو "بعل ولو بغل"، ولا حتى القطار الذي كان يحملك إلى بوعرادة، قطار القلعة الجرداء "كالكلبة الجرباء أو كالأسنان المصطكة". نم صديقي هانئا في قبرك، فذريتك تحمل اسمك، قوامها كلمات ستعيش بيننا، نردّدها ونحن لا نبكي هذه المرّة حين نلقاها ونلقاك... وداعا الطاهر الهمامي.

عبدالسلام الككلي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني