الصفحة الأساسية > البديل الوطني > إلى متى ستتواصل معاناة الصحفي الفاهم بوكدوس
بعد سنة من السريّة:
إلى متى ستتواصل معاناة الصحفي الفاهم بوكدوس
4 تموز (يوليو) 2009

مضت أسابيع على احتفال العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي تجدّدت فيه الدعوات لتوفير المناخات الضرورية للعمل الصحفي ليحقق استقلاليته ويضمن أنجاز رسالته وعددت فيه الخروقات في حقّ حريّة الصحافة في اتجاه دعم الصحافة المضروبة والمهمّشة ومساءلة الحكومات المستبدة والقمعية، ولم تستجب السلطات التونسية لمجمل النداءات الوطنيّة والإقليمية والدولية لرفع يديها المكبّلتين عن هذا القطاع والكفّ عن محاولاتها اليائسة لتطويعه وتدجينه. إنّه خلافا للمأمول تضاعفت الانتهاكات في حقّ هذا القطاع والتي تعرّض المؤسّسات الإعلاميّة المستقلّة وصحافيّيها لشتّى صنوف التضييق والتنكيل والعسف والملاحقة، في محاولات لمصادرة حقها في النشاط المستقل، وفي اعتداء على حركة نقل المعلومة، وعلى حق التونسيات والتونسيين في الإطّلاع على الخبر دون طمس أو تحريف.

في ظل هذا المناخ، ما يزال مراسل قناة الحوار التونسي الفاهم بوكدوس متواريا عن الأنظار منذ 5 جويلية الماضي بعد إقحامه في القضايا التي طالت قادة ونشطاء الحركة الاحتجاجية في الحوض المنجمي، والحكم عليه غيابيا يوم 11 ديسمبر 2008 بـ6 سنوات سجنا على خلفية تغطيته المتميّزة لتلك الأحداث.

لقد انطبقت على الصحفي المذكور تلك القاعدة التي تقول أنه زمن الاحتجاجات الشعبية والتمرّدات والقلاقل والاضطرابات والإضرابات... يكون الصحفيون أوّل من يدفع الثمن. ولقد تردّد على لسان الفاهم بوكدّوس على شاشة فضائية الحوار التونسي منذ أفريل 2008 أكثر من نداء بأن السلطة تسعى لاستهدافه، ولإجهاض مواصلة تغطيته للتحركات الأهلية التي تفجّرت في 5 جانفي 2008 احتجاجا على فساد مناظرة لانتداب كوادر وأعوان بشركة فسفاط قفصة وتحولت إلى معركة للدّفاع عن حق الشغل، وعن منوال عادل للتنمية الجهوية.

لم يتحمّل عزم السّلطة على عزل تلك الانتفاضة والتكتم على حيثياتها، جرأة الصحافي الشاب في تتبع أدق تطوراتها. ويبدو إن تجاوز الفاهم بوكدّوس لبعض الخطوط الحمر قد عجّل باستهدافه:لقد سمّى مراسل الحوار التونسي المسؤولين المباشرين عن استهداف الأهالي والتنكيل بهم وتعريضهم للتعذيب والمعتقلات في تعارض مع سياسة حماية المذنبين والتغطية على الجناة. كما أثبت أن المنعرج الأمني ليوم 6 جوان 2008 وما انجر عنه من قتلى وجرحى من شباب الرديف لم يكن بسبب إدّعاءات باستعمال جملة من الشباب للزجاجات الحارقة في استهداف قوات الأمن، ولا نتيجة لمكائد مافيا جهوية تسعى لعرقلة اتفاقيات مع سلط الإشراف لتشغيل عشرات المعطّلين من أبناء الجهة، بل كان تنفيذا لقرار مركزي بمعاقبة تلك الحركة والحيلولة دون تحولها على مثال للاحتذاء. ولقد قدّم بوكدوس منذ ماي 2008 معطيات ومؤشرات على التحضير لمثل هذا السيناريو على خلاف ما كان يروّج من جدية في الحوار مع الأهالي وممثليهم.

إن الفاهم بوكدوس سواء كان في السجن يقضي حكما ظالما بالحبس، أو كان متخفيا ومحروما حتى من حقه في العلاج من مرض الربو الذي يعرض حياته يوميا للخطر، فإنه يدفع فاتورة الدفاع عن حرية العمل الصحفي في بلادنا وتحريره من عقلية الأبوة والوصاية، ومن القبضة الأمنية الفجّة والمفضوحة، وهو درب يسلكه بشجاعة وجرأة العشرات من زميلاته وزملائه رغم المصاعب والعراقيل.

إن مثال الفاهم بوكدوس يؤكد مرة أخرى أن إحصاء الانتهاكات فير حق الصحافة الحرة والمستقلة وكيل الشجب والتنديد لسلطة تعاديها لم يعد كافيا ما لم يردف بمحاربة سياسة الإفلات من العقاب حتى لا يطمئن محاصرو الصحافة وجلاديها لمنجزاتهم في التكميم والتعمية.

عفاف بالناصر


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني