الصفحة الأساسية > البديل النقابي > الجامعيون المعاقبون عهدة في ذمة الإتحاد
الجامعيون المعاقبون عهدة في ذمة الإتحاد
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008

أرسلت جامعة المنستير إلى الأستاذ الجامعي والناشط السياسي والنقابي رشيد الشملي الذي سلطت عليه عقوبة الرفت لمدة أربعة أشهر مع الحرمان من المرتب مراسلة بتاريخ 5 نوفمبر 2008 تعلمه فيها "أن العقوبة الإدارية المسلطة عليه لا تسمح له بدخول كلية الصيدلة وبالتالي لا يمكنه تأطير الطلبة إلا بعد انتهاء العقوبة". هذا وقد واصل الأستاذ الشملي بعد قرار الرفت النظر في أعمال الطلبة القريبين من إيداع رسائلهم قصد المناقشة حتى لا تمسّ العقوبة الموجهة إليه بمصالح الطلبة. حدث هذا التطور غير المفاجئ رغم تعدد المساعي التي يقوم بها أساتذة كلية الصيدلة لتنقية الأجواء بكليتهم وإعادة الاعتبار لزميلهم الأستاذ الشملي. ومن هذه المساعي اللقاء الذي تم يوم 21 أكتوبر بين لجنة المساعي الحميدة المتكونة من أربعة أساتذة بكلية الصيدلة: عميدان سابقان وهما السيدان عبد الرزاق الجدي ومحمد القلال وأستاذا تعليم عال وهما السيدان عبد الرزاق الهذيلي وعادل بن عمر من جهة ورئيس جامعة المنستير السيد محمد الباقر الرماح من جهة أخرى. وقد وعد رئيس الجامعة بإعلام وزير التعليم العالي بفحوى المقابلة التي أكدت خلالها اللجنة على ضرورة إعادة النظر في قرار مجلس التأديب وذلك قصد تنقية الأجواء بالكلية. ومن هذه المساعي أيضا الرسالة التي وجهها عدد هام من أساتذة كلية الصيدلة بالمنستير إلى السيد وزير التعليم العالي حول القرار المسلط على الأستاذ الشملي. ومن دون التقليل من شأن هذه المساعي الحميدة التي اختارت وزارة التعليم العالي أن ترد عليها بإغلاق باب الكلية أمام الأستاذ الشملي ضاربة عرض الحائط بمصالح الطلبة، فإنه من الضروري أن نلاحظ أولا أن قضية الأستاذ الصيدلاني ليست قضية معزولة فهي تندرج ضمن سلسلة من العقوبات التي طالت أستاذين آخرين بالإضافة إليه وهما نورالدين الورتتاني الكاتب العام للنقابة الأساسية لكلية الاقتصاد والتصرف بنابل ومحسن الحجلاوي النائب الأول للنيابة النقابية بالمعهد العالي للتكنولوجيات الطبية بتونس، وهذا يعني أن الدفاع عن الجامعيين المعاقبين هو أولا من مسؤولية الهياكل النقابية للقطاع الذي ينتمون إليه وثانيا من مسؤولية الاتحاد العام التونسي للشغل المطالب بحماية منخرطيه لا سيما إذا كانوا مسوؤلين نقابيين. إنه أمر في غاية الخطورة أن يترك الجامعيون إلى أنفسهم، لأن وضعية الأساتذة المحالين على مجالس التأديب، وكلهم من المسؤولين النقابيين أو الناشطين السياسيين بالقطاع (ليس ذلك صدفة) والظروف التي التأم فيها مجلس التأديب الذي لم يترك للأستاذ الورتتاني حق إحضار الدفاع واستدعاء الشهود ونظر فيما يخص الأستاذ الشملي في مسائل جنائية خطيرة لم تقل فيها العدالة كلمتها من قبيل مسك مادة مخدرة، دليل دامغ على عدم احترام قوانين البلاد والتعدي على الحقّ النقابي المضمون دستوريا والاستخفاف بالاتحاد العام التونسي للشغل. كما تمثّل وضعيتهم أمارة على عدم احترام العهود والمواثيق الدولية التي أمضت عليها الحكومة التونسية وخاصة الاتفاقية الدولية رقم 135 لحماية المسؤول النقابي. فهل يمكن للاتحاد أن يكون طرفا فاعلا داخل المجتمع ويقوم بدوره إن لم يعمل من أجل إلزام الطرف المقابل باحترام الحقّ النقابي وتنفيذ مضمون الاتفاقية 135؟ وهل يمكن للعمل النقابي أن يتواصل في الجامعة في هذه الظروف وفي هذا القطاع المستهدف منذ سنوات عديدة في ظلّ سياسة الانغلاق ورفض التفاوض الجدي وتقرير مصائر الأجيال بدون مشاورة أحد أو العودة إلى من يهمهم الأمر، أولئك الذين بمقدورهم تصور السياسات والبرامج والسهر على حسن تنفيذها؟

إنّ قضية الحقّ النقابي قضية مبدئية وهي على هذا الأساس لا تقل أهمية عن الوضع المادي الذي تسعى المفاوضات الاجتماعية إلى تحسينه، إذ بدون حماية المسوؤلين النقابيين لا مجال لتطور العمل النقابي مستقبلا ولا مكان للاتحاد على طاولة المفاوضات.

لقد طالت هذه المظلمة أكثر من اللزوم ومرّ على بدايتها الآن 9 أشهر منذ أن ابتدأت حملة الهرسلة عبر الاستجوابات والمضايقة كما أنّ الآجال القانونية القصوى لتقديم الاعتراضات على تلك العقوبات الظالمة ولتقديم قضايا بالمحكمة الإدارية اقتربت ولا يزال الأساتذة المعنيون بالعقوبات حسب ما صرح لنا بذلك بعضهم يحجمون عن المبادرة إلى تقديمها وإلى اللجوء إلى أشكال نضالية أخرى لحماية الحقّ النقابي احتراما لمساعي المركزية النقابية وحتّى لا تجابه بالردّ المعتاد حول استحالة التفاوض معها تحت الضّغط والتصعيد. إننا لا نريد أن نساير مواقف من يرون أن المركزية تخلت عن القطاع وأنها لم تكن في مستوى الوعود التي قدمت في مؤتمر المنستير الأخير وأنها قد تكون مسؤولة هي أيضا عن الأزمة التي عاشها ويعيشها القطاع منذ 1999 وتعمقت في سنة 2003، إننا لا نريد أن نساير هذا الرأي لأننا نعتقد بصدق إن الاتحاد لم يتخل يوما عن الجامعيين، والقضية المرفوعة باسمه وباسم الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي إلى المنظمة الدولية للشغل ضد الحكومة التونسية رغم سياسة التعاقد التي تربطه بالطرف الحكومي، دليل من الأدلة على ذلك، ولكننا نعتقد رغم هذا أن الاتحاد مطالب بان يقدم إلى الجامعيين أكثر مما فعل. ولأن مقالا من هذا النوع ليس من أهدافه أن يقترح تصورات حول أشكال هذا الدعم فإننا نكتفي هنا بدعوة المركزية إلى الوقوف بشكل أكثر حزما مع الأساتذة المعاقبين حتى لا يدفعوا إلى حالة يأس يخشى أن ينتشر تناسلها السرطاني إلى قطاع عانى الكثير وربما تخبئ له الأيام محنا أخرى لا قبل له بها إذا لم يجد من رأس المنظمة الحماية التي بدونها قد لا يبقى من العمل النقابي في الجامعة إلا قليل من المناضلين الشيوخ وكثير من الذكريات الحلوة والمرة.

عبدالسلام الككلي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني