الصفحة الأساسية > البديل العربي > الحرب على العراق : نهاية مرحلة وبداية أخرى
الحرب على العراق : نهاية مرحلة وبداية أخرى
نيسان (أبريل) 2003

أُسدل الستار على الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على العراق وبدأت حقبة جديدة من تاريخ هذا القطر العربي بل ومن تاريخ المنطقة العربية بأكملها ومجمل العلاقات الدولية.

فمنذ فجر يوم 20 مارس الماضي وعلى امتداد ثلاثة أسابيع عاش العراق الشقيق تحت وطأة حرب مدمّرة شنتها قوات الولايات المتحدة وبريطانيا جنّدت لها حوالي 300 ألف جندي وأعدادا رهيبة من الآليات العسكرية دبابات ومدافع ومدرّعات وحاملات الجند والطائرات المقاتلة بمختلف أنواعها وصواريخ وعشرات الأطنان من القنابل.

لقد صبّت الآلة العسكرية الغازية جام نقمتها على الشعب العراقي مخلفة دمارا في البنى التحتية وعددا لم يقدّر بعد على وجه الدقة من الضحايا بين قتلى وجرحى، عساكر ومدنيين.

1 - عندما يعجز العالم أمام أمريكا :

استغلّت إدارة بوش أحداث تفجيرات 11 سبتمبر لتعلن عزمها وضع خططها التي كانت تطبخها سرا موضع تنفيذ على مرأى ومسمع من جميع بلدان العالم. فالرئيس الأمريكي بوش كان أعلن غداة تفجيرات 11 سبتمبر في خطاب تلفزي أن أمريكا و"العالم المتمدّن" يخوضان اليوم "صراع حضارات" [1]. وتحت هذا العنوان تمّ إعداد وتنفيذ الحرب على أفغانستان بصفتها راعية للإرهاب الدولي في إشارة لنظام طالبان الذي آوى تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن.

وقد جرت تلك الحرب أيضا ضمن استراتيجية الحرب على محور الشر(العراق وإيران وكوريا الشمالية بعد الانتهاء من الملف الأفغاني) الذي وجب القضاء عليه في المنظور الأمريكي بالتقسيط. ويأتي العراق بطبيعة الحال في المرحلة الموالية مباشرة بعد أفغانستان. أما ما يبرر ذلك فللإدارة الأمريكية نوعان من المبررات ، نوع معلن وهو امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والخطر الذي يمثله "نظام صدام حسين الدكتاتوري على الأمن والاستقرار الدوليين". أما النوع الثاني غير المعلن فهو الأطماع الأمريكية في بسط هيمنتها على المنطقة وعلى خيرات العراق البترولية على وجه الخصوص وتعبيد الطريق للكيان الصهيوني لمزيد التوسع والتغلغل في المنطقة. وقد كشفت التقارير الخطة التي وضعتها لجنة الاستراتيجية الأمريكية في مجال الطاقة التي عرض "ديك تشيني" نائب الرئيس بوش تقريرها أسبوعا فقط بعد أحداث سبتمبر.

يوجد إذن أكثر من دافع ومن مبرر لدى الولايات المتحدة الأمريكية للتعجيل بالملف العراقي مستندة إلى ترسانة القرارات الدولية المتخذة ضد العراق على امتداد سنوات الحصار المضروب عليه منذ سنة 1990. وتبعا لذلك فرضت أولا عودة المفتشين إلى بغداد للتحقق مما إذا كان العراق قد طور أسلحة دمار شامل أم لا، ومن ثمة راحت تصعّد لهجتها لجر العالم كله إلى الموافقة على شن حرب على العراق في البداية بذريعة القضاء على أسلحة الدمار الشامل ثم فيما بعد للإطاحة بصدام حسين بصرف النظر عن امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل من عدمه.

ورغم كل الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على المنتظم الأممي ومجلس الأمن وعلى أعضائه فقد فشلت في استصدار قرار يفوّض لها شن الحرب التي أعدت سيناريوهاتها منذ جوان 2002، بل على العكس من ذلك وفّرت الظروف لظهور وتشكل نواة من حلف معارض لها تقوده فرنسا وألمانيا وروسيا.

غير أن هذا الفشل الديبلوماسي لم يثن الولايات المتحدة الأمريكية مدعومة ببريطانيا وحفنة من بلدان أخرى ( أستراليا وبولونيا وبلغاريا ...) عن تنفيذ مخططها الحربي أو قُل هذا الفصل من مخططها الاستعماري الجديد ضد الشعب العراقي بتعلة إصرارها على تجريد صدام حسين من أسلحته والإطاحة به و"تحرير العراق" من ديكتاتوريته.

وفيما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعد استخباراتيا وعسكريا الحرب القادمة على العراق ظل العالم يكتفي بالدعوة إلى التعقّل وبالتعبير اللفظي عن مناهضة الحرب وبالتحذير من عواقبها الوخيمة. ذلك هو فحوى ما شددت عليه اجتماعات الاتحاد الأوروبي والقمة العربية ومجلس التعاون الخليجي وقمة بلدان عدم الانحياز وغيرها من الهيئات والمؤسسات الدولية والإقليمية.

ومعلوم أنّه أياما قليلة قبيل اندلاع هذه الحرب، أي حينما كان فريق الحرب في البيت الأبيض الأمريكي يضع اللمسات الأخيرة لإشعال فتيلها لم يوجد من يستطيع أن يتكهّن بدقة بما ستفضي إليه هذه المواجهة بين فريق المجرم بوش وذيله بلير اللذين وعدا بحرب "نظيفة وخاطفة" لا تستغرق غير بضعة أيام لاحتلال العراق وإزاحة نظامه وإحكام السيطرة على كامل التراب العراقي، بل وأكثر من ذلك راحا يتحدثان عن عراق ما بعد الحرب وبين القيادة العراقية التي كانت تلوح باستعدادها للصمود وعزمها على المقاومة لتلقين العدوّ درسا لن ينساه لخّصه الرئيس العراقي السابق صدّام حسين بالقول: "بغداد مصمّمة اليوم على أن ينتحر ماغول العصر على أسوارها".

بين هذا وذاك ماذا كان يمكن للمراقب العادي أن يرجح؟ الوعود الأمريكية البريطانية أم التأكيدات العراقية ؟

في الحقيقة وبالنظر إلى موازين القوى العسكرية بين أمريكا وبريطانيا من جهة والعراق من جهة ثانية لا يملك أي مراقب غير التسليم مسبّقا بالفوز الأكيد وربّما حتى السريع للقوى الغازية على العراق الذي عانى الحصار على امتداد حوالي 12 سنة تمّ خلالها تدمير جزء هام من مقدراته الاقتصادية وإمكانياته العسكرية فضلا عن مخلفات العدوان العسكري الذي تعرّض له سنة 1991 وبعدها خاصة عدوان سنة 1998 إثر طرد فرق التفتيش.

وبطبيعة الحال فإن الأحداث العالمية في العشريتين الماضيتين تؤكد كلها التفوّق العسكري الأمريكي على الساحة الدولية . فمنذ الإنزال العسكري الأمريكي في جزيرة قرينادا في أمريكا الوسطى سنة 1981 انتصرت الولايات المتحدة الأمريكية في كل النزاعات والتدخلات العسكرية سواء في العراق خلال حرب الخليج الثانية (1991) أو في البلقان في التسعينات أو في أفغانستان السنة الماضية مما بات يبعث على الاعتقاد أن هذه القوة الغاشمة صارت اليوم على قدرة لا محدودة ولا رادع لها. ومما يترك أي مراقب أميل إلى التصديق بأن هذه الحرب الجارية الآن على الشعب العراقي ستكون بالفعل وكما وعد الأمريكيون قصيرة وخاطفة تحقق الأهداف المعلنة من قبل البيت الأبيض.

غير أن مجريات الحرب خلال أيّامها الأولى جعلت الكثير من المتتبعين والمحللين الاستراتيجيين والسياسيين يراجعون نظرتهم إلى سيرورة هذه الحرب وربّما حتى مآلها وسرت في أذهان البعض وخاصة المعارضين لها أن العدوان الأمريكي البريطاني لا يبدو قادرا على تحقيق أهدافه المعلنة.

لكن قبل ذلك تجدر العودة إلى مفاصل الخطة العسكرية كما وضعها فريق التخطيط الحربي في واشنطن أياما قبل بداية الغزو، هذه الخطة التي كشفت عنها جريدة الـ"واشنطن بوست". فقد خطط وزير الحرب رامسفبلد الذي ترأّس فريقا لهذا الغرض ضمّ طومي فرانكس وبول فولفوفتس وريتشارد بيرل وجون مايرز وعددا من الجنرالات وخبراء مجلس الأمن القومي لحرب سريعة "ونظيفة" لا تستغرق إلا بضعة أيام فقط. وتنطلق الحملة العسكرية على العراق بهجوم كاسح يعتمد الصدمة ويقوم على البدء بضربات جوية قوية على المدن الأساسية وعلى آلاف من الأهداف الحساسة مثل محوّلات الطرق ومراكز الاتصالات ومراكز توليد الطاقة والجسور والهدف من ذلك عزل صدام حسين عن قواته العسكرية وتفكيك جهاز دولته وإجبار قوى الجيش الجمهوري التي قدروها بـ30 ألف على التجمّع حول رئيسها صدّام وبذلك يسهل تركيز الضربات عليهم. وعوّلت الخطة على سلسلة من الإجراءات (تنظيم برنامج الإغاثة ومنع حركة الهجرة من العراق أثناء الحرب وتقديم المعونة المادية للمدنيين...) لاستمالة المواطنين العراقيين وخاصة شيعة الجنوب وأكراد الشمال الذين تحرّكهم مشاعر عداء عميق لنظام صدّام حسين. وحددت الخطة مدّة 48 أو 72 ساعة لقتل الرئيس العراقي أو القبض عليه. وكان من المفترض أن تنطلق الحملة مع موفى شهر جانفي أو منتصف شهر فيفري حسب الخطة المذكورة على أن تحشد لها حوالي 250 ألف جندي أمريكي ومن الدول التي يمكن أن تشارك في العدوان.

ومهما كانت المراجعات المجراة على الخطة فقد تبيّن فيما بعد أنّها جرت على النحو المخطط لها.

فقد انطلقت الحرب فعلا بضربات جوية على العاصمة بغداد ليلة الخميس 20 مارس الماضي ثمّ تلاها توغّل القوات البرية الأمريكية والبريطانية في الأراضي العراقية انطلاقا من شمال الكويت الذي تحوّل ثلثاه إلى قاعدة عسكرية أمريكية . وكان الهدف المرسوم هو الانقضاض على آبار البترول جنوب العراق واجتياح الجنوب العراقي بصفة عامة ومن ثمة التوجّه لمحاصرة بغداد مع الاستمرار في القصف الجوي للمدن انطلاقا من البصرة إلى بغداد.

حيال كل هذا كان العالم بأسره عاجزا عن التحرك لمنع الحرب وكبح جماح فريق بوش المتعطش للدم من أجل البترول والهيمنة.

2 - صدام حسين كاريزما جديدة تسحر العرب وتخذلهم :

تمكن الرئيس العراقي صدام حسين من استقطاب أنظار وحتى تعاطف أوساط عريضة من الجماهير العربية في كل الوطن العربي، ولعل الضربات الصاروخية التي ضرب بها الكيان الصهيوني خلال حرب الخليج سنة 1991 وصمود نظامه في وجه الهجوم العسكري الثلاثيني آنذاك وبقائه في السلطة رغم طول مدة الحصار المضروبة على بلاده وأعمال الدعم المعنوية والمادية للانتفاضة الفلسطينية الثانية كانت كلها من العوامل التي أضفت عليه حالة من الرمزية وجعلت عموم الرأي العام العربي يغفر شيئا ما الطابع العائلي والفئوي الديكتاتوري لنظامه وطريقة حكمه والتقلبات الكثيرة التي عرفتها تجربته على رأس الدولة العراقية (المحاكمات والاعدامات وأعمال الإبادة ضد الأكراد والحرب ضد إيران...).

لقد عانت الشعوب العربية من سلسلة الهزائم والانتكاسات الطويلة والمتكررة منذ مطلع القرن الماضي بمعدل نكسة كل عقد من الزمن ( أول حرب فلسطينية – صهيونية سنة 1936 وهزيمة عزالدين القسام- تقسيم فلسطين وإقامة دولة الكيان الصهيوني وهزيمة الجيوش العربية سنة 1948(النكبة)- العدوان الثلاثي على مصر إثر قرار عبد الناصر تأميم قناة السويس سنة 1956 – هزيمة حرب جوان 1967 الموصوفة عربيا بالنكسة الكبرى- اتفاقيات كامب ديفيد سنة 1979 – اجتياح بيروت سنة 1982 – الحرب على العراق سنة 1991 – الحرب على العراق هذه السنة). وظلت منذ أكثر من ثلاثين سنة متعطشة لبروز قائد عربي في حجم عبد الناصر يغذي لديها الأمل في رفع الضيم عن المهانة القومية التي لحقت بها ويقدم لها ما يفيد أن النصر على العدو الصهيوني وعلى الإمبريالية الأمريكية مطمح ممكن التحقق. وفي ظل افتضاح كل الأنظمة العربية كأنظمة قمعية وعميلة ومتهافتة على التطبيع مع العدو البغيض ظهر صدام حسين في نظر الجماهير العربية كقائد يجسّم ولو إلى حد مواصفات "الزعيم القومي" الأقدر على الاستجابة للمشاعر القومية العربية المتحفزة لمواجهة الأعداء التقليديين إسرائيل وأمريكا.

لذلك هبت الجماهير العربية لمناهضة الحرب على العراق بل ولمساندة الشعب العراقي وبصورة غير مباشرة – وأحيانا معلنة – لنظام صدام. ورغم أن احتجاجات الجماهير في مختلف الأقطار العربية واجهتها الأنظمة العربية الرجعية بالقمع ( منع المظاهرات والإيقافات وحتى سقوط قتلى على أيدي البوليس العربي ) فإن ذلك لم يمنعها من التظاهر وحتى التطوع للقتال إلى جانب العراقيين.

لقد بعثت تأكيدات القيادة العراقية بيقينها في النصر في الجماهير العربية أملا ونوعا من القناعة بقدرة العراق على دحر العدوان وهزمه وتأكد ذلك أكثر جراء تطورات العمليات العسكرية خلال الأيام الأولى من الحرب. فالمقاومة في أم القصر والبصرة وكامل الجنوب العراقي وبعض النجاحات التي أحرزها أهالي الجنوب في إيقاف زحف القوى الغازية على المدن وتكبيدها بعض الخسائر البشرية والعسكرية ألهبت حماس الجماهير وحوّلت لديها الأمل في النصر إلى ضرب من القناعة الراسخة فيه. وساهمت الحرب الإعلامية التي قادتها القيادة العراقية خلال الأيام الأولى بدرجة كبيرة من النجاح والاقتدار في مزيد رسوخ هذه القناعة. وبلغ الإحساس بالانتصارية ذروته عندما ظهر على أداء القوات الغازية شيء من الارتباك كشفت عنه تصريحات رموز الإدارة الأمريكية والتي تخللتها انتقادات كبيرة للخطة العسكرية المتبعة وكاد أن يذهب ضحيتها وزير الحرب رامسفيلد.

هذا السياق من التطوّر عبّأ الرأي العام العربي باتجاه واحد اتجاه النصر الأكيد على الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا الذي كان بمثابة المعجزة . وحتى سقوط بعض المدن في أيدي العدو لم يكن ليهزّ القناعة الجديدة خصوصا أن الدعاية العراقية تركزت قبيل الحرب وأثناءها على أن المعركة الكبرى والحاسمة ستكون معركة بغداد. وازداد الإيمان بذلك عندما اعترفت القوات المعادية – على خلاف ما بشرت به عند انطلاق العدوان – بأن الحرب ستطول أكثر مما كان متوقعا وأن سقوط بغداد سيكون صعبا وسيكلفها خسائر كبيرة راح بوش وفريقه يقنع الرأي العام الأمريكي بضرورة تفهمها وقبولها.

لهذه الأسباب كلها كان لسقوط بغداد بالسهولة التي حصل بها مفاجأة مؤلمة وخيبة أمل كبرى خلفت انكسارا كبيرا.

إن المآل الذي آلت إليه هذه الحرب يشكل طعنة قاسية للوجدان العربي الذي أوهمه نظام صدام حسين بأن الانتصار على العدو التقليدي الأمريكي – الصهيوني ممكن بل متأكد. لكن وعلى الخلاف من ذلك أفاق على انهيار سريع ومهين لصرح الأمل الوهمي ووجد نفسه حيال حالة من الفوضى كشفت عن كم هائل من الحقائق والفظاعات التي لا يمكن إلا أن تؤدي إلى مثل هذا المصير المؤلم.

3 - حقائق اليوم وحقائق المستقبل :

بانتهاء هذه الحرب تبتدئ مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة. فالعراق اليوم مستعمرة أمريكية تتسابق القوى العظمى على نيل نصيبها في الاستثمارات القادمة لإعادة الاعمار واستغلال منابع النفط وترويج البضائع والسلع. أما سياسيا فالعراق يحتل مكانة متميزة في خريطة التحكم في المنطقة. فموقعه الاستراتيجي يخول للولايات المتحدة الأمريكية من الآن فصاعدا مراقبة القوى التي ما تزال مارقة عن الإرادة والتصور الامريكيين، إيران وسوريا خصوصا، كما يخول لها تعبيد الطريق أمام الكيان للصهيوني للتوسع وفرض التطبيع مع البلدان المجاورة ومن ناحية ثالثة سيشكل العراق منطلقا ونموذجا ستعمل أمريكا على فرض اتباعه في كل الخليج العربي ومصر ومجمل منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية.

وعلى المدى المباشر بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بتهديد سوريا وإيران بنفس التعلات التي استعملتها ضد نظام صدام حسين والهدف من ذلك واضح تمام الوضوح إما إجبار هذين البلدين على القبول صاغرين بتوصيات وإملاءات البيت الأبيض الأمريكي أو توفير المبررات الشكلية لخوض حرب جديدة ضدهما.

إن الأنظمة العربية ستجد نفسها – بما في ذلك الأنظمة العميلة لأمريكا – مجبرة على إدخال بعض التغييرات على نظم حكمها باتجاه إرساء أنظمة عصرانية ذات طابع ديمقراطي شكلي على النمط الأمريكي. والغاية من ذلك في منظور الإملاءات الأمريكية هي التخفيف من وقع الاحتقان الشعبي والقضاء على دوافع النزوعات نحو ما يسمى بالتطرف والإرهاب بغية القضاء نهائيا على العداء الشعبي لأمريكا وتوفير الظروف المناسبة لبسط هيمنتها بصورة طواعية على الشعوب والأنظمة في ذات الوقت. أما من منظور الأنظمة العربية الحالية فالغاية هي الحفاظ على كراسيها وامتيازاتها والاستمرار في الاستجابة لمطالب ومصالح الإمبريالية الأمريكية.

حيال هذا بات اليوم واضحا أنه على الشعوب العربية وطلائعها وقياداتها السياسية الثورية والتقدمية تحيين برامجها وأهدافها. لقد أكدت هذه الحرب كما كان الشأن إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية أن المدخل لمواجهة الإمبريالية والأطماع الاستعمارية في المنطقة يمر عبر طريق وحيدة وهي القضاء على الأنظمة العربية العميلة. غير أن التطور اللامتكافئ للظروف الاجتماعية والسياسية أي ظروف النضال الشعبي من بلد إلى آخر تفترض أن ينبني هذا التوجه على حسم المسألة الديمقراطية وتمكين الشعب من تسيير شؤونه بنفسه. ولقد كان ذلك واضحا في الحالة العراقية حيث فشل النظام العراقي الذي أراد البروز بمظهر الوطني المعادي للإمبريالية في مواجهة الهجمة العسكرية العنيفة الأخيرة أساسا بسبب الأسلوب الديكتاتوري الذي اتبعه هذا النظام مع شعبه طوال مدّة حكمه.

إن تقويض الأنظمة العميلة وإرساء الديمقراطية لصالح الشعوب العربية هو المدخل الوحيد لمواجهة الأطماع الاستعمارية والتقدم نحو الوحدة العربية وحسم الملف الفلسطيني بالقضاء على الكيان الصهيوني ورسم طريق التنمية والتقدم الحضاري، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعلميا.

هوامش

[1إن هذا الصراع ليس خاصا بأمريكا لوحدها، ورهانه ليس فقط حرية أمريكا. إنّه صراع العالم قاطبة. إنه صراع حضارات. إنه صراع كل الذين يؤمنون بالتقدم وبالتعددية وبالتسامح والحرية..." مقتطف من أول خطاب تلفزي وجهه جورج بوش للشعب الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر. المجلد السادس- العدد الثالث – نوفمبر 2001 من المجلة الإلكترونية لوزارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني