الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الحكومة بين العجز والارتجالية
بوصلة:
الحكومة بين العجز والارتجالية
29 آذار (مارس) 2012

عمّار عمروسّية

مرّت أيام بل أشهر على تسلّم "الترويكا" زمام الحكم في بلادنا ولم تكلّف السلطة الجديدة نفسها حتّى عناء إعطاء مؤشرات سواء في ما يتعلّق بالقطع مع الماضي أو فيما يتصل بالشروع في الاستجابة للتطلّعات المشروعة للشعب الذي أزاح رأس الحكم الفردي والبعض من أجهزته الديكتاتورية (تجمّع، مجلس النوّاب..) وعبّد الطريق واسعا أمام صعود الحكّام الجُدد بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر الفارط.

والمُلفت للانتباه أنّ التحالف الثلاثي الحاكم وعلى الأخصّ عموده الفقري حزب حركة النهضة أبدع أيّما إبداع قبل الحملة الانتخابيّة وأثناءها في تقديم الوعود للناخبين مع إسنادها بعمل "خيري اجتماعي" واسع وصل حدّ إسناد قروض بالملايين وتنظيم حفلات زواج جماعيّة وغيرها... دون أن ننسى من أشهر صباحا مساء شعارات "المحاسبة" و"التطهير" و"القطيعة" ومن تمترس وراء الدّفاع عن "حقوق الإنسان" و"المدنيّة" و"العصرانيّة". وفي كلمة عزفوا على وتر الثورة والشعب والحرية إلّا أنّهم اجتمعوا في الحكومة على تنظيم لعبة التسابق الجنوني على اقتسام مغانم "السلطة" وإيجاد التبريرات للتفصّي سواء من الوعود التي قطعوها أو من برامجهم الانتخابيّة الشيء الذي وضعهم بصفة حقيقيّة أقرب إلى الحكّام الجدد بنفس الخيارات الاقتصاديّة والاجتماعيّة القديمة التي أهلكت البلاد والعباد.

فالحكومة الجديدة، رغم مرور هذه الأشهر لم تقدر حتّى على إعطاء مؤشرات بسيطة في معالجة مجمل القضايا التي تطحن المجتمع بما يعيد الأمل للتونسيات والتونسيين، على النّقيض من ذلك اجتهدت أكثر من سابقيها على جميع الأصعدة لتطمين الدوائر الإمبريالية النّهابة وحلفائها في الداخل والخارج وأدواتها الأكثر فسادا وعمالة بالمنطقة العربيّة.

ولعلّ كلّ متابع محايد لأداء هذه الحكومة يقف على تنامي "عكشة" الحكومة في معالجة قضايا البطالة المتفاقمة وتدهور المقدرة الشرائيّة المتسارع وازدياد مخاطر الاعتداءات على الحريات العامّة والفرديّة ضمن مساعي محمومة لإثارة الفتن العقائديّة والمذهبيّة وتمزيق النّسيج المجتمعي بهدف العودة بأوضاع البلاد إلى الوراء وصرف انتباه الشعب عن قضاياه الفعليّة.

وبالتوازي مع هذه "العكشة" تعرف السياسة الخارجيّة للسلطة الجديدة حركيّة مفرطة أقرب إلى التسرّع بل "التبرطيع" كما يُقال، وفي الحالتين انتهت النتائج العمليّة إلى ثمرة غريبة كلّ الغرابة عن انتظارات الشعب التونسي.

فالعجز في تناول المعضلات الداخليّة رفّع أرقام البطالة بمئات الآلاف عمّا كان وألهب نار الأسعار كما لم يحدث من قبل وأبعد حدّ النسيان أسس بناء تونس الجديدة مثل المحاسبة والقطع مع التفاوت الجهوي والتهميش وكذلك إعادة هيكلة وتطهير قطاعات حسّاسة من الفساد والمفسدين (إعلام، إدارة، أمن، قضاء..).

أمّا في التعاطي مع القضايا الخارجية القوميّة منها أو العالميّة فلم تجد البلاد منها سوى مصاعب إضافيّة (الجزائر، روسيا، سوريا...) وبطبيعة الحال تعمّق الارتهان للدول والمؤسسات النهابة ووضع تونس على سكّة التومقع في المحور الرجعي العربي الأكثر عمالة وعداء لتطلعات الشعوب العربيّة (قطر، السعودي..) في التحرر والانعتاق.

في النهاية حكومة الترويكا حتّى هذا الوقت على الأقلّ تراوح بين العجز والارتجالية، وفي الحالتين تدفع البلاد إلى الوراء من خلال استنساخ القديم إن في أساليب إدارة الشأن العام وإن في المضامين الاقتصادية والاجتماعية والسياسة الخارجيّة.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني