الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الحوض المنجمي، بين الآلة القمعيّة والآليات الترقيعية
الحوض المنجمي، بين الآلة القمعيّة والآليات الترقيعية
16 آذار (مارس) 2008

رغم أشكال القمع والشرذمة، فإنّ جذوة المقاومة لم تخمد، وخلف كلّ ظواهر اليأس والإستسلام التي كانت تغلب حينا تبين أنّ حسّ العداء والنضال يبقى جاهزا باستمرار، هذا ما يمكن قراءته من انتفاضة الحوض المنجمي بقفصة. فبعد أن تداعت أكاذيب البحبوحة والإزدهار الذي خدعت به الجماهير وبعد أن تجاوز النهب الإقتصادي حدود ما ضبط قانونيا وسياسيا، اندلعت احتجاجات متساكني أم العرائس كغيرها من معتمديات الحوض المنجمي تمرّدا على واقع بات مفروضا رغم رفضه، إنّها حركة مطلبية جماعية تنادي بالتقسيم العادل للثروة الوطنية وتطالب بنصيب الجهة من المشاريع التنموية خاصّة وقد بلغت الأوضاع الإجتماعية حدّا أقلّ ما يقال عنه أنه خطير: فقر مدقع، بطالة بنسب مفزعة، خصاصة، حقوق مهضومة، فضلا عن ملفات الفساد لمسؤولين نفعيين وقعوا في جريمة العمل الحقير وفضلوا الصفقات على حاجات الجماهير.

ولئن كانت الاحتجاجات تعبيرا عن سخط المهمّشين والمستضعفين تجاه الحيف الإجتماعي الناتج عن السياسة الاقتصادية التي تتبعها الدولة، فإنّ الحلول التي تمّ اقتراحها وشُرع في تطبيقها، حلول هشّة تعكس المعالجة السطحيّة لأوضاع يبقى السكوت عنها مجازفة كبرى..

ولم يكن خرّيجوا التعليم العالي بأم العرائس بمعزل عن هذا الحراك الاجتماعي وقد كان لهم السبق في رفض سياسات التهميش والإقصاء من خلال الإنضواء تحت هيكل اللجنة المحليّة للدفاع عن أصحاب الشهائد العليا المعطّلين عن العمل بأم العرائس منذ شهر مارس 2005.

ورغم انتهاء كافة المظاهر الاحتجاجيّة، مازالت خيمة الخريجين منصوبة في مقرّ الاتحاد المحلّي للشغل بأم العرائس، فهي خيمة الممانعة والإصرار والتمسّك بالمطالب المشروعة التي مازالت السلط المعنية تتعامل معها بأساليب المماطلة والوعود الزائفة تارة، وبأسلوب ادّعاء الحيرة أمام الأزمة تارة أخرى، فحاملو الشهائد العليا بأم العرائس يعدّون بالآلاف ويفتقرون حتّى لمكتب تشغيل، نسبة استقطابهم في الوظيفة العمومية ضعيفة جدّا، مع غياب المنظومة الاقتصادية أو المشاريع التنموية القادرة على استيعاب الجماهير الغفيرة من العاطلين المنادين بحقّ الشغل.

إنّ بطالة هذه الكفاءات المُهملة ليست كما يروّج لها المسؤولون، نتيجة طبيعيّة للتطوّرات الاقتصادية، بل نتيجة لخيارات وتوجهات ميّزها التعسّف والعبث بمصير الآلاف من العاطلين.

وكما كانت معالجة مشاكل بقيّة الشرائح سطحية ومقتصرة على حلول عرضيّة ترقيعيّة، يحاول المسؤولون أيضا معالجة أزمة بطالة خريجي التعليم العالي من خلال آليات الصندوق الوطني للتشغيل لكنّنا نرفض هذا النوع من المعالجات ونؤكد على أنّ نتائج هذه الحلول لا ترقى إلى الحدّ الأدنى المأمول، فهي آليات تهدئة خواطر وأساليب للترويض الإجتماعي لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تحلّ محلّ الشغل القارّ وأن تضمن للعاطلين الإستمرار والعيش الكريم. لذلك لابدّ من التعامل الجدّي مع هذا الملفّ خاصّة وقد بادرنا بطرح الحلول وتصوّر البدائل: فمشاريع المناولات التابعة لشركة فسفاط قفصة والتي تسند لمن امتهنوا تكديس الملايين من شأن إسنادها لخريجي الجامعات، التخفيف من حدّة الأزمة، ولإحداث المؤسسات الخدماتيّة التي تفتقر لها المنطقة يمكّن من توفير مواطن شغل جديدة فضلا عن الشغورات بالمؤسسات الإدارية المتوفرة.

هذا مع التأكيد على ضرورة دفع الإستثمار لإنشاء مشاريع تنمويّة توفر فرص عمل لآلاف العاطلين من حامليّ الشهائد العليا.

إنّ تحوّلنا إلى قوّة اجتماعية بلا عمل يجعلنا مادّة جاهزة لنكون وقود كلّ تحرّك اجتماعي مطلبي مناهض للتجاهل والإحتقار. لذلك لابدّ من البحث بجدّية عن حلول جذرية وتجنّب المعالجات الآنية لأنّ تداعيات ومخلّفات ظاهرة البطالة تتراكم، والأرضيّة خصبة لظهور أو تطوّر ظواهر اجتماعية خطيرة. كما ندعو المسؤولين إلى تحويل التنظير إلى ممارسة لأنّ حقوق الإنسان لابدّ من تطبيقها وتجسيدها لا أن نحبسها في نصوص قانونية وخطب، لذلك نؤكد أنّ احتجاجاتنا ونضالاتنا ستتواصل حتّى تحقيق مطالبنا المشروعة في الشغل والعيش الكريم، لأنّ الشغل حقّ كفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمبادئ الأساسية لمجتمع الديمقراطية والمؤسسات والمواطنة.. وكافة الدساتير العالميّة بما فيها الدستور التونسي.

جمــال عليّة


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني