الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الحوض المنجمي، بين الهدنة والاحتجاج
الحوض المنجمي، بين الهدنة والاحتجاج
9 آذار (مارس) 2008

بعد سلسلة من الإتفاقات التّي اختلفت من بلدة إلى أخرى دخلت منطقة الحوض المنجمي دائرة الهدنة التي من الأكيد أنها حملت معها بعضا من التنفيس لإختناق النظام والكثير من الغموض حول حقيقة ما يدور بهذه المنطقة حتّى لدى بعض المتابعين للشأن العام بما في ذلك أجزاء من المعارضة التونسية.

وإسهاما منّا في توضيح الصورة الواقعيّة لمجريات الأمور هناك نتطرّق إلى:

1- حدود الهدنة

2- هشاشة الهدنة

3- حتّى لاتعود الأوضاع للإنفجار

حدود الهدنة:

ما لا يرقى إليه أدنى شكّ أنّ سعة الاحتجاجات بالحوض المنجمي من جهة، واستمرارها وقتا طويلا من جهة ثانية، أجبرا نظام الحكم على القبول مكرها ذليلا ضمن حدود معيّنة ومختلفة من منطقة إلى أخرى على التفاوض مع المحتجّين وبعض قادتهم (المظيلة،الرديف..) ودون العودة إلى الملابسات التي حفت بتلك المفاوضات والوعود الكثيرة التي أطلقها الطرف الحكومي فإنّ الثمرة كانت الوصول إلى هدنة فهمها الأهالي إمهالا لحكومتهم وفهمتها الأخيرة مخرجا لأزمتها بل بوّابة لتنشيط أساليب التسويف والمماطلة وحتّى الإلتفاف على المحتجّين ومطالبهم المشروعة مع ما يعنيه ذلك من تنشيط اللّغط الكثير حول عودة الهدوء التّام وتسوية الملفّ برمّته بهدف مغالطة الرأي العامّ الوطني والعالمي وقطع الطريق أمام تزايد الإهتمام الإعلامي والسياسي بإنتفاضة الحوض المنجمي.

ومن المؤسف أنّ بعض الحسابات وجدت شيئا من النجاح حتّى في المربّعات التي كان متوقعا أن تفشل فيها ونخصّ بالذكر بعض الأجزاء الراديكالية من المعارضة التونسية التي انساقت بوعي أو دونه في الترويج عبر صحافتها الحزبية إلى الحديث عن إنتهاء الاحتجاجات بجميع مظاهرها وبقاء الاحتقان فقط (أنظر مثلا جريدتا الموقف ومواطنون في عدديهما الأخيرين) مما يولّد أسئلة كثيرة حول هكذا إدعاء: أولها، أين مصداقية الخبر؟ وثانيها، أيّ قصد من وراء هكذا زعم؟ وثالثهما، أيّ صورة يودّون تعزيزها وسط المجتمع عن أحزابهم وصحافتهم؟

بطبيعة الحال نحن نتمنّى أن تكون الأمور مرّة أخرى متصلة بقلّة إحاطة بالجهة. وما نعلمه ولا نودّه لكم هو أنّ مثل هذا التعاطي يعمّق من مشاعر السخط والغضب عليكم على الأقل بمنطقتي الرديف وأم العرائس وهذا ليس المجال الأنسب للخوض فيه. فما هو نصب أعيننا الآن هو توضيح حدود هذه الهدنة رفعا لكلّ إلتباس لأنّ الغموض حولها لا يخدم إلا النظام.

فالهدنة لم تشمل جميع مظاهر الإحتجاج منذ البداية كما أنّها لم تمنع عودة بعض الاحتجاجات في مرّات أخرى. وبصفة ملموسة فالهدنة لم تشمل بالرديف إلا الشارع والساحات العامة وانتصاب الخيام وأبقت على الإعتصام المفتوح بمقرّ الاتحاد المحلّي للشغل. وهي أيضا بأم العرائس لم تطل خيام المعطّلين عن العمل من أصحاب الشهائد ببهو الاتحاد المحلي للشغل بهذه البلدة. وكذلك فهي لم تمنع محتجّي المظيلة أكثر من مرّة من الخروج إلى الشارع وغلق الطرقات وحجز بعض حافلات شركة فسفاط قفصة، ووصل الأمر حدّ حرق العجلات المطاطية يوم الاربعاء والخميس الماضيين. فهل بعد هذا عذر لمن يقول صراحة أو ضمنيا بانتهاء الاحتجاجات. وحتّى لا تعاود "مواطنون" و"الموقف" ترديد ما قيل نودّ الإشارة أنّه يوم 3 مارس الجاري ولمدّة فاقت 5 ساعات إنتصبت الخيام من جديد بأماكنها القديمة وتمّ رفعها مساء نفس اليوم ليتكرّر يوميا نفس المشهد. أمّا في الرديف فقد قرّرت لجنة تأطير التحرّكات مدعومة بإجتماع موحّد لكلّ النقابات والنيابات المتواجدة هناك مساء 3 مارس خطّة نضالية محكمة لإعادة تنشيط التعبئة الشعبية بما يضمن تعزيز الحراك وتصليب عوده حتّى تحقيق المطالب المرفوعة سواء في جزئها المتّصل بحقّ الشغل والتنمية العادلة أو ما اتصل منها برفع القرار النقابي الجائر المسلّط ضدّ السيد عدنان الحاجّي.

هشاشة الهدنة:

مجمل ما ذكرناه سابقا يصبّ في خانة التأكيد على هشاشة هذه الهدنة منذ البداية ولعلّ انقضاءها حتّى في آخر بؤر التوتر (الرديف) دون مفاوضات جدّية وبالتالي حلول مقبولة أمر من شأنه أن يدفع للإعتقاد الجازم بالإمكانية الواقعيّة لإنفلات الأوضاع مجدّدا. فالحلول المقدّمة حتّى الآن من الجهات الرسمية بعيدة كلّ البعد عن الحدّ الأدنى الضروري لنزع فتيل الأزمة. على النقيض من ذلك فما رشح لمسامع الأهالي من مقترحات "حلول" يغذي سخطهم وغضبهم ويعزّز شكوكهم في قدرة النظام حتّى على التخفيف من وطأة ما يطالهم من حرمان الإجتماعي، وبطالة مدمّرة، ولعلّ ما حصل "بالرديف" يوما واحدا قبل انقضاء مدّة "الهدنة" أفضل تجسيد لما ذهبنا إليه، إذ عمدت السلطة المحلّية إلى توزيع إعانات تمثلت في وصولات بقيمة 10 دنانير ثمن بعض مواد غذائية!! كما أنّ الجهات المسؤولة بالجارة أم العرائس لا تقوى إلا على تسجيل أسماء من طوابير المعطّلين للعمل بالحضائر!! وحتّى وعد الأرامل الـ11 بتشغيل أبنائهنّ إضافة إلى 49 حالة مشابهة بالجهة، مازال محلّ تجاذبات تعيق المرور إلى تكريسه على أرض الواقع.

والأخطر من كلّ ذلك شعور الأهالي المتزايد أولا بأنّ هذه السلطة مازالت ممعنة في إدارة الظهر لمطالبهم على شرعيتها وبساطتها ،وثانيا، إستهتارها الكبير بنضالاتهم وقبولها الهدنة لا من موقع التأنّي في إيجاد الحلول مثلما أوحت وإنّما لربح الوقت وتخريب التعبئة الشعبية حول مطالبهم.

وثالثا، يأسهم من هذه السلطة في جميع مستوياتها تخصّ إيجاد حلول مرضية لمشاكلهم خصوصا بعد النتائج الهزيلة لما إنبثق على المجلس الجهوي للتنمية الذي انعقد مؤخرا بحضور 3 وزراء.

حتّى لا تعود الأوضاع للإنفجار:

كلّ العلامات تؤكد فرضية عودة الاحتجاجات إلى سالف مستوياتها قبل الهدنة بل إنّ مؤشرات عديدة ترجّح بأنّ هذه العودة ستكون أكثر عمقا واتساعا وبالتالي أشدّ قسوة على السلطة ممّا ينذر بإمكانية سقوط الأخيرة في ممارسة العنف ضدّ الغاضبين الامر الذي سيفتح الجهة وكلّ البلاد على مشهد آخر تكون نتائجه كارثية إن على السلطة أو على الشعب، ونحن نرى بأنّ السبيل الوحيد دون الوصول إلى هذا المنزلق الخطير يفترض من النظام العودة إلى الجادّة والإذعان إلى مطالب الغاضبين المشروعة بما يضمن خفض درجات الاحتقان وعودة الهدوء، وضمن هذا السياق لا نرى الطريق إلاّ بإسراع النظام بإتخاذ الاجراءات التالية:

1- بصفة مباشرة:

- إلغاء نتائج مناظرة شركة فسفاط قفصة وفى أسوإ الحالات القبول بتعديلها بما يضمن شفافيتها ونزاهتها.
- الإعلان عن انتدابات فوريّة تطال مجموعة من أصحاب الشهائد العليا وغيرهم بالشركة المذكورة، على أن يكون الرقم المعلن مُهمّا، ومُتضمّنا للنشطاء في الحوض المنجمي بعيدا عن الإقصاء وعقلية التنكيل.
- الإعلان عن قائمة مماثلة يقع إدماجها في المؤسسات والإدارات بالجهة.
- تمكين مجموعات أخرى من الراغبين في بعث مشاريع خاصّة إمّا بصفة فردية أو جماعيّة (أم العرائس مثلا).
- الشروع في تسوية الوضعيّة العقارية للأراضي الفلاحيّة وغيرها.
- الشروع الفوري في حفر الآبار العميقة في المظيلة والرديف وغيرهما.
- توفير الأعلاف بالكميات المطلوبة بعيدا عن الاحتكار وبأسعار معقولة تراعي خصوصيات الجهة (تدهور فظيع للوضع الاجتماعي مع جفاف حادّ).
- عودة الحضائر على أن يكون العمل بها بصفة متواصلة وبجراية لا تنزل عن الأجر الأدنى الفلاحي والصناعي.
- بعث صندوق جهوي يموّل من عائدات مبيعات الفسفاط يتكفل بصرف منح للمعطّلين والعائلات الفقيرة.
- سحب كلّ الحشود البوليسية المرابطة حول الرديف وبالجهة.

2- على مدى قريب:

- تعديل جميع مخطّطات التنمية بالجهة بما يضمن حدّا أدنى من توازن القطاعات الثلاث: الصناعيّة والفلاحيّة والخدمات.
- الشروع في بعث بعض المشاريع المبرمجة منذ سنوات طويلة مثل معمل الآجـر بالمضيلة، ومعمل الإسمنت بأم العرايس، ومعمل الكـابل بالرديف...
- إعـادة النظـر في وضعيّة شركة فسفاط قفصة، وتحديـدا في دورها التنموي بما يضمن من جهة تعزيــز الإطار العامـل بها ومن جهة أخـرى إعادة تنشيط دورها التنموي.
- تحديد حجم الأضرار وضبط المتضرّرين من عمل شركة الفسفاط والمركب الكيمياوي والتعويض للجميع عمّا حصــل.
- إعادة النظر في مجمل هياكل التنمية بالجهة، ومحاسبة المسؤولين عن تبخّـر أمـوال طائلة مثلما حدث بصندوق تنمية الحوض المنجمي وغيره.
- بعث أقطاب فلاحيّة بتمويل حكومي مع محافظة الأخيرة على إدارتهــا.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني