الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الدعوة لتحكيم الشريعة هي دعوة سياسية لإعادة الاستبداد باسم الدين
الدعوة لتحكيم الشريعة هي دعوة سياسية لإعادة الاستبداد باسم الدين
29 آذار (مارس) 2012

منذر الشارني

أثار موضوع تضمين الدستور المقبل لتونس مادة تنص على أن "الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع" في الدولة نقاشات حادة على مستوى النخب السياسية والفكرية. وطرح الموضوع من قبل "حركة النهضة" فاجأ الجميع باعتبار أنه لم يسبق أن أثارت هذه الحركة الموضوع من قبل سواء ضمن حركة 18 أكتوبر أو حتى أثناء حملتها الانتخابية قبل 23 أكتوبر 2011.

ولا بد من القول في البداية أن الدعوة لتحكيم الشريعة هي دعوة سياسية بامتياز وليست مسألة دينية أو عقائدية بدليل أن من يطرحها هو حزب سياسي ذو مرجعية دينية. وهناك عديد الدول التي تدعي أنها تطبق الأحكام الدينية في دساتيرها وقوانينها، إلا أن اللافت أنها جميعا أنظمة قمعية واستبدادية لا تتردد في ضرب الحريات وحقوق الإنسان وخاصة حقوق النساء وتنفذ العقوبات الجسدية. ونفس الشيء ينطبق على الجماعات التي تدعي أنها دينية.عندما نضمّن مادة في الدستور تنص على أن الشريعة هي مرجع تشريعي فإن ذلك يطرح السؤال حول المدرسة الفقهية التي ستعتمد لاحقا؟ ومن سيفتي بمطابقة القوانين لهذا المذهب أو ذاك؟ سيحتاج الأمر إلى "مجلس شرعي" بدل المحكمة الدستورية وإلى المشائخ بدل رجال القانون.وتفتح مثل تلك المادة أبوابا لا نهاية لها بخصوص الأحكام واجبة التطبيق في ميدان الأسرة والأحوال الشخصية. وسيتحجج كل ذي مصلحة بالمذهب الذي يوافق مصالحه. كما أن ذلك سيفتح الباب لتطبيق الحدود والعقوبات البدنية، وسيتطور الأمر لاحقا إلى إعلان "الخلافة" باعتبارها "واجبا شرعيا" وإجبار الناس على بيعة "الخليفة الجديد" .هناك مبدأ قانوني اسمه "مبدأ الشرعية" ومعناه أن النصوص القانونية يجب أن تكون واضحة وسابقة الوضع ومدونة بصفة رسمية، في حين أن الشريعة هي آراء ومواقف فقهاء وأئمة مختلفين في تأويلاتهم باختلاف ظروف بلدانهم وأزمنتهم وليست مضمنة في مدونة رسمية.إن الدعوة إلى اعتماد الشريعة (أي استنباطات القدامى) هي دعوة لا تاريخة لأن النصوص المنظمة لحياة الناس ظرفية ونسبية وتتغير حسب الأحوال وتطور المجتمعات. ولا يمكن لفقيه عاش في القرون الخوالي أن تعتمد آراؤه في الوقت الراهن لإدارة حياة الناس.إن الدعوة إلى اعتماد الشريعة هو موقف سياسي يراد من ورائه الهيمنة على الحياة السياسية باسم الدين تمهيدا لتكريس الاستبداد والدكتاتورية والأمثلة لا تنتهي ماضيا وحاضرا.

وهذه الدعوة، إذا استمرت وتمسك بها أصحابها ستقسم المجتمع التونسي وتؤدي إلى الفتنة وهي دعوة حزبية ضيقة ولا تحظى بأي إجماع في المجتمع التونسي وهي مردودة على أصحابها.العالم اليوم ينظر إلى تونس وينتظر منها دستورا ديمقراطيا شعبيا يكرس مبادئ الثورة في الكرامة والحرية والمساواة وإذا بالبعض يريد جرنا إلى نقاش قضايا هامشية.على من هم في سدة الحكم أن يتصدوا للقضايا الحقيقة للشعب مثل التشغيل والفقر والتفاوت الجهوي والطبقي وبين المدن والأرياف. وهم علاوة على ذلك يناقضون أنفسهم بأنفسهم: فهم من جهة يدعون السياح والمستثمرين الأجانب للقدوم إلى البلاد ولكنهم من جهة أخرى يلوحون بوضع قوانين مخيفة وعكس اتجاه تطور الإنسانية.إن المصدر الوحيد للسلطة والقوانين هو الشعب، والشعب التونسي لم ينجز ثورة دينية حتى يطالب البعض بدستور ديني بل كانت ثورته ديمقراطية واجتماعية.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني