الصفحة الأساسية > البديل النقابي > الديمقراطية النقابية لمواجهة المكاسب الوهمية
وجهة نظر:
الديمقراطية النقابية لمواجهة المكاسب الوهمية
12 أيلول (سبتمبر) 2007

منجي بوعزيزي

نقابي بقطاع التعليم الثانوي

12 سبتمبر 2007

بعض المقالات التي وردت بهذا الفضاء تعرّضت للاتفاقية التي أبرمتها جامعة الصحة مع سلطة الإشراف. وقد أصابت هذه المقالات، بالدّقة المطلوبة، في تحليل الأساليب المتبعة داخل المركزية النقابية "لتحقيق" مطالب منخرطييها.

من خصائص هذه الأساليب والطّرق:

حين يعبّر بعض المنخرطين أو بعض النقابات الأساسية أو الجهوية، في قطاع معيّن، عن سخطهم من الأوضاع التي يزاولون بها نشاطهم المهني وغالبا ما يرتبط هذا السخط بانهيار المقدرة الشّرائية وتحسين ظروف العمل، في هذا الوضع بالذات تقفز النقابة العامة للقطاع أو الجامعة العامة "لتأطير النضال" فتصوغ جملة من المطالب الفضفاضة والعامة تقول عنها أنها مطالب القطاع وترفع لواء الهجوم بالوعيد والتهديد معتمدة خطابات تحريضية فارغة من أي مضمون - وخاصة بالتعليم الأساسي والتعليم الثانوي-

ثم تبدأ ما تقول عنه سلسلة من المفاوضات المضنية والشاقة حول مطالب القطاع ويتدخل المكتب التنفيذي لمؤازرة "الجهود المضنية" والجلسات ويخرج محضر اتفاق للوجود يهلل له المكتب التنفيذي ويضيفه لرصيده الحافل بالإنجازات والجلسات المضنية والماراتونية. ويتكفل بعض من أعضاء الهياكل الأخرى من نقابات أساسية وجهوية للدعاية لذلك الإنجاز العظيم مشهّـرين بالمناهضين لتلك المسرحية النقابية ناعتين إياهم بالتشكيك في القدرات النضالية مستعملين كل ما في أرصدتهم ومستودعاتهم القديمة من أوصاف.

ولتقريب المشهد من القارئ سنلجأ إلى محضر الاتفاق مع قطاع التعليم الثانوي في أكتوبر 2006 وهو من نفس نمط محضر اتفاق قطاع التعليم الابتدائي والصحة العمومية حيث استعملت نفس الأساليب والآليات لتحقيق هذه الاتفاقيات.

في البداية تقدمت النقابة العامة بأربع مطالب أساسية :

أوّلا: تمكين المدرسين من التقاعد وذلك لمن يرغب بشرط أن يكون في رصيده 30 سنة من العمل وبلغ من العمر 55 سنة

ثانيا: إسناد منحة قدرها راتب شهري على الأقل تسند في مفتتح كل سنة دراسية.

ثالثا: صياغة القانون الأساسي ـ المسلسل العزيز جدا على نقابة هذا القطاع ـ

رابعا: الحق النقابي وإيقاف العمل بصيغة التعاقد.

تُنجز بعض الإضرابات بعنوان هذه المطالب وتقوم بسلسلة من جلسات التفاوض أفضت إلى محضر اتفاق في شهر أكتوبر 2006 تمكن مدرّسو التعليم الثانوي من الحصول عل منحة مراقبة امتحانات الباكالوريا تقدر بـ 45 دينار و25 د بالنسبة لامتحانات التعليم الأساسي. مع مواصلة التفاوض الذي أفضى إلى إسناد منحة تقدر بـ 180 د – خاضعة للضرائب ـ توزع على 3 سنوات ولا شئ غير ذلك. عدا بعض اللوائح المنددة بالصهيونية والمنوهة بإنجازات المقاومة الإسلامية في لبنان وغزة تعويضا عن جميع المطالب الأخرى.

ما هي علاقة "المكاسب" بالمطالب المرفوعة ؟

المتتبع للصيرورة "النضالية" لنقابة القطاع يدرك دون عناء أن محضر الاتفاق المذكور لا علاقة له أصلا بالمطالب الأربعة المرفوعة ولم يأت على ذكرها أصلا وأجهد أغلب أعضاء النقابة العامة وموظفوهم بالجهات أنفسهم للتنويه بالمكاسب العظيمة مع العلم أن" مكسب " الـ 45 د كانت تقدمت به سلطة الإشراف قبل ستة أشهر (أفريل 2006) وهددت بتنفيذه في دورة جوان 2006 فتصدّت له النقابة مرجئة إمضاء اتفاق في شأنه لتمنّ به على المنخرطين ولتقديمه على أساس أنه مكسب حققته بفضل الجلسات المضنية من التفاوض. كما استنجدت بتضمين ذلك الاتفاق "مكسبا" قديما قدم قانون الوظيفة العمومية الذي ينص على أن من حق أي موظف تقديم ملف طبي ليتمكن من الحصول على تقاعد مبكر وذلك وفق شروط محددة.

إن السؤال المنهجي الذي يطرح :

أي دور للمنخرطين في هذه المسرحية النقابية؟
لماذا لم نشاهد احتجاجا من قبل هؤلاء المنخرطين عن عدم تلبية مطالبهم ولماذا لم يدفعوا نقابتهم إلى التمسك بالمفاوضات حول تلك المطالب؟
هؤلاء المنخرطين الذين قالت النقابة العامة عنهم أنهم لبوا نداء الإضراب من أجل المطالب الأربعة بنسبة تفوق 70 بالمائة.

نجد الإجابة عن ذلك في آليات عمل النقابات العامة وكل هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل.

فالمطالب الأربعة منذ الوهلة الأولى لم تكن مطالبا للقطاع بل مطالب تلك النقابة التي تقول أنها تمثل القطاع.

إذ لم يقع أي نشاط للنقابات الأساسية على المستوى الوطني لدراسة مشاغل القطاع وتبويبها وتحديد سبل إنجازها وهو مبدأ يقوم عليه كل نشاط نقابي يريد لنفسه بناء تجربة نقابية ديمقراطية. فعمل النقابات الأساسية الميداني بدور الاتحاد والمؤسسات التعليمية من شأنه تحديد مطالب القطاع بدقة وكذلك تبيان موقف الأغلبية و الأقلية بشأن القضايا المطروحة والعمل على إرساء هذه التقاليد النقابية يعد بحد ذاته مكسبا نقابيا أهمّ بكثير من عريضة تنديد أو بيان حول "بيان الوهم المتبدد".

إذًا لماذا لا تقوم النقابات الأساسية بدورها ؟

لأن هذه النقابات لا توجد أصلا وإن وجدت فهي على الورق والعناصر التي بها ليست لديها أي خبرة نقابية أو أي تجربة من شأنها إثراء الحقل النقابي. وشرط وجود هذه العناصر بهذه الهياكل الدنيا هو الولاء لأعضاء النقابة الجهوية والتي شرط وجودها الولاء للنقابة العامة ضمن محاصصة على شكل المحاصصات الطائفية يقول عنها أصحابها أنها محاصصة سياسية.

فعمليا لا يمكن القول بوجود عملية نقابية بقطاع التعليم الثانوي فهو قطاع مجرد من جميع طاقاته النقابية بفعل الأساليب التي أتينا عليها. فالنقابة العامة ليس لديها هاجس التخلي عن أساليبها لأن ذلك يجعلها في مأزق حقيقي، فلو أنها عمدت إلى الدعاية المكثفة للتعريف بتلك المطالب الأربعة في أوساط منخرطيها لوجدت صعوبة في التراجع عن تلك المطالب واستبدالها بمكاسب وهمية. فأساليبها تعفيها من أي رقابة من قبل المنخرطين وتجعلها تعتمد كليا على المكتب التنفيذي الوطني في تصريف شؤون القطاع.

فكان من المكاسب الفعلية لهذه النقابة العامة التخلص من نقابة جهوية تشاكسها (النقابة الجهوية ببنزرت) وعقاب اثنين من أعضائها. واحتجت النقابة العامة بلقاء جهات صدرت عنه عريضة تطالب الأمين العام بالتراجع. إنه لإنجاز عظيم!!!

إن المكسب الذي يجب العمل على تحقيقه هو العمل على محاصرة الأساليب المتبعة حاليا في حقل العمل النقابي وإرساء تقاليد نقابية من شأنها تقليص نفوذ المشعوذين والدجالين والمرتزقة.

منجي بوعزيزي نقابي بقطاع التعليم الثانوي

( الفضاء النقابي الديمقراطي "ضد التجريد" عدد 16 - بتاريخ 12 سبتمبر 2007 - السنة الأولى)


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني