الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الرديف... وهذه هزيمة أُخـرى
الرديف... وهذه هزيمة أُخـرى
20 نيسان (أبريل) 2008

مثلما هو معلوم عرفت الأوضاع بهذه البلدة تدهورا خطيرا ليلة الأحد 7 أفريل الجاري تمثّل في إقدام الديكتاتورية النوفمبريّة على الشروع العملي في المُعالجة الأمنيّة، بما تعنيه من وحشيّة بوليسية، ليس فقط ضدّ النشطاء النقابيين والمعطّلين، وإنّما ضدّ كل ألأهالي بشيوخهم وعجائزهم وأطفالهم بهدف الإجهاز على الحركة الاحتجاجية وإطفاء شُعلتها المُتّقدة لمدّة تجاوزت الـثلاثة أشهر.

وقد سبق لنا أكثر من مرّة على أعمدة "البديل" التنبيه إلى خُطورة مثل هذا التمشّي، وحذّرنا نظام بن علي من الانزلاق إلى هذه الدّائرة سواء في المظيلة أو أم العرائس، وخصوصا في الرديف، لأنّنا نعلم مُسبّقا فشل مثل هذه الخيار مهما كانت قسوته ووحشيّته، وتلك لم تكن قناعاتنا المُتأتية من تصوّراتنا الفكريّة والسياسيّة العامة، وإنّما من بناء على مُعطيات مادية ملموسة مُرتبطة بواقع الحركة الاحتجاجية الحاليّة وتجارب سابقة بهذه الجهة وتحديدا الرديف.

ولمزيد استيعاب التطوّرات الحاصلة حتّى الآن نتعرّض إلى المسائل التالية:

1- توضيحات حول حادثة الأحد 7 أفريل.
2- في الصمود البطولي لأهالي الرديف.
3- انتصار من الحجم الثّقيل.

1- توضيحات حول حادثة ليلة الأحد 7 أفريل.

أقدم مجموعة من المُلثّمين الليلة على تنظيم هُجوم عنيف بالحجارة والعصي على مركز شرطة البلدة، الأمر الذي اضطر الأعوان إلى إطلاق عيارات ناريّة في الهواءـ أعقبها خروج المئات من الأهالي إلى الساحات العامة لاستجلاء حقيقة الأمور وبسرعة قياسيّة بادرت قوات البوليس بمهاجمة المواطنين العُزّل مُستعملين كلّ ما توفّر لديهم من كلاب وهراوات وقنابل مُسيلة للدموع... ومع مطلع الفجر تمّ اقتحام حُرمات المنازل وترويع النساء والأطفال، وانتهى الأمر إلى إيقاف العشرات من الشبّان وفق قوائم معدّة سلفا.

ومن الأكيد أنّ هذه الحادثة (الاعتداء على مركز الشرطة) مثلت بداية تقهقر الأوضاع نحو الحلّ الأمني، والسؤال الذي طرح نفسه وقتها تمثل في: من الواقف وراء تلك الحركة؟ بعبارة أخرى هل هي مندرجة ضمن الاحتجاجات التي عرفتها البلدة؟ أم هي عمل استفزازي مدبّر من السلطة وخدمها؟

كانت كلّ العلامات تدّل على اندراجها ضمن السياق الثاني لتوفير ذريعة للهجوم الهمجي على الأهالي وشنّ حملة اعتقالات واسعة في صفوف النشطاء، وقد تأكّد هذا الاحتمال بعد أن سارعت بعض رموز السلطة والبيروقراطية النقابية إلى شنّ حملة تشويهية واسعة ضدّ الحركة الاحتجاجية ورموزها متعمّدين تهويل الحادثة مثل قولهم"أنه تمّ حرق العلم وقطع الهاتف والنور الكهربائي..." ووصل الأمر ببعض رموز الفساد النقابي بالجهة اتهام السيد عدنان الحاجّي بالوقوف وراء مثل هذه العملية . وهو افتراء بيّن لأن الأخير لم يصل بلدته إلاّ صبيحة يوم الاثنين صحبة المناضل عادل جيّار . والأهمّ من كلّ شيء هوا لعناصر التالية:
ـ مثلت حادثة الأحد 7 أفريل نشاز غريبا عن السياق العام للحركة الاحتجاجية بالرديف التي تواصلت أكثر من 3 أشهر،فهذه الحركة حتّى في أوج ذروتها التي وصلت حدّ الانتفاضة الشعبية أواخر شهر جانفي لم تعرف أي خروج عن مسار الاحتجاجات المدنية الواعية.
ـ مثل توقيت الحادثة مصدر شكوك كبيرة حول منفّذيها، فهي قد جاءت سويعات قليلة قبل موعد تشغيل العناصر الناجحة في مناظرة شركة فسفاط قفصة، ونحن نعلم أنّ تمرير مثل هذا القرار استعصى على السلطة لأكثر من 3 أشهر. وعليه فإنّ تسهيل تحقيق مثل هذه الرغبة يقتضي فبركة حادثة لاتخاذها ذريعة للإجهاز على العودة المنتظرة للاحتجاجات.
وغنيّ عن البيان أنّ البيروقراطيّة النقابية ورموزها بالجهة "عمارة العبّاسي" هم على نفس الهدف مع السلطة.ولا نستبعد بالمرّة مشاركتهم المباشرة فيما وقع.
ـ عرفت الرديف قبل هذه الحادثة محاولات عدّة لجرّ الحركة الاحتجاجية إلى دوائر العنف، لعلّ أبرزها محاولتان: الأولى أشرف على تمويلها والتخطيط لها كاتب عام الجامعة الدستورية بالرديف، إذ عمد مجهولون ليلا إلى تخريب ساعة كبيرة تتوسّط البلدة والسطو على دكان لبيع الهواتف المحمولة، وانتهت هذه العملية بفشل أصحابها إذ تمّ القبض على هذه العصابة من قبل المحتجّين وتسليمهم لقوات البوليس الذي أطلق سراحهم بعد إدعاء التحقيق معهم.

أم الثانية فقد أدار خيوطها عمارة العباسي وكاتب عام جامعة المناجم وتمثّلت في إرسال نفر قليل من الناجحين في المناظرة المهزلة للاعتصام بالاتحاد المحلّي للشغل، وبالرغم من تكرّر هذه العملية لمدّة 4 أيّام متتالية بهدف استفزازيّ لا أكثر ولا أقلّ. و قد انتهت هذه المحاولة بالفشل ولم ينجرّ المحتجّون إلى العنف الذي كان من الممكن أن يمثل ذريعة لتخّل أمنيّ.

2 – الصمود البطوليّ للأهالي:

بعد أن فبركت السلطة تعلّة الانزلاق للمعالجة الأمنيّة، تحرّكت بسرعة فائقة آلة القمع والترويع وتحوّلت الرديف منذ منتصف ليلة الأحد إلى ساحة حرب مفتوحة بين الأهالي وجحافل البوليس ولمزيد ضمان مقوّمات مخطّطتها الإجرامي عمدت بعض الفرق الخاصّة للمسارعة بإيقاف العشرات من الشبّان وأردفته أوّلا بإلقاء القبض على أبرز الوجوه النقابية لحرمان الأهالي من قياداتهم في هذه المعركة، وثانيا بتعزيز الحصار البوليسي على البلدة وتسريح أيادي رجال البوليس للقيام بحملات تمشيط داخل الأحياء والمنازل لبثّ الهلع والرعب أكثر ما أمكن وعلى عكس مطامح السلطة تعزّزت الحركة الاحتجاجية إلى آفاق أقصى في الاتساع والشمول وصلت ذروتها يوم الاثنين بإعلان الإضراب العامّ المفتوح الذي تجاوز حدود الموقّعين على النداء المذكور(كلّ الوظيفة العمومية) ومسّ عمّال المناجم رغم معارضة نقابتهم وطال التجّار والحرفيين، حتّى أنّ البلدة أضحت محرومة من جميع الخدمات. وفق ذلك تمكّنت الحركة الاحتجاجية من تنويع مبادرتها النضالية وإعطائها بعدا شعبيّا قوامه من جهة مقاومة البطش البوليسي والدفاع عن حرمات المنازل والأحياء ومن جهة ثانية تسيير المسيرات الشعبية وتنظيم الاعتصامات الجماهيرية يوميا في الساحات العامّة وأمام مقرّات السيادة (معتمدية، مركز شرطة...) ومع كلّ يوم جديد كانت إرادة الأهالي تتقوّى وتبدع أشكالا جديدة للاحتجاج(مسيرات وإعتصامات نسائيّة ) وأضحى الليل عبئا ثقيلا على قوات البوليس لأنّه الإطار الأفضل لإدارة المعارك الميدانية ضدّ وجودهم داخل الأحياء، ومن الطبيعي أن يلعب الشباب الدور الرئيسي في هذه المعركة وهو ما تمّ فعلا خصوصا وقد وجدوا في الجبال المحيطة بالبلدة ملاذا آمنا يؤويهم بالنهار و بالليل بعد أداء واجباتهم الميدانية دفاعا عن بلدتهم وأهاليهم.

ومع صباح كلّ يوم جديد كانت إرادة الغاضبين تتعاظم وبدأت تظهر منذ صبيحة الأربعاء مؤشرات متعدّدة على، أوّلا انكسار الروح المعنويّة لقوات البوليس، وثانيا على توسّع السيطرة الواقعيّة على ساحات البلدة لصالح الأهالي، وثالثا على التحوّل الحاسم لسير المعركة لصالح المواطنين الذين أضحوا يتحكّمون بصفة تكاد تكون مطلقة في إدارة المواجهة.

ومع مطلع نهار الخميس عادت الرديف بصفة نهائية لأهلها وأضحى التواجد البوليسي رغم كثافته وعتاده مشلولا وعاجزا عن أداء أبسط أدواره القمعيّة، وأمام تدفّق السيول البشريّة نحو قلب المدينة وتكثّف الاعتصامات أمام مقرّات الدولة وانتشار المهرجانات الاحتفالية بخروج العشرات من المعتقلين ليلة الأربعاء،أضحى حتّى ذاك الوجود المشلول لقوات البوليس أمرا غير ممكن، الأمر الذي استوجب إعادة انتشاره إمّا خارج البلدة أصلا أو في أماكن محدودة، وهو في الحالتين وجود مهزوز معنويّا وعاجز عمليّا حتّى في المهامّ الدفاعيّة.

3 ـ انتصار من الحجم الثقيل:

انتهى الهجوم الشرس على بلدة الرديف إلى فشل ذريع أكّد صحّة توقعاتنا وأثبت بصفة ملموسة للجميع عقم الخيار الأمني مهما كانت قسوته ووحشيّته. بل إنّ هذا الخيار في وضعيّة الرديف تحوّل إلى مُغذّي حقيقي لتنشيط الحركة الاحتجاجية وإكسابها بُعدا شعبيا شاملا، كيف لا؟ ومنذ الهجوم على البلدة والشروع في حملة الاعتقالات خرجت المعركة من دائرتها التقليدية إلى فضاء أرحب استقر منذ يوم الاثنين إلى صراع مفتوح بين الأجهزة القمعيّة والأغلبية الساحقة من الأهالي وبذلك أصبحت قضيّة الدفاع عن المعتقلين قضيّة شعبية بأتمّ معنى الكلمة كما غدت مسألة الدفاع عن البلدة شأنا عامّا.

ومن الطبيعي أن يمثّل هذا التحوّل عنصرا حاسما في تحديد النتائج القادمة، فكان نصر الأهالي مضاعفا،إذ انكسرت شوكة الوحشيّة البوليسيّة وبدت عاجزة أمام صمودهم البطولي وتمّ مساء الخميس الإفراج عن كلّ المعتقلين الذين تمّ استقبالهم وسط أجواء احتفالية وحضر عشرات الألوف من الأهالي في سابقة فريدة من نوعها.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني