الصفحة الأساسية > البديل الوطني > السّلطة تسرّع من نسق الانقلاب على نقابة الصحافيين
السّلطة تسرّع من نسق الانقلاب على نقابة الصحافيين
16 تموز (يوليو) 2009

بعد عام ونصف من محاولات السلطة إسقاط قيادة أوّل نقابة مستقلّة للصحافيين في بلادنا، يبدو أنّ أعوانها باتوا أقرب من أيّ وقت مضى من بلوغ مبتغاهم. لقد جاءت استقالة حبيب الشابّي الرابعة لـ"توفّر" المدخل التّقني للإنقلاب، والتي تلقّفها المكتب التنفيذي الموسّع للنقابة ليطلق دعوة ليست من مشمولاته لتسريع عقد المؤتمر الاستثنائي ليوم 15 أوت القادم.

لقد جاء اجتماع الانقلابيين يوم الاثنين 6 جويلية الجاري ليسطّر هذه الخطوة بالتوازي مع حصار مالي وإداري وحملات تشويه وضغط وتهديد وتجييش، ولقد جاء بيانهم مغلّفا بجملة من المسوّغات القانونيّة في محاولة لإخفاء الطابع السياسي لخطوتهم. ولعلّ من أطرف المفارقات أن جماعة محمّد بن صالح وكمال بن يونس يستشهدون بإحدى الهيئات الصحافيّة الدوليّة التي طالما هاجموها ورأوا في تقاريرها تشويها للمشهد الإعلامي في بلادنا،إذ نوّهوا هذه المرّة بـ"الموقف الحيادي الذّي اتّخذه الإتّحاد الدولي للصّحافيين تجاه هذا الوضع". وكانت"الفيج"ومقرّها بروكسل قد دعت في وقت سابق كلّ الفرقاء بالنقابة للعمل بكل جد على وحدة الصحافيين وتضامنهم في إطار تنظيميّ متماسك وموحّد. لقد كان موقف المنظمة متجانسا مع مجمل المواقف التي كانت عبّرت عنها سابقا حول أزمة النقابة وحول الحريات الصحفية في تونس وخاصّة عشيّة التشويش على تقديم التقرير الثاني للحرّيات، حذّرت فيه من محاولات ضرب الهيكل الصّحفي ورأت في المنقلبين أداة السلطة السياسيّة والإداريّة في الهجوم على القطاع.

ولقد كان بيان للمكتب التنفيذي للنقابة وقعه رئيسها يوم 6 جويلية قد حذّر فيه من مساعي زعزعة أركان الهيكل الصحفي من قبل "عدد من الزّملاء وأساسا من ذوي الارتباطات والمصالح الشّخصيّة المعلومة" تستهدف بالأساس وحدة الصّحافيّين وهيكلهم الصّحفي، مهدّدا بـ"ّاتّخاذ الإجراءات القانونيّة المستوجبة ضد كلّ من يصرّ على خرق القانون الأساسي للنّقابة ونظامها الداخلي خدمة لأجندة لا علاقة لها بمصالح الصّحافيّين ووحدة نقابتهم".

إنّه في كلا البيانين الصّادرين يبدو خطاب الوحدة طاغيا سواء كان مراوغا مثلما عبّر عنه المنقلبون بالدّعوة للالتفاف حول نقابتهم والتمسّك بوحدتهم واستقلاليتهم، أو جدّيّا مثلما عكسه ناجي البغوري بالتمسّك بوحدة الصّحفيين التونسيين في الدّاخل والخارج في إطار نقابتهم على أنقاض الدّعوات الإقصائيّة غير المسؤولة التي تسعى لتمزيق وحدة الصحفيين التونسيين ووحدة تمثيليتهم النقابية. إنّ السعي لهذه الوحدة كان هدف عشرات الصحافيين الذين قدّموا تضحيات غالية في الصراع مع بارونات جمعيّة الصحافيين الذين رهنوها لعقود لفائدة نظام الحكم والإدارة، كما ضحّى من أجلها زملاء لطفي حجي بمشروعهم النقابي البديل، وما أن تحقّق المأمول حتّى سعت السلطة وأذنابها لنسفه في عداء جوهري للسّلطة الرّابعة وفي إصرار على الاستبداد، في وقت ارتبطت فيه وحدة الصحافيين باستقلالية قرارهم وبدفاعهم المستميت عن مصالح القطاع المادية والمعنوية والانتصار للقضايا الجوهرية لعموم الشعب.

إن السلطة بتصعيد تدخّلها في شؤون نقابة الصحافيين تسعى لقبر مشروعهم الجدّي وتفويت الفرصة على بلادنا بوجود مثل هذه الأداة الضّامنة لحرية التعبير والتفكير والحصول على المعلومة ونشرها والدّفاع عن القضايا العادلة ونصرة المظلومين والمقموعين والمضطهدين، تعيد إنتاج سياساتها المعهودة في مجال الصحافة والإعلام عبر الاحتكام لطابور خامس من الصحافيين التقنيين والإداريين المسنودين سياسيا وأمنيّا بالتوازي مع إحكام القبضة البوليسية على حرية التعبير عبر تصعيد الانتهاكات في حق الإعلام الحزبي والمستقل ومحاكمة الصحافيين وتجويعهم ومراقبة وسائل النفاذ للخبر وتوزيعه. إنّها لا تفعل ذلك فقط بل تفتح الباب مجدّدا أمام تعدّدية مختلّة للتنظّم الصحفي خاصّة أن زملاء البغوري لن يقبلوا بسهولة العمل تحت إمرة هيئة منقلبة تختصّ بالدعاية لسلطة الاستبداد وتتاجر بمصالح القطاع الحيويّة.

إنّ أيّاما عصيبة تنتظر النقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين لإفشال مشروع الانقلاب على خطّها الاستقلالي ولكشف المخزون النضالي والرمزي الذي تفخر به، ويبدو المجتمع المدني والسياسي مجبرا أكثر من أي وقت مضى على الإسراع بتقديم الدعم والمساندة حتّى لا يقع ما يحصل الآن في جمعية القضاة واتّحاد الطلبة ورابطة حقوق الإنسان من سيناريوهات الاستيلاء والتهميش والتّجميد، خاصّة أن هذه الأزمة تحصل قبل أشهرا قليلة من مهزلة انتخابية تحاول السلطة تقديمها على أنّها خطوة سديدة في اتجاه المشروع الديمقراطي السّليم.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني