الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الشعب يريد إصلاح وزارة الداخلية
الشعب يريد إصلاح وزارة الداخلية
6 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

لعلنا لا نأتي بجديد حينما نقول أن الوزارة التي حازت أكبر قدر من الكره والسخط الشعبي طوال السنوات الفارطة هي وزارة الداخلية والتنمية المحلية لسبب بسيط وهي تحوّلها من مؤسسة تسهر على حماية أمن وراحة المواطن إلى مجرّد عصا يرهب بها زين العابدين بن علي والعصابة الحاكمة معه كل من يتجرّأ على نقد نظام حكمه. القسوة والفظاظة والغلظة هي السمات البارزة التي تقفز إلى ذهن أي مواطن تونسي إذا ذكرت أمامه كلمة «شرطي» أو «بوليس» فما بالك إذا دعوته لزيارة مقّر الوزارة نفسها أو أحد مصالحها.

1- وزارة إرهابية

ويكفي أن نذكر هنا أن المواطن العادي كان غالبا ما يتردّد للذهاب إلى قسم الشرطة حتى لاستخراج بطاقة التعريف الوطنية وهو إجراء إداري روتيني وبسيط ومع ذلك يصبح القيام به ضربا من المجازفة وركوب الأخطار. طبعا المعارضون ( الحقيقيون) والنقابيون وأطياف المجتمع المدني الحيّ كان لهم شرف التعرف على فرقة «فساد» (الأحرف الأولى من فرقة سلامة أمن الدولة) أو البوليس السياسي النقطة المظلمة في الأمن التونسي فالأصل هو أن تكون الشرطة عبارة عن مجموعة من أشخاص وطنيين يراقبون ويقبضون على المجرمين لكن بن علي عكس الآية وجعل من هذه الفرقة الرهيبة مجموعة مجرمين لا همّ لهم سوى الترويع والاعتداء على المناضلين الوطنيين.

هكذا كان الحال ليس فقط في داخلية تونس ولكن في كل الداخليات العربية التي كانت تجتمع في تونس بانتظام شديد وبانضباط كبير وبحضور جميع الدول العربية التي كان زعماؤها وملوكها يخوضون حربهم «المقدّسة» ضدّ الحريّة.

كثيرة هي الروايات التي تشهّر بفساد الجهاز الأمني في عهد بن علي وربما يبقى الأمر الأكثر سوءا هو تسلّط هذا الجهاز القمعي الرهيب على الحياة السياسية التونسية وبسط نفوذه الكامل والشامل عليها إلى درجة طالبنا معها مرارا وتكرارا بفصل «الأمن» عن «السياسة» أو ما أسميته حينها «اللائكية الأمنية» فكل كبيرة وصغيرة تهمّ الشأن العام كانت تسطّر خلف أسوار البناية الرمادية في شارع الحبيب بورقيبة وهذا ما جعل السياسة والشأن العام حقلا من الألغام اختار أغلب المواطنين العزوف عن السير فيه وآثروا السلامة. أما الذين ساروا في هذا الدرب فقد كان لزاما عليهم أن يعدّوا أنفسهم لزيارات غير مرغوب فيها من قبل أعوان الأمن بالزي المدني وهرسلة متواصلة وتضييقات لا حدّ لها إضافة إلى اعتداءات متكرّرة من أشخاص مجهولين ورسائل تهديد والقائمة لا تحصى…

2 - مقترحات لإصلاح «الداخلية»

هكذا كانت الصورة إلى حدود قيام الثورة التونسية التي جعلت بن علي يهرب من تونس تاركا وراءه وزارة بحاجة حقيقية وماسّة للإصلاح وبحاجة لاقتراحات وتصوّرات عسى أن تسهم في تغيير الصورة القاتمة لوزارة الداخلية في أذهان الناس وتحقيق المصالحة مع الشعب.

أ – تغيير المكان

سأبدأ باقتراحين شكليين ولكني أراهما هامين ويقطعان مع الصورة القديمة والبالية لعون الأمن. الاقتراح الأول هو تغيير مقرّ وزارة الداخلية من شارع الحبيب بورقيبة إلى مقرّ جديد في ضواحي العاصمة يكون أكثر أمنا وابتعادا عن المحلات التجارية والسكنية إذ أن البيت الرمادي ينتصب في قلب العاصمة مجاورا لنزل ومحاطا بالمقاهي ولا أرى أي فائدة في المحافظة على هذا المقرّ الذي تلطّخت سمعته كثيرا بانتهاكات حقوق الإنسان بل هناك إلى الآن من يخفق قلبه وجلا من أيّام قضاها في هذه البناية الشامخة عندما يمرّ أمامها.

يمكن تحويل المقرّ الحالي إلى مجموعة محلات تجارية تتناسب مع خصوصيات أشهر شارع سياحي وتجاري في تونس ويمكن كذلك إحداث متحف للثورة التونسية بهذا المقرّ يخلّد أحداثها وأسماء شهدائها.

ب – تغيير اللون

الاقتراح الثاني هو حذف اللون الأسود من سيارات الشرطة لما يوحيه هذا اللون من قتامة وغلظة تحيلنا إلى الأيام السوداء لحكم المخلوع إلى درجة أن المتظاهرين وأغلبهم من الشباب غالبا ما كانوا يرفعون شعار «وزارة الداخلية وزارة إرهابية» الذي يقترب من تصوير هذه الوزارة كأنها فرع من تنظيم القاعدة. يمكن مثلا اختيار اللون الأزرق مثل شرطة مدينة نيويورك أو الأحمر والأزرق مثل الشرطة الفرنسية. طبعا هذا التغيير الشكلي هو مجرّد تغيير في الألوان لا يمسّ جوهر الموضوع لكنّ الأكيد هو أن إزالة اللون الأسود من شأنه إحداث تغيير إيجابي ملموس لدى المواطن التونسي الذي سيشعر بأن شيئا ما تغيّر فعلا في وزارة الداخلية وأن العلاقة بينه وبين الأمن لن يكون فيها بعد الآن شيء من السواد.

ج - فصل «التنمية» عن «الأمن»

هذا شكلا أما مضمونا فأنا أرى أن أوكد إصلاح يجب الإسراع به هو فصل «الأمن الداخلي» عن «التنمية المحلية» أي إنشاء «وزارة الأمن الداخلي» التي مهمّتها أساسا حفظ الأمن والاستقرار وسلامة التراب الوطني والسهر على راحة المواطنين وإلحاق البلديات والولايات والمعتمديات بوزارة التنمية المحلية لأنه لا داع من وجود وزارتين تسهران على نفس الأمر وهما «وزارة التنمية المحلية» المسقطة بعد الثورة من سماء الإصلاح الإداري و»وزارة الداخلية والتنمية المحلية « التي تتحكّم فعليا في كافة الولايات والبلديات والمعتمديات.

ما من شك أن هذا الفصل سيحدّ من تغوّل وزارة الداخلية وسيقلّص من حجم نفوذها وامتداداتها ويجعلها متخصّصة في أمر واحد وهو الأمن الداخلي فقط أما الولايات والبلديات والمعتمديات التي يجب أن تمرّ من الآن عبر آلية الانتخاب الشعبي وأن يحتكم فيها لصندوق الاقتراع فتتبع وزارة التنمية المحلية لأنها في الأخير تحقيق للامركزية السلطة وتقريب للخدمات من المواطن أي أنها شؤون إدارية أكثر منها أمنية وقد سمعنا وزير داخلية سابق يحاول التنصّل من تحمّل مسؤوليته في السجل الأسود لحقوق الإنسان لوزارة الداخلية في عهده بأنّه كان يهتمّ فقط بالشؤون الإدارية الخاصة بالجماعات المحليّة دون الأمور الأمنية أو»غرفة العمليات» وما من شكّ أن هذا الفصل سيجعل وزير الأمن الداخلي يتحمّل مسؤوليته كاملة طالما أن مهام وزارته معروفة وواضحة للجميع.

د - ضرورة التواصل مع المواطن

لقد سررنا جميعا بفتح وزارة الداخلية موقعا لها على الفايس بوك للتواصل مع الشعب وخاصة الشباب. وسررنا أيضا بالندوات الصحفية التي يعقدها الناطق الرسمي باسم هذه الوزارة بعد سنوات عجاف من لغة خشبية قوامها «أفاد مصدر مأذون بوزارة الداخلية»... هذه الخطوة تحتاج إلى خطوات أخرى تتبعها لمزيد التواصل مع الشباب لتغيير الصورة النمطية المرتبطة في أذهانهم من أن أعوان الأمن هم بالضرورة أعوان قمع.. يمكن أيضا تنظيم زيارات لبعض كليات الشرطة للشباب الناشط في الأحزاب أو جمعيات المجتمع المدني أو إنشاء خلية تواصل مع الشباب تردّ على استفساراتهم وانتقاداتهم وغيرها من طرق التواصل لبناء جسور الثقة التي تزعزعت كثيرا هذا إن لم تكن تهدمت تماما بين المواطن التونسي ووزارة الداخلية.

إن حال وزارة الداخلية يشبه حال المناطق الداخلية التونسية فهي منكوبة رغم أن على عاتقها يقوم أمن البلاد واستقرارها وازدهارها… هذا الوضع ليس مؤبدا ويمكن تغييره وتغيير صورة «وزارة الداخلية» في أذهان الناس لعلّنا ندخل جميعا صفحة جديدة بين المواطنين وبين من يسهر على حفظ أمنهم.

يسري الساحلي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني