الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الفاهم بوكدّوس من جور القضاء إلى جرم السلطة
الفاهم بوكدّوس من جور القضاء إلى جرم السلطة
15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

لعلّ الصدفة وحدها من أفضت إلى اقتران انتهاء الشهر الأوّل من إضراب الجوع الذي يشنّه المناضل الفاهم بوكدّوس، بالذكرى 23 لانقضاض بن علي على مقاليد الحكم.

والحقيقة أنّ مثل هذا الاقتران يحمل الكثير من الدلالات التي تنقسم إلى جزئين متناقضين لا جامع بينهما سوى مراكمة الدكتاتوريّة لمزيد الفضائح الأخلاقية والسياسيّة لسجلّها الأسود الذي لم يعُد يجدي نفعا تجميله بالمفاخرة الكاذبة صباحا مساءا وفي كلّ وقت بالحديث عن دولة "الديمقراطيّة" و"حقوق الإنسان".

ومثلما أسلف فالدلالات متقابلة ولا تقبل تحت أيّ منطق الجمع ولا حتّى التقريب. ذلك أنّ الفاهم الذي يواصل معركته القاسية بسلاح لا يتجاوز جسمه العليل ومناصرة قوى المجتمع المدنيّ في تونس وخارجها، يجد في طريقه دولة بوليسيّة بامتياز تتصرّف في مُجمل الشأن العامّ من ثقب واحد لا يتجاوز الأمن وفرض الاستقرار حتّى وإن كان ملغوما ومغشوشا. فبوكدّوس المؤمن حتّى الموت بحقّه في الحرّية، يدفع ثمن الهمجيّة النوفمبريّة التي تسخّر كلّ إمكانات الدولة المادية والمعنويّة لفرض الأمر الواقع على التونسيين والتونسيّات وتدجين المجتمع بما يسمح أوّلا وقبل كلّ شيء بالمحافظة على مصالح البورجوازيّة الكمبرادوريّة العميلة ضمن نظام سياسيّ شديد التخلّف لا صلة له من قريب ولا من بعيد بالجمهوريّة.

فهو -أي الفاهم- يقبع في سجنه بعد محاكمة صوريّة غابت فيها أبسط معايير المحاكمة العادلة. بل إنّ الحكم الذي يقضّيه صدر في حقّه وهو طريح فراش المرض بالمستشفى الجامعي "فرحات حشّاد" بسوسة!!! ممّا جعل الكثير من محاميه يعلّقون بالقول آنذاك "إنّ الحكم بتلك الحيثيات ليس سوى قرارا قضائيّا بالموت البطيء" بالنظر إلى أوضاعه الصحّية المتدهورة أصلا وخصوصا مرض الربو المزمن الذي يغدو أكثر خطورة بحكم الظروف السجنيّة غير الإنسانيّة.

ولعلّ إطلالة سريعة على "بطاقة الزيارة" التي دأبت زوجته على كتابتها بعد كلّ زيارة تؤكّد حتّى قبل إضراب الجوع الجرم القضائيّ الذي أقدمت عليه الهيئة التي انتصبت للنظر في قضيّته وانتهت إلى ذاك الحكم المعيب من الناحية التقنية الصرفة، وبطبيعة الحال من الناحية الأخلاقيّة والإنسانيّة.

كما أنّ المُطّلع على "بطاقة الزيارة" التي تزامنت مع شهره الأول من إضراب الجوع تؤكّد بصفة صريحة تكفّل الإدارة العامّة للسجون، ومن ورائها سلطة البلاد بوضع قرار الموت البطيء على أرض الواقع من خلال الإصرار على استمرار اعتقال الفاهم بوكدّوس وعدم الاكتراث لا بحياته المُهدّدة ولا للدعوات الكثيرة المنادية بتسريحه.

عمّار عمروسيّة


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني