الصفحة الأساسية > البديل الوطني > بدون تصفيق
بدون تصفيق
(متابعة لانتخابات دون تصويت)
14 تشرين الأول (أكتوبر) 2009

1 ـ حركة ليلية

في الليلة الفاصلة بين 9 و10 أكتوبر، تسلح فريق منهم هذه المرة بأسطل من مادة رغوة ملصقة ومثبتة للورق على الجدران، وبمكنستين وحزمة من المعلقات تحمل صورة امرأة منجمية مشيرة بإصبع الاتهام إلى صورة الرئيس التونسي التي يبدو فيها بشعر أسود لم يلمسه البياض بعد، وبضحكة المتحايل وهو محاصر بدائرة حمراء مقطوعة في النصف وكتب عليها "تسقط الرئاسة مدى الحياة" وفي أعلي المعلقة كتب "الحرية لمساجين الحوض المنجمي" أمّا في الأسفل فكتب "الائتلاف من أجل مقاطعة انتخابات أكتوبر 2009 في تونس".

بدؤوا في تصيّد أمكنة للتعليق على يمين وشمال الطريق الشاسع في حركة هادئة وهم يرفعون "المنجمية" ضمير الأحرار في تونس ونهج المناضلين والمقاومين للرئاسة مدى الحياة ولحكم سموه بالدكتاتوري. ومن الحين إلى الحين ينشب بينهم خلاف على مكان التعليق فيحسمه من كان بيده المكنسة فيمرّر لسانها مرات وبعدها ينتهي الخلاف بالتلصيق تحت نظرات الرئيس الذي لا حول ولا قوة له والمكنسة تمرّ على وجهه.

تجاوز مناضلو "الائتلاف" محطة "بالفيل" بقليل، أنهي الفريق الذي كان شمال الشارع المعلقات التي كانت بحوزته، تراجع قليلا لتسلم الإمداد، لكنها أي "رفيقتهم" صاحت "لقد مزقوهم، لقد مزقوهم".

أسرع الجميع، تقدموا نحو المكان، فكان بلاغ الصائحة غير دقيق لأن المعلقات لم يتم تمزيقها بل انتزاعها بالكامل والحال أنها لا تزال "خضراء". هي لحظات من تلك الواقعة، حتى بدأت وجوه معروفة تهبّ على المكان كأننا تماما في حي من الأحياء التونسية.

جلس الجماعة في مقهى في محاولة لرصد بعض المعلقات، لكن هيهات ما أن انهوا قهوتهم وعادوا على توّهم حتى انطلقت حملة مضادة بقيادة "رجالات" الرئيس المعلق في الشوارع في حركة ليلية لاستعادة هيبة الرئاسة، فلم يبقوا لا ما نفع ولا ما ضر.

2 ـ خيمة المقاطعة

هذه المرة نصبوا خيمتين بجانب محطة المترو "كورون" الباريسية وزينوها على طريقة الكرنفال بصور المتظاهرين بالرديف، عبارة عن شهادات للتاريخ تروي قصة أهالي انتفضوا لكرامتهم وتمردوا على سنوات من القهر والخصاصة. ظهر على الصور نساء رافعات للأيادي ووجوههن ملئ بالغضب، وعلى صور أخري البشير العبيدي وعدنان الحاجي يخاطبان قومهم.

ورفعت لافتات كتب عليها "الحرية لمساجين الحوض المنجمي" و"حريات حريات لا رئاسة مدى الحياة" في إشارة إلى زين العابدين بن علي و"فلنقاطع الانتخابات المهزلة في تونس".

في الجانب الآخر من الطريق قوات من البوليس الفرنسي بالزى الأزرق بدأ عناصره في الانتشار في حركة هادئة .

فجأة انبعث صوت الشيخ إمام واقترب الناس وتحركت الأيادي لتوزيع بيانات تروي قصة "بلاد قريبة ساعتين بالطائرة وبعيدة أعوام عن الحرية".

عمّت المكان الأرجل والوجوه وتقدم ممثل عن الحزب الشيوعي الفرنسي وآخر عن الحزب الجديد المناهض للرأسمالية وآخر عن النهج الديمقراطي المغربي في المقابل ظهر الدكتور المنصف المرزوقي وعبد الرؤوف العيادي عن المؤتمر من أجل الجمهورية وفوزية مقصود عن جمعية العمال المغاربيين بفرنسا وعادل ثابت عن حزب العمال الشيوعي التونسي والعديد من مناضلي "الائتلاف" ومناضلي حساسيات فكرية وسياسية أخرى في حين كان الصحفي الطاهر العبيدي بهدوئه يتجول ويسلّم بنظارات المهاجر المهجّر، أمّا الفنان الملتزم محمد بحر فبدأ يعدل أوتار عود الصبار.

لم تكن حركة الاحتجاج هذه كسابقاتها بل أكثر حماسة فلقد رفعوا الشعارات المنددة بالرئاسة مدى الحياة والانتخابات المزورة وتمكن مناضلو الائتلاف من جلب مساندين لهم من الشباب التونسي خاصة عندما تجمعوا لسماع الموسيقي المنبعثة من عود محمد بحر وهو يغنى للحرية أو خلال خطاب باللغة العربية لسمير حمودة حدثهم عن مأساة الشباب التونسي وهو يجازف بحياته حارقا نحو المجهول فرأوا في القصة أنفسهم.

حمادي عوينة يتحرك في كل الاتجاهات، لديه ما يقول اليوم. و"محرز" واقف بثبات، أمّا رجاء شامخ ورانية مجدوب وأخريات فلا تنقصهن المحاججة وهن يجادلن طالب المشاجرة الذي ردّد "هم من اختاروا الموت" في إشارة إلى الشباب الفار من جحيم البطالة والتهميش والمخيّر لامتطاء البحر ومواجهة خطر الموت غرقا.

بدأ الآن عددهم يتزايد وأعصابهم تتوتر وفي كل مرة يقترب أحدهم من التجمع محاولا الاستفزاز والدفاع عن رئيس لا يدافع عن نفسه إلا بالترشح والفوز قبل التصويت.

أما أصحاب الخيمة من الواضح أنه ليس لديهم ما يخسرونه ما دام ليس لهم مرشح يترشح ليخرس الانتخابات قبل التصويت.

جماعة المشاركة في الانتخابات لم تظهر لهم وجوه، كأنهم عزموا على مقاطعة خيمة المقاطعة والمشاركة في انتخابات قاطعتهم قبل التصويت.


متابعة لحدث
لطفي الهمامي

باريس:11 اكتوبر2009


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني