الصفحة الأساسية > البديل الوطني > تحية العلم في الأقسام
وجهة نظر:
تحية العلم في الأقسام
استبلاه للعقول و"بروباغاندا" سياسية
20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

عمدت مصالح وزارة التربية خلال بداية السنة الدراسية الجارية إلى تحويل تحية العلم في المؤسسات التربوية من الساحة إلى داخل الأقسام.

وقد أثار هذا الإجراء العديد من ردود الأفعال من المربّين والنقابات والأولياء الذين اعتبروه مجانيا للعملية التربوية ولا علاقة له بتبريرات الوزارة في كونه "يعمّق من حسّ الانتماء الوطني" زيادة على كونه يكلّف الأسرة التربوية أموالا طائلة لإعداد الأعلام وتعليقها ...

وبقطع النظر عن تكاليف هذه العملية والتي كان من الأجدر توجيهها في أمور أكثر إفادة ومنها تطوير البنية الأساسية للمدارس والمعاهد، فان هذا الإجراء يعكس توجّها وعقلية أكثر عمقا يمسّ العملية التربوية في كل جوانبها .

فالانتماء إلى الوطن لا تبرزه تحية العلم داخل القسم بطابع شكلاني يتأسس على "بروباغاندا سياسية" تريد السلطة تمريرها وتدريب الأطفال عليها وإقناعهم بأن الوطن يتلخّص في شخص رئيس الدولة، فلا نظنّ أن إدارات المدارس ستقتصر على تعليق العلم فقط بل إن صورة رئيس الدولة ستكون بجانبها على أساس أن رئيس الدولة يمثّل السيادة الوطنية وعنصرا أساسيا من عناصر الوطنية والانتماء، وبالتالي سيجد التلميذ نفسه كل صباح أمام العلم الذي يمثّل الوطن وأمام رئيس الدولة الذي يمثّل حامي الوطن، وهذا الطرح لا يكون البتّة مرآة للوطن وتعزيز الانتماء بل هو تمريرا لـ"قناعة" بأن الرئيس هو المدافع عن الوطن وفوق كل أي صراع حتى تصبح الفكرة شيئا فشيئا في ذهن التلاميذ، أن العلم هو الوطن والوطن هو رئيس الدولة وكل شيء في هذا الوطن لا يمكن أن يكون بمعزل عن رئيس الدولة...

كما يعيد هذا الإجراء بالأذهان إلى تضمين صورة الرئيس في عديد الكتب الدراسية في السنوات القليلة الماضية إلى الآن، والتي تهدف إلى تعويد التلميذ على "الزعيم" وترسيخ صورته في الذاكرة.

من ناحية أخرى، فان تعويد التلميذ على مبدأ الوطنية وحب الوطن والعلم والوطنية يجب أن يكون أعمق من هذا بكثير، وان يبتعد على التوظيفات السياسوية لتربية والتكوين في المدارس والمعاهد، فالانتماء إلى الوطن في السياسة التربوية يجب أن يتأسس على مبدأ التشاور أوّلا، أي تشريك الفاعلين في العملية التربوية من معلمّين وأساتذة ومتفقّدون واختيار المناهج بشكل ديمقراطي ورصد ما يفيد الانتماء بحقّ إلى الوطن لا إقصائهم .

إن تدريب التلميذ الانتماء إلى الوطن، هو التعريف بتاريخ الوطن الحقيقي لا إخفائه، فنحن لم ندرس تاريخ "الفلاقة" أو الصراع البورقيبي اليوسفي أو حقائق اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد أو تاريخ الحركة الطلابية أو انتفاضة الخبزة وغيرها من الأحداث التي تعتبر من الواجب أن يتلقّاها التلميذ باعتبارها تلخّص تاريخا كاملا عاشه الوطن.

كما أن التلميذ عليه أن يتعلّم أن الوطنية تتضمّن استقلال الوطن ومن ذلك التساؤل إن 20 مارس 1956 يمثّل استقلالا حقيقيا لبناء الدولة الوطنية أم هو مجرّد تحوّل من استعمار إلى استعمار آخر على كافة الواجهات وأخطرها على المستوى الاقتصادي الذي يؤكّد أن الوطنية هي بناء استقلال الاقتصاد الوطني قبل كل شيء والقطع مع من ينهب خيرات البلاد وثرواتها ويسرق مدّخراتها .
أفليس من الأحرى أن يتعلّم كل هذا؟؟

إن الانتماء إلى الوطن يستدعي كذلك مبدأ المواطنة، باحترامها وتقنينها ومحاسبة من ينتهكها، فالإنسان المحروم من مواطنته سيفقد بالتالي أحد عناصر الانتماء إلى الوطن وسيحسّ بالغربة والاغتراب، لذاك أفليس من الأجدر على التلميذ في تونس أن يعرف ما المواطنة وهل أن بلاده فيها مواطنة واحترام للحريات العامة والفردية وهل هناك دواعي لانتهاكها ومن المتسبب في انتهاكها وضربها ؟؟

إن الإجراء الذي أقدمت عليه وزارة التربية لا نظنّه معزولا عن الديماغوجيا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ترعاها السلطة السياسية في تونس وهي تسعى بكل السبل وفي القطاعات إلى "تفريخ" أجيالا جديدة تؤمن بمفاهيم وأشخاص معيّنين يمثّلون السلطة.

ولكن لا يمكن الاعتبار أن مثل هذه الدعايات هي من الأسلحة الرئيسية للنظام حتى يطيل عمره ويقوّي جبهة أصدقاؤه، بل إن النظام يعتبر هذه الإجراءات ثانوية أمام القمع المادي الذي يعتمد على البوليس وأجهزته المخابراتية، فالسلطة لا يمكنها أن تنازل الأفكار التقدمية وتربحها وهي تعرف أن مباراة بالحجج ستخسرها بالتأكيد، لذلك نراها لا تعتمد على الفكرة والبرهان بل تعتمد على القمع.

منتصر ع.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني