الصفحة الأساسية > البديل النقابي > تزكية ومبايعة أم اختيار ديمقراطي؟
ماذا حدث في الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل:
تزكية ومبايعة أم اختيار ديمقراطي؟
19 تموز (يوليو) 2009

بقلم: نقابي فخور باستقلاليته عن الحزب الحاكم

انعقدت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل يوم 16 جويلية 2009 وكان مبرمجا لها أن تنعقد إلى اليوم التالي أي 17 جولية، ولكنّها أنهت أشغالها بشكل "مفاجئ" في نفس اليوم الذي انعقدت فيه فلم تدم غير ثلاث ساعات ونصف تقريبا (إذا لم نحتسب الوقت الضائع!)، ولم تتناول كل جدول الأعمال الذي أعدّ لها.

وقد ختمت في الحقيقة أشغالها على الموضوع الذي برمجت له منذ شهور وهو النظر في كيفية ترشيح الرئيس بن علي إلى ولاية خامسة.

ولمّا كان موقف الاتحاد هو المبايعة وجب التوقف عنده وتفكيكه والبحث في أبعاده.

وقد جاء هذا الموقف فيوقت تعيش فيه البلاد وضعا خانقا متأزّما تمثّل بالأساس في:

1- تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتزايد عدد المسرّحين من العمال وعدد المؤسّسات الاقتصادية التي تغلق أبوابها يوميا وتعاظم عدد العاطلين مع كساد اقتصادي وجمود في حركة الإنتاج.

2- الارتفاع المشط للأسعار وتوقف الأنشطة الاقتصادية المحرّكة للدّورة الاقتصادية سواء على مستوى الاستهلاك المحلّي كتباطؤ أنشطة البناء ومشاريع البنية التحتية والعقارات والتجارة الداخلية وغيرها أو على مستوى الاستهلاك الخارجي كانخفاض مردود السياحة والتصدير وغيرها.

3- الاختناق السياسي والاحتباس الحقوقي الذي اشتدّت وطأته خاصّة بعد المحاكمات الجائرة لمناضلي الحوض المنجمي،وبعد استمرار المنع الذي تعرفه الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والانقلابات على الجمعيات المستقلة كجمعية القضاة التونسيين والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والمضايقات والهرسلة التي يعيشها نشطاء المجتمع المدني في تونس إلى جانب موجة من المحاكمات غير العادلة لعدد هائل من الشباب تحت طائلة "قانون الإرهاب "...

4- التفرّد المطلق بالحكم والتلاعب الدوري بالدستور وبالقوانين واستخدام القضاء لهذه الأغراض.

5- سيطرة فئة ضيقة على الثروات وعلى مقدرات البلاد واستغلالها للنفوذ السياسي للسيطرة على الممتلكات وضمان المصالح الشخصية والعائلية.

6- استمرار تراجع دور الدولة في تحمّل قسط من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية وضمور، إن لم نقل اضمحلال دورها في مستوى الخدمات.

7- استشراء الفساد وتفاقم المحسوبية والرشوة وارتفاع معدّلات الجريمة وبروز ظواهر اجتماعية جديدة غريبة عن المجتمع التونسي.

في هذه الظروف المتأزّمة وغيرها انعقدت الهيئة الإدارية للاتحاد،وقد مرّت دورة جديدة من المفاوضات لم تستطع التعويض عن تدهور المقدرة الشرائية ولم تلب الاحتياجات الضرورية للعمال وفاقمت من أزمتهم، بل مازالت قطاعات كثيرة مفاوضاتها معطلة عمدا وخاصة في القطاع العام.

انعقدت هذه الهيئة الإدارية بطريقة مثيرة،بعد سنة أو أكثر من موعدها القانوني، وسبقتها إثارة أكبر وحفّت بها ضغوطات تكاد لم تحدث حول سابقاتها وانتهت بقرار أشدّ إثارة وأكثر غرابة.

ولهذا سنحاول في ما سيأتي إثارة بعض النقاط المتعلّقة بهذه الهيئة الإدارية سواء من حيث شكل انعقادها وأخذ قرارها أو من حيث جوهر هذا القرار الذي يزعم مهندسوها أنهم اتخذوه دون المساس باستقلالية المنظمة. وهو ما يدعونا إلى الإشارة عابرا إلى ما تكبّدته الحركة النقابية من تضحيات ومن خسائر من أجل مبدأ جوهري وهو الاستقلالية.

أ- الانقلاب/الشكل:

لقد عمد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أسابيع قبل انعقاد الهيئة الإدارية إلى دعوة أعضائها للالتقاء بهم فرادى قصد إعدادهم للموقف المعدّ سلفا.وهو إجراء ليس جديدا في الاتحاد إذ يعمد إليه الجهاز في كل مناسبة حاسمة ويتم أثناء هذه اللقاءات استخدام الخطاب المناسب لكل عضو، يجمع بين الترهيب والترغيب وبين محاولات الإقناع باستخدام فزّاعة مصلحة الاتحاد ومصلحة الشغّالين وبتعداد المكاسب" التي تحققت بفضل سياسة الدولة الحكيمة "وبين التذكير بالمصلحة الشخصية لكل عضو...

إلى جانب ذلك فقد شكّل لوبي التجمعيين في الاتحاد وخاصة منهم النواب في البرلمان أو الطامحون إلى مركز في مجلس المستشارين، قوة ضغط من أجل جرّ الاتحاد إلى موقف غير مستقل بخصوص الانتخابات الرئاسية القادمة.

وينضاف إلى ذلك الضغط المسلّط على القيادة الحالية بسبب الفصل 10 من القانون الأساسي القاضي بتحديد عدد دورات تحمّل المسؤولية في المكتب التنفيذي بدورتين لا غير، وسعي هذه القيادة إلى إيجاد مخرج وإن كان انقلابيا على هذا الفصل بما يضمن لها جميعا تأبيد وجودها في المكتب التنفيذي الوطني.

وقد تردّدت في ساحة محمد علي كل السنياروهات حول كيفية تمرير الموقف وكان من بينها ما مورس فعليا في الهيئة الإدارية يوم 16 جويلية على الساعة الواحدة تقريبا.: قرئ نصّ البيان الختامي للهيئة الإدارية، يتعالى التصفيق فيصرّح الأمين العام على إثر ذلك بأنّ التصفيق تعبير عن الإجماع ويعلن المصادقة ويرفع الجلسة ويغادر الجميع دون أدنى احتجاج.

ولذلك لم تقع تدخّلات ولا مناقشات ولا تعليقات حول الموضوع المطروح، وحين حاول البعض التعرّض له في تدخّلاتهم التي حدّدت ب 03 دقائق (هكذا في هيئة إدارية لم تنعقد منذ ما يناهز السنة وأكثر!!!) رفض الأمين العام وأوعز للبعض اقتراح إرجاء النقاش في موضوع الانتخابات الرئاسية إلى اليوم الثاني.

إذن، يطرح موضوع بمثل هذه الخطورة على الهيئة الإدارية لأعرق منظمة في البلاد ويحسم بطريقة فجة عادت بالاتحاد العام التونسي للشغل إلى فترة الستينات وإلى عهد الميليشيات وإلى أسلوب الحسم بالتصفيق والسنياروهات المبتذلة، فتمحى عقود من التضحيات ويفسخ تاريخ من النضال من اجل الاستقلالية ويخلع النقابيون بدلة النقابي ويأتزرون بجبة التجمّع في ظرف ثوان !!!

لمصلحة من تجسم هذه المسرحية الهابطة ؟إنّ مخرجها على ما يبدو كان متلهّفا لإرضاء مصلحته أكثر من التفكير في مصلحة الاتحاد.

إنّ ما لم يتوقّعه واضعو السينيارو هو إمكانية ردّة فعل بعض أعضاء الهيئة الإدارية، الذين عمدوا إلى الاحتجاج على أسلوب التعمية في اتخاذ القار والسعي إلى تهميش أعضاء الهيئة الإدارية بالتعويل على التصفيق بدل التصويت واستبدال الإجراءات الديمقراطية بالنهج الانقلابي الميليشيوي. في حين صدّرت جريدة الشعب صفحتها الأولى بالعنوان التالي:" الهيئة الإدارية تقرّر بأغلبية مطلقة مساندة ترشح الرئيس بن علي لفترة رئاسية جديدة "، فمن أين جاءت الأغلبية وما هي العملية الإجرائية التي مورست لاحتساب عدد الأصوات والتأكد من وجود أغلبية مطلقة؟ إنها مغالطة كبرى تسوَّق لتبرير الانقلاب ولتعمية الرأي العام وللتمسح لدى من يهمه الأمر بادعاء امتلاك أغلبية مطلقة، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يُلجَأ إلى التصويت وليكن سريا أو علنيا. علاوة على ذلك فلو طبق مبدأ التصويت أكان المكتب التنفيذي ومن معه سيحصل على الأغلبية والحال أن مبدأ النسبية [1] المضمَّن في القانون الأساسي والنظام الداخلي سيفضي إلى ترجيح الكفّة إلى عكس ما تمّ التخطيط له خاصة أن القطاعات والجهات التي وقعت على عريضة مضادة تشكل من حيث التمثيلية النسبية ثقلا أكبر من سائر القطاعات والجهات الموالية بطريقة التصفيق.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هوجة التصفيق قد أحرجت بعض القطاعات والجهات وحرمتها من التعبير عن رأيها ومنها الجهات التي جاءت محملة بموقف جماعي مدوّن. إضافة إلى ذلك فإن بعض الكتاب العامين قد انقلبوا على قرارات مؤتمراتهم وقد اتخذوا مواقف فردية ولم يشركوا هياكلهم بمن فيها مكاتبهم التنفيذية.

والخلاصة لم تتمّ مناقشة ولم يتمّ تصويت ولا وجود فعلي لأغلبية ولا لأقلية، غاية ما في الأمر رغبة محمومة لترضية السلطة ولكن بأي ثمن؟ إنّه ضرب الديمقراطية داخل الاتحاد والتفريط بمكتسبات تراعي التنوّع الفكري وتأخذ بعين الاعتبار حرية إبداء الرأي والتعبير عن الموقف في استقلالية تامة.

ب- الانقلاب / المضمون:

مثل موقف مساندة بن علي ضربا لأهم بند من بنود تعريف الاتحاد العام التونسي للشغل وهو الاستقلالية.فقد جاء في الفصل الأول من القانون الأساسي والنظام الداخلي : "الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة نقابية وطنية ديمقراطية مستقلة عن كل التنظيمات السياسية، تستمد شرعيتها وقوتها وقراراتها من القواعد العمالية" وهو الفصل الذي لم تحترمه قيادة الاتحاد بجرها المنظمة إلى التذيل إلى الحزب الحاكم من جديد بعد صراع مرير من أجل التخلص من هذه التبعية، وبتجاوزها للقواعد العمالية التي قالت كلمتها في المؤتمرات القطاعية والجهوية والأساسية وأكدت على ضرورة عدم الزج بالاتحاد في مواقف سياسية تتعارض مع مبدأ الاستقلالية ودعت إلى حق المواطن في الانتخاب الحر بعيدا عن الوصاية والتسلط والاحتكار.

لقد حاولت قيادة الاتحاد في بيان الهيئة الإدارية تبرير هذا القرار بأمرين:
- مواصلة دعم برامج الإصلاح الاجتماعي التي يقودها رئيس الدولة...
- تأمين الظروف الملائمة لمواصلة المسيرة النقابية في كنف الاستقلالية والحوار الاجتماعي البناء بما يتيح تحقيق مطالب الاتحاد والشغالين...

إن هذين المبررين قد وضعا الاتحاد في خانة المنظمة الحزبية التي تسعى إلى تنفيذ برنامج مرشحها الحزبي،أي تبني برنامج التجمع،وهو ما يتعارض تماما مع ما تخوضه القواعد العمالية لإسقاط هذا البرنامج القائم على التفويت في القطاع العام لصالح الخوصصة وعلى الدفاع عن مصالح القطاع الخاص وعلى التشغيل الهش وعلى تخلي الدولة عن مسؤولياتها الاجتماعية وعلى تحميل الشغالين تبعات الأزمات الاقتصادية...

وفي نفس الوقت أفضى المبرران إلى ذوبان الاستقلالية بدل دعمها.إذ كيف تتحدث قيادة الاتحاد عن الاستقلالية وهي تدعم مرشح الحزب الحاكم ؟ فما المانع، إذن، ألاّ ترتفع أصوات أخرى من الاتحاد لدعم مرشحي أحزاب أخرى للرئاسية ؟

لقد تحرّكت البيروقراطية النقابية في دائرة مصالحها الفئوية الضيقة بل في دائرة المصلحة الشخصية لكل واحد منها (مثلما ذكر الأمين العام بذلك عددا منهم فبل الهيئة الإدارية).

كما اتسعت دائرة الصفة البيروقراطية (موقعا وممارسة ومصالح وبالتالي موقفا) لتشمل الكثير من أعضاء الهيئة الإدارية المصفّقين والصّامتين إحراجا أو خوفا أو طمعا والمنسلّين من الهيئة الإدارية بمجرّد إنزال الستار عن حركتها الأخيرة...لقد فوجئ الجميع بصمت بعض القطاعات وببلع كتابها العامين ألسنتهم وهم من المزايدين " الدائمين المستميتين " بمعارضة البيروقراطية :ثمة فرق بين معارضة البيروقراطية من أجل سيارة أو سفرة أو موقع أو علاقة شخصية أو ارتباط بكتلة أو مركز قوى وبين معارضتها حول ملفات وقضايا ومواقف...

إن المطروح على القطاعات والجهات الموقعة على عريضة رفض قرار الزج بالاتحاد لتزكية مرشح الحزب الحاكم أن تواصل نضالها لفضح:
- أسلوب الانقلاب الذي اتخذ به القرار، وهو أسلوب عائد، على ما يبدو، بقوة إلى الاتحاد.
- طبيعة هذا القرار/الانقلاب المعادية لاستقلالية الاتحاد ولديمقراطيته ولانحيازه المطلق لمصالح الشغالين.

كما يطرح على القطاعات والجهات التي تهافت كتابها العامون إلى التزكية دون العودة إليهم وإلى سلطات القرار الجهوية والقطاعية لمحاسبتهم واتخاذ الخطوات العملية من أجل إبلاغ موقفهم الحقيقي الذي عبروا عنه في هيئاتهم وهياكلهم الداعم لاستقلالية الاتحاد والرافض التذيل لمرشح الحزب الحاكم.

نقابي فخور باستقلاليته عن الحزب الحاكم

المصدر: منتدى "الديمقراطية النقابية والسياسية"
الرابط: http://fr.groups.yahoo.com/group/democratie_s_p

هوامش

[1للعودة إلى الفصل 09 نقول إن للتعليم الأساسي مثلا 05 أصوات على اعتبار صوت لكل 10000 منخرط وأكثر منه الثانوي وله 6 أصوات لكونه يضم 57 ألف منخرط فكم قطاعا نحتاج لبلوغ أصوات هذين القطاعين مثلا؟(ثمة قطاعات لا يتجاوز عدد منخرطيها الألفين وربما أقل وبالتالي لا حق لها في التصويت ولا في التمثيل في الهيئة الإدارية ولا في التنطم في شكل نقابة عامة)


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني