الصفحة الأساسية > البديل الوطني > تكتيك جديد للإجهاز على الحركة
تكتيك جديد للإجهاز على الحركة
25 أيار (مايو) 2008

منذ بداية الأسبوع الثالث من شهر ماي شرعت قوات البوليس المتواجدة بمدينة الرديف في تنظيم حملات تمشيط ليلية انتهت إلى إيقاف مجموعات من الشبان الذين تمّ إخضاعهم لتعذيب وحشي انتهى بإجبار الجميع على إمضاء محاضر ملفقة كانت الحجّة القانونية لإيداعهم السجن المدني بقفصة.

وقد تمّت إحالة الموقوفين أمام القضاء بتهم حقّ عام يمكن حوصلتها في السكر الواضح والتجاهر بما ينافي الأخلاق ورشق أعوان البوليس بالحجارة!!!

والحقيقة أنّ كلّ هذه الإيقافات (8 شبان) والشاكلة التي تمّت بها والتهم الموجهة إلى المحاكمين تطرح أسئلة عديدة في الوسطين الشعبي والديمقراطي، وهي أسئلة تتمحور حول الغايات الحقيقية للسلطة من وراء خطوتها الجديدة وتمتدّ إلى الطرق الكفيلة بردّ هذا التمشّي بما يضمن أوّلا السلامة الجسدية للأشخاص، وثانيا حرّية الموقوفين في سجنهم دون أن ننسى الآلاف من الشبّان المهدّدين بمعرفة نفس المصير.

وحتّى نرفع مكامن الغموض التي تحفّ بما يدور، نتطرّق إلى:

1ـ عمل روتيني أمني أم حملة منظّمة؟

2ـ من هم ضحايا الحملة؟

3ـ أهداف الهجمة.

حملة منظّمة:

بدأت بعض الدوريات البوليسية التي تجوب مختلف أحياء الرديف منذ ليلة 19 ماي في إيقاف بعض الشبان من البلدة، وهي حركة جديدة لم يألفها المواطنون هناك طوال الأشهر الماضية. ولعلّ ما عزّز منذ البداية الشكوك حول أوّل عملية إيقاف لشابين هو الاحتفاظ بهما لمدّة يومين والإسراع بإحالتهما على وكيل الجمهورية الذي أصدر بطاقتي إيداع في شأنهما بمحاضر هزيلة وتُهم تصبّ في خانة السكر وما تبعه...

ومع قدوم الليلة الموالية، تكرّرت نفس العملية وانتهت إلى نفس المصير ضدّ شابين آخرين، الأمر الذي برهن بصفة واقعية وملموسة على ما كان محلّ شكّ وتخمين وأضحى الأمر متعلّقا بحملة مُنظّمة من قبل الجهات الأمنية بمشاركة مفضوحة من الجهاز القضائي.

ولم تكد تمرّ أيام قليلة حتّى وصل عدد الشبان الموقوفين الـ8 ممّا أعاد درجات الاحتقان الشعبي إلى مستويات أرفع من الأيام السابقة، وأضحت كلّ البلدة، وعلى الأخصّ، الألوف من شبانها المعطّلين يعيشون كابوس الاعتقال بما يرافقه من تنكيل همجي ونهاية أكيدة وراء قضبان السجن المدني بقفصة.

فتعدّد الإيقافات، جعل كلّ الرديف تعيش تحت وطأة اختناق بوليسي وصل حدّ شعور الأهالي وهم مُحقون، بأنّ السلطة الأمنية تتصرّف وفق حالة طوارئ ليلية غير مُعلنة تقتضي ملازمة المنازل وإخلاء الأماكن العامّة منذ التاسعة ليلا.

من هم ضحايا الحملة؟

مثلما أسلف، طالت الحمل شبّانا أقلّ من 30 سنة أغلبيتهم الساحقة من المعطّلين وعملة حظائر وكأنّ البلدة في أوقات الليل خلت من سكانها ولم يبق منهم إلاّ هذه الشريحة!

بطبيعة الحال فإن اقتصار الحملة على هذا الصنف ليس بالأمر الاعتباطي ولا العرضي وإنّما هو عمل مقصود ومُدبّر يتساوق بالكامل، أولا، مع الأهداف الحقيقية لتكتيك السلطة الجديد، وثانيا، مع مقتضيات فبركة القضايا العدلية لاحقا.

فكلّ الضحايا يتقاسمون الانتماء لشريحة عمرية محدّدة "الشباب" بالإضافة إلى الانخراط العملي في مُجمل الاحتجاجات الاجتماعية التي تعرفها الرديف منذ 5 جانفي الماضي وهو مُعطى يؤكده الوسط العائلي للموقوفين ويفضحه لجوء البوليس في اصطياده لضحاياه على معطيات وتقارير أمنية سابقة فيها الصورة والوشاية...

كلّ الموقوفين هم من أوساط شعبية فقيرة ومن أحياء عرفت مواجهات عنيفة وقت تدهور الأوضاع الأمنية في الرديف في أفريل الماضي وفي المرّة الثانية أيام 6 و7 ماي بعد ارتكاب جريمة قتل الشاب هشام بن جدّو في تبديت، والأهمّ من كلّ شيء أنّهم من المساهمين، وإن بدرجات متفاوتة، في المعارك الميدانية التي خاضها الأهالي ضدّ قوات البوليس.

هم من الألوف الشابّة التي مثلت العمود الفقري لصمود الأهالي وبطولاتهم.

إنّهم البسطاء من أبناء الشعب الذين خاضوا المعارك الميدانية (مواجهات، اعتصامات...) وصهروا طاقاتهم الجسدية وكلّ معارفهم العملية لكسر شوكة الآلة البوليسية، خاضوا المعركة بعيدا عن الأضواء الإعلامية وخصوصا في الأوقات العسيرة.

ومن الطبيعي أنّ مثل هذه الشريحة التي يعاني الكثير منها من التهميش الاجتماعي وقلّة المعارف العلمية تحوي في صفوفها عناصر كثيرة قد يكون بعضها حاملا لسوابق عدلية قديمة فيها تناول الخمر والعنف... وهو مُعطى حضر في ذهن واضعي هذا التكتيك ووجد ترجمته في عملية انتقاء العناصر الموقوفة ليسهل تمرير كذبة "التطهير" والعمل العادي لأجهزة البوليس.

أهداف الهجمة:

دون ريب، يصُبّ تكتيك السلطة الجديد في اتجاه تحقيق 3 أهداف هي:

1ـ الإجهاز على الحركة الاحتجاجية:

لم تُفلح السلطة طوال الأشهر الماضية بالرغم من تعدّد تكتيكاتها (لعب على الوقت، حصار إعلامي، تسويف، استعمال القوّة...) في وضع حدّ للحركة الاحتجاجية لا في الرديف ولا في أم العرائس.

على النقيض من ذلك فبإمكان المرء الوقوف على نتائج عكسية لما أرادته السلطة، فهي في كلّ تكتيك جديد لا تُراكم فقط الفشل الذريع وإنّما هي عملت دون وعي بطبيعة الحال على تغذية الحركة الاحتجاجية وإكسابها طاقات بشرية إضافية وآفاقا أرحب.

وهو ما يعكس عمق الأزمة التي أضحى النظام يتخبّط فيها ويكشف العجز الفظيع لهذه السلطة في إيجاد الحلول المعقولة ولو ضمن الحدود الدنيا لما يطلبه الأهالي.

وفي نافلة القول أن الهدف الأساسي لحملة الإيقافات الجديدة هو الإجهاز على الحركة من خلال إفقادها وقودها الأساسي أي شبابها. وللتغطية على هذه الحقيقة لجأت السلطة إلى ما تقترفه متعمّدة قضم حواشي وأطراف الحركة وجسّ النبض والمرور بعدها إلى القلب النابض ونقصد به الحزام الأكثر نشاطا من الشبّان الميدانيين والوصول بعدها إلى الصفّ الأول من الوجوه المعروفة والقيادية.

إنّ حملة الإيقافات الأخيرة بكلّ حيثياتها التي ذكرناها سابقا ليست إلا مقدمة للمضيّ في سحق الحركة الاحتجاجية دون إثارة الرأي العام المحلّي والوطني.

2ـ تشويه الحركة الاحتجاجية:

لا نظنّ أحدا بإمكانه نفي مقصد السلطة التشويهي من خلال الزجّ بعشرات الشبّان من الرديف بتهم كيدية، عديمة الإخراج التقني من واضعيها تجعل الحركة الاجتماعية مطبوعة بقضايا تصبّ في خانة السكر والعربدة ومسك أسلحة بيضاء (موسى، شفرات حلاقة، تعرية العورة...).

وهو ضرب الحركة وبثّ الغموض حولها وإنّما يمتدّ الأمر إلى التشويه التاريخي الذي قد يصل إليه أيّا كان بعد عشرات السنوات. فهل من المعقول أن تسقط مثل هذه الوصمة من القراءة التاريخية لانتفاضة الحوض المنجمي؟

الإجابة لا بطبيعة الحال لأنّ وصمة العار هذه وفق كل الحيثيات ليست سوى عملية مُدبّرة أمنيا وسياسيا وقضائيا وهي إن كانت وصمة عار فهي في سجلّ النظام النوفمبري الذي تكاثرت فضائحه.

3ـ فرقعة وحدة الحركة الاحتجاجية:

ليست المرّة الأولى التي تمت فيها اعتقالات ولا المرّة الأولى أن تمّ فيها في الأشهر الأخيرة إقحام المؤسسة القضائية لتصفية الحساب مع الحركة الاحتجاجية المستمرّة منذ أشهر.

فالجديد إن كان هناك جديد تمثل مثلما أسلف في ضرب الحركة بقضايا حقّ عام، وهو تطوّر خطير من الناحية السياسية والأخلاقية تعرّضنا إلى أهدافه لاحقا، فإيقافات لشبان مغمورين بتلك الصورة والإصرار على وضعهم بالسجن وإحالتهم للقضاء الذي سيحكم ضدّهم أو بعضهم بعقوبات نافذة قد يكون قاعدة لبروز بعض الأفكار وحتّى المواقف التي يمثل مجرّد ظهورها خطرا على وحدة الحركة التي مثلت السّلاح الأقوى بيد الأهالي.

بعبارة أخرى فإنّ المقاومة البطولية لكلّ الأهالي التي أخرجت موقوفي شهر أفريل دون محاكمة وحتّى مجرّد إحالة على القضاء، يمثل ضعفها أو غيابها أمام مجموعات "الأبطال المغمورين" قاعدة ماديّة للانقسام أو حتّى الشعور بالغبن لدى البعض. ولذلك فإنّ غلق الباب أمام أيّ تصدّع مُحتمل يتمثل في وقوف الحركة بنفس التصميم والقوّة دفاعا عن أبنائها.

ولا نبالغ في أي إذا اعتبرنا الوقوف مع موقوفي اليوم مهمة أكثر وجوبا من الوقوف مع موقوفي شهر أفريل، فالبسطاء والنكرات من أبناء الحركة هم عمودها الفقري الذي ينبغي حمايته مثل الرموز المعروفة.

قفصة في 25 ماي 2008


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني