الصفحة الأساسية > البديل الوطني > جريمة بشعة وفظاعات منظّمة
جريمة بشعة وفظاعات منظّمة
15 أيار (مايو) 2008

منذ يوم الثلاثاء 6 ماي الجاري، تقهقرت الأوضاع بمنطقتي الرديف وأم العرائس في اتجاه خطير ينذر بمزيد تعفن الأمور وانفلاتها عن كلّ سيطرة سواء من جهة الفعاليات الشعبية المناضلة، أو من جهة السلطة القائمة.
فالمشهد بالبلدتين المذكورتين وعلى الأخصّ أم العرائس فاق كلّ التصوّرات الممكنة، ونكاد نجزم بأنّ أيّ مُعتقد لهذا النظام وحتّى معارض راديكالي ليس بإمكانه تصوّر حجم الهجوم الشامل والمُنظّم ضدّ الأهالي، كلّ الأهالي بقطع النظر عن جنسهم وسنّهم وأماكن تواجدهم.

ولأنّ حرب السلطة على الأهالي العُزّل تتمّ وسط تكتّم إعلامي رسمي رهيب يساعد على استمرار جرائم هذه الدولة، وحتّى نمكّن الرأي العام الوطني والدولي من معرفة حقيقة ما يدور هناك، لعلّ الجميع يُسهم في إيقاف هذه الفظاعات، نتعرّض إلى:

1ـ تنكيل فظيع:

يعرف الجميع أنّ احتجاجات الحوض المنجمي اندلعت شرارتها الأولى منذ 5 جانفي الماضي احتجاجا على نتائج مناظرة شركة فسفاط قفصة، تطوّرت مع مرور الأيام لتفرز حركة اجتماعية شعبيّة ضدّ الفقر والبطالة ونموذج التنمية الفاسد.

ولعلّ عجز السلطة المتزايد في الاستجابة لمطالب الغاضبين، ولو في حدودها الدنيا، مضافا إليها لجوئها المتكرّر والمتزايد إلى استعمال القوّة ضدّ الغاضبين والمحتجّين، مثلا القاعدة المادية ليس فقط لاستمرار تلك الاحتجاجات، ولو بأنساق مختلفة، وإنّما اتساع دوائرها من زاويتي تزايد أعداد المنخرطين في الحراك وخروج المطالب أحيانا عن مجالها المعهود إلى ملامسة فضاء جديد يتّصل بمجال الحرّيات (إطلاق سراح المعتقلين مثلا...).

واللافت للانتباه هو تقهقر الأوضاع بمدينتي الرديف وخصوصا أم العرائس منذ يوم 6 ماي على خلفية سقوط أوّل شهداء انتفاضة الحوض المنجمي: الشاب هشام بن جدّو علايمي الذي ذهب ضحية عمل إجرامي سبق أن تعرّضنا إلى حيثياته في عدد سابق من نشرية "البديل" الالكترونية. والحقيقة أنّ الهجوم البوليسي الذي انطلق ليلة 6 ماي وتواصل في الأيام الأربعة التي تلته ببلدة أم العرائس، مثل الفصل الأكثر سوداوية وفظاعة من فصول القوّة السابقة، ذلك أنّه اتخذ طابع الأعمال الانتقامية المنظّمة ضدّ الأهالي والممتلكات، حتّى أنّ شهود عيان شبّهوا ما حدث بالحرب الحكومية التي ينقصها استعمال السلاح الناري.

أقدمت جحافل البوليس التي يفوق عددها وفق مصادر متعدّدة الـ10آلاف تحت جنح الظلام منذ الليلة الأولى لتشييع جثمان الشهيد هشام بن جدّو على اقتحام مدينتي الرديف وأم العرائس مستعملة في هذا الاقتحام الهراوات والكلاب وبطبيعة الحال أنواعا عديدة من القنابل المسيلة للدموع التي تمّ استعمالها بصفة مكثفة وعشوائية طالت البيوت والمقاهي وحوّلت محيط البلدتين ومركزهما إلى محارق يصعب العيش فيها، الأمر الذي دفع بالمئات من متساكني الرديف ليلة 6 ماي إلى مغادرة بيوتهم والخروج إلى العراء.

وتواصل الأمر على هذه الشاكلة كامل نهار 7 ماي، ومرّة أخرى مع قدوم الليل تصاعدت وتائر الهجمة إذ تولّت مجموعات من البوليس خلع العديد من الدكاكين التجارية ونهب محتوياتها (مال، مواد غذائية، سجائر...) مثل ما حدث مع السيّد بدر المبروكي صاحب متجر بأم العرائس الذي فقد أكثر من 2500 دينار ثمن السجائر المتوفرة بدكّانه.

أكثر من ذلك، تولّت عصابات البوليس بمدينة أم العرائس أيام 8 و9 ماي إتلاف بعض ممتلكات المواطنين من ذلك حرق بعض الدرّاجات النارية أمام منازل أصحابها وضمن هذا السياق نذكر ما وقع للسيد عبد الله المبروكي.

فعل البوليس كلّ شيء، وحتّى عندما لزم الأهالي بيوتهم مرّت عصابات الرعب إلى اقتحام المنازل وترويع متساكنيها وإتلاف بعض محتوياتها، فقد أفادنا الكثير من شهود العيان وحتّى المتضرّرين بأم العرائس بتعمّد أعوان البوليس خلع الأبواب الخارجية لمنازلهم دون موجبات وتحطيم بعض الأثاث كالتلفاز والثلاجة.

حدث كلّ هذا على امتداد يومين، ضمن عمل منظّم ولا نظنّ أنّ مثل هذه الأعمال كانت بعيدة عن سماع إن لم نقل أنظار مسؤولين أمنيين كبار يتقدّمهم مدير الأمن الوطني.

أفظع من ذلك تولّت فيالق الهمجيّة تجميع النسوة في الساحات العامّة والأحياء والتهديد بالاعتداء عليهنّ أمام الأزواج والآباء والأبناء....

ومثلما هو واضح استهدف الهجوم كسر شوكة صمود الأهالي والتنكيل بهم ضمن عقلية انتقامية تنكر عليهم حقهم في الدفاع على حقوقهم ومدنهم وأعراضهم.

2ـ حتّى نتحمّل مسؤولياتنا:

تلك كانت لمحة خاطفة عمّا فعلته هراوات البوليس بالأهالي والتي خلّفت أضرارا ماديّة بالممتلكات وعشرات الإصابات متفاوتة الخطورة (كسور، رضوض، حروق...) مازال بعض ضحاياها يرقد بمستشفيات الجهة مثل حالة الشاب علي بن عمر مبروكي الذي يعاني من كسر خطير في ساقه اليسرى علما وأنّه تعرّض في وقت سابق لكسر في يده اليمنى (8 أفريل) دون أن ننسى تواصل حبس الشاب نجيب الزنايدي أصيل مدينة أم العرايس بالسجن المدني بزروق.

إن هجوم السلطة على الأهالي في المدّة الأخيرة يمثل تطوّرا خطيرا يؤكد بما لا يدع مجالا للشكّ إيغال النظام النوفمبري في المعالجات الأمنية التي لن تزيد الأوضاع المحتقنة بالرديف وأم العرائس إلا تعفنا يفتح الطريق واسعا أمام مجازر حقيقية لا نعرف ساعة ولا مكان وقوعها.

وعلى أيّ حال فقد انفتح سجلّ شهداء الحوض المنجمي في انتفاضته الحالية (هشام علايمي).

وحتّى لا تتطوّر الأمور في اتجاهات أكثر كارثية يصعب التكهّن بتداعياتها جهويّا ووطنيّا، نرى من الضروري تفعيل مناصرتنا لأهالي الحوض المنجمي المنتفضين على التفقير والحرمان ورفع الأصوات عاليا كلّ من موقعه وبما يراه مناسبا ضدّ سقوط الدولة المريع ضمن دائرة العصابات الإجرامية المارقة عن كلّ قانون ومنطق بما فيها القوانين التي سنّتها هذه السلطة وتدّعي صباحا مساء الالتزام بها.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني