الصفحة الأساسية > البديل الوطني > حتّى لا تنفجر الأوضاع من جديد
حتّى لا تنفجر الأوضاع من جديد
17 آذار (مارس) 2010

بقلم عمّار عمروسيّة

يبدو أن نظام الحكم لم يعد معنيّا بالشأن العام إلا من زاوية وحيدة هي بدون ريب "استمرار الهدوء والسلم الاجتماعية"، هذا الهدف الذي كثيرا ما يتحقّق بواسطة آليات يغلب عليها الطّابع الاستبدادي بل القهري حتّى النهاية لطالبي الحقوق أيّا كانت مجالاتها ممّا حوّل البلاد، كلّ البلاد في السنوات الماضية إلى سجن كبير تدار كلّ الجزئيات فيه إمّا بواسطة التعليمات التي يجهل مصدرها وأهدافها حتّى الساهرين على تطبيقها وإمّا بواسطة القوّة الأمنية الغاشمة.

ولعلّ إلقاء نظرة سريعة على الأساليب والتكتيكات التي أدارت بها السلطة انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 تمكّن كل ملاحظ نزيه من الوقوف على جملة من الحقائق، جميعها يفنّد أبرز مقومّات الخطاب الديماغوجي لنظام 7 نوفمبر، فبالرّغم من الطابع المدني والسّلمي لتلك الانتفاضة وبالرّغم من عدالة المطالب المرفوعة (شغل،تنمية عادلة،الخ.) وبالرغم من صمود الانتفاضة واستمرارها كما لم يحدث في تاريخ تونس (أكثر من نصف عام)، وبالرغم من انتصار قوى عديدة في الداخل والخارج دفاعا عن تلك الانتفاضة المجيدة وقادتها، بالرغم من كل شيء حشدت السلطة كلّ أجهزتها وانقضّت من جديد على الحركة الاجتماعيّة وأغرقتها في حمّام دم في سابقة خطيرة على امتداد سنوات حكم الرئيس الحالي.كيف لا؟ وإخماد الحركة الإحتجاجيّة تمّ مثلما هو معلوم بواسطة إطلاق النار والرصاص الذي ذهب ضحيّته 3 شبّان وعشرات الجرحى.

كيف لا؟ وعودة "الهدوء الاجتماعي" لمدن الحوض المنجمي وخصوصا بلدة الرديف لم يكن سوى ثمرة إطلاق العنان لمختلف أجهزة البوليس التي أهلكت الممتلكات وعبثت بالعباد دون النّظر إلى أعمارهم أو أجناسهم وحتّى إسهامهم في الحركة الاجتماعية.

سخّرت الدّولة كلّ إمكانياتها لإسكات صوت المحتجّين والتنكيل بكلّ مناصري تلك الاحتجاجات، ومن نافلة القول أنّ ذلك التّسخير شمل جميع الإمكانات الإعلاميّة والأمنية والعسكريّة وبطبيعة الحال القضائيّة ممّا أحال جهة قفصة وخصوصا بلدة الرديف إلى مقاطعة تكاد تكون معزولة عن البلاد بما أنّ درجة تغوّل السّلطة على الشّعب تضاعفت بالجهة الأمر الذي جعل عديد النّاشطات والنّشطاء ينشدون العيش ضمن مستوى القمع العام الذي تعرفه تونس...

أقحمت الحكومة الجيش بمعدّاته الثقيلة الحلبة الاجتماعية وأدارت ماكينة القضاء في نسق ماراطوني لاستصدار أحكام جائرة في حقّ المئات، وانطلقت الهمجيّة البوليسيّة ليلا نهارا لممارسة إمّا التعذيب ضدّ الموقوفين وإمّا العنف ضدّ الناشطات والنّشطاء. فعلوا ما فعلوا دون أدنى ضوابط قانونيّة أو أخلاقيّة إلّا أنّ الهوّة بين السّلطة ورعاياها اتسعت أكثر فأكثر، فحتّى الهدوء الذي ساد منذ 6 جوان 2008 لم يكن سوى استقرارا هشّا أثمره أولا وأخيرا عنف الدّولة ضدّ الأهالي. وعليه فإنّ إمكانيّة انفجار الأوضاع مُجدّدا تظلّ قائمة فمطالب الحركة الاجتماعية مازالت عالقة دون حلّ حتّى الآن، بل يمكن الجزم أنّ قضايا عديدة مثل البطالة والمحسوبية... تفاقمت في السّنتين الأخيرتين. إضافة إلى تزايد الاحتقان نتيجة تواصل المحاكمات المدرجة ضمن هذا الملفّ وبقاء المسرّحين من السّجون بعيدا عن مزاولة مهنهم واستمرار الصّمت الرّسمي حول الجرائم المُرتكبة (قتل الأبرياء، نهب الأرزاق، تعذيب الموقوفين، عنف ضدّ بعض وجوه المجتمع المدني...).

بطبيعة الحال ربحت السّلطة عودة "الاستقرار" لمنطقة الحوض المنجمي إلاّ أنها لم تقدر لا على إطفاء جذوة النّضال الكامنة والتي بالأكيد أنّها بانتظار الفرصة السّانحة للتعبير عن ذاتها، ولا على إيجاد حلول للمعضلات الاجتماعية ولو في حدودها الدّنيا وهو ما ينذر بإمكانيّة سقوط الجهة مرّة أخرى نحو الاحتجاج ضمن أفق جغرافي أكثر اتساعا وبعد شعبيّ أكثر شمولا. فالقبضة الأمنيّة مهما اشتدت ليس بإمكانها سوى مراكمة الحقد الطّبقي والاجتماعي وتأخير الحراك الشّعبي. والحقيقة أنّ الواقع يمدّنا بصفة دائمة بمؤشّرات جديدة تؤكّد على تزايد الاحتقان بما يُنذر بقرب ساعة الهزّة الاجتماعية إن بمدينة الرديّف أو سواها. والملفت للانتباه ليس فقط استخفاف السّلطة بمعاناة الأهالي وإنّما صبّها الزّيت على النّار كما يُقال من خلال:
- التّحايل على التّنمية والتّلاعب بأموال طائلة لإنجاز مشاريع اقتصادية لم تقدر على تخفيف وطأة البطالة، زيادة على أنّ هذه المشاريع تمّ إسنادها إما لأصحاب المال المعروفين من قبل وإمّا لوجوه جديدة معروفة بولائها التامّ للحزب الحاكم.
- الاستمرار في المحاكمات القضائيّة الجائرة ضدّ بعض المحالين مُؤخّرا. فبعد سجن مجموعة من شبّان المظيلة وقع الزّج بالمناضل حسن بن عبد الله وراء القضبان يوم 24 فيفري الماضي وليس من المستبعد أن يكون مصير الصحفي الفاهم بوكدّوس السّجن في الأيّام القليلة القادمة.
- الإبقاء على السيّد عدنان الحاجي ورفاقه تحت مراقبة أمنيّة مشدّدة زيادة على حرمانهم من حقّهم في العودة لمهنهم.
- التّغاضي عن محاسبة المسؤولين عن انفجار الأوضاع بالجهة ومحاسبة مرتكبي القتل والتعذيب والعنف والنّهب... واستفزاز الأهالي والنّشطاء بترقية البعض منهم في وظائفهم، حتّى أنّ الكثير من بسطاء النّاس أضحوا يتندّرون بالقول "دولة القانون تُجازي المعتدين وتُعاقب طالبي الحقوق".


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني