الصفحة الأساسية > البديل الوطني > حدث هذا في الرديف
حدث هذا في الرديف
16 آذار (مارس) 2008

حدث هذا في الرديف، 2 مارس 2008

الأحد صباحاته كما يعلمها القاصي والداني في هذه البلدة دائما حبلى بمساحات نضالية في حجم أبطالها الشرفاء، الذين ما كلوا وما يئسوا ولا استكانوا لسطوة المحتل في الماضي السحيق ولا لوطئ سياسة التفقير والتهميش في حاضر تونس المرهق بندوب المافيات وسقيم حداثة القتل والتدمير.

مقهى الإتحاد الذي أصبح قبلة لأبناء هذه البلدة الذين عبّروا وبكل أشكال النضال على حقهم في الشغل والحرية والكرامة.. يعج بهم وبمن تحمّل مسؤوليته التاريخية في الدفاع عن حق هذا الشعب في أن يكون مصان الحقوق وحرا، من معلمين وأساتذة وموظفين وعمال.
أحاديثهم تراوحت بين ما عرضته قناة الحوار التونسي ليلة السبت فيما يخص مسيرتهم المظفرة في السابع عشر من شهر فيفري المنصرم، وبين ما سيكون عليه الوضع يوم الثلاثاء القادم 4 مارس انتهاء المهلة أو ما عبّر عنه المحتجون بالهدنة التي طالبت بها السلطة لحل مطالب المحتجين مع لجنة التفاوض التي انبثقت عن حراك أهالي الرديف منذ 5 جانفي 2008، ونذكر مرّة أخرى بها:

- إيقاف قائمة التشغيل بشركة فسفاط قفصة (قائمة الرشوة والمحسوبية ومراجعتها).
- شغل قار يحفظ الكرامة.
- نصيب الجهة من الثروة الوطنية.
- خلق مشاريع تنمية حقيقية في الجهة.

زهو وغبطة تعتري ملامح أبناء البلدة وهم يستذكرون ما شاهدوه في ملحمة البدء.. ملحمة الخبز والحرية والكرامة الوطنية. وتساؤلات ومشاورات في ما هو آت فور انتهاء المهلة تحمل في تفاصيلها وعناوينها ومفرداتها الكثير من الجرأة والإقدام والمسؤولية، حيث تقريبا هنالك اتفاق شبه عام وبديمقراطية وحكمة على التواصل والمواصلة في الاحتجاج والعودة إلى حلبة النضال المستميت من أجل هذه المطالب المشروعة. واضعين نصب أعينهم أن إرادة الشعوب لا تقهر، وأن آلات القمع ووسائلها المرعبة والمتنوعة وجيوش البوليس الرابضة والمحتشدة في فناءات الغيلة والعهر لن تزيد هذا الحراك إلا صمودا. وهذا الشباب التوّاق للعدل والحرية هو الإمتداد الحقيقي والجريء لمسيرة الآباء والأجداد ورجال هذا البلد الأشاوس الذين لم يدخروا أي جهد في تشييد رحلة التجديد والبحث عن قصائد أخرى أكثر رحابة.. وأكثر شعرية.. وأكثر حرية لاحتضان هذا البلد المصادر...

ولأبرهن لقارئي أن لهذا البلد شعب يحميه.. شعب يكتنز في داخله رغبة جامحة للتخلص من ربقة الظلم والطغيان.. في مفاصلها روح ثورية وحبّ عارم للنهوض واستنهاض همم أبنائه.. هو ما أوصاني به شاب أربعيني للأهالي في هذا الوطن.. في سليانة وبنقردان.. بنزرت وقابس والقيروان.. نابل وباجة وقفصة والقصرين.. طبرقة وصفاقس وجندوبة وتطاوين... "اطمئنوا..فاحداثيات أهالي الرديف واضحة وجلية... عزائمهم من حديد..أهدافهم كما رسمت لاحياد.. ولتكن ضريبة هذا كله.. المــوت.. شرف لاندعيه.. لكن لا تطمئنوا لحالكم وأحوالكم.. كونوا في حجم فقركم وقفركم.. وانزعوا خيوط الخوف.. واهية هي ورب العباد..". وأنشد قائلا:

ولو شردونا كما شردونا

لعدنا غزاة لهذا البلد.

عندها انضم إلى حديثنا شاب، حياة الغبن والقهر خددت مساحات وجهه وفي يده وصل ممضى من قبل معتمد الرديف، مضمونه إعانة بما قيمته عشرة دينارات، وهو يلعن ويسب دولة الجور والمدنسات، صارخا سنظل أوفياء لمطالبنا أحب من أحب وكره من كره.. سنظل أوفياء لك يا عدنان.. لأنك كنت الذي نفتقده طيلة سنوات الجمر. وسننتصر...

حدث هذا في الرديف، 9 مارس 2008

مقهى الاتحاد يوم الأحد يعجّ بجموع غفيرة من أهالي البلدة، ترتشف قهوة الصباح في انتظار خطبة الأحد التي ستحمل في داخلها ما تمخّض عن جلسة التفاوض التي جمعت لجنة التفاوض مع معتمد الرديف.. البوليس السرّي وكعادته منتشر في مقاهي وشوارع البلدة.. أغاني فرقة العاشقين الفلسطينيّة في بوق دار الاتحاد المحلّي بالرديف تغطّي فضاء البلدة وتضفي على المكان مشهدية نضالية قلّ وجودها في هذا الزمن المثقوب...

العاشرة والنصف صباحا اشرأبّت أعناق الحاضرين إلى شرفة دار الاتحاد حيث السيد عدنان الحاجّي الكاتب العام للنقابة الأساسية يمسك بالمصدح مستهلاّ خطابه بتحايا نضالية إلى المرأة في الرديف، إلى الأمهات والأخوات والزوجات اللواتي لم يدّخرن أيّ جهد في الدفاع والمؤازرة والإستماتة من أجل مناصرة شباب ورجال البلدة في مطالبهم المشروعة بمناسبة عيد المرأة العالمي.. وبتحايا حارّة إلى هذا الشباب الذي بيّن وبجسارة الأبطال قدرته الأسطوريّة في الصمود والنضال والإلتزام والوعي الفعلي في الفهم والتفهّم.. مشيدا بمؤازرة الإخوة في قفصة الذين دخلوا في إضراب عن الطعام بيوم تضامنا مع أهالي الرديف وبوقفة الإخوة في باريس الجريئة التي عرّفت بمطالب الحوض المنجمي ومساندتهم المطلقة للمحتجّين في الرديف، عارضا في حديثه ما تمخّض عن جلسة التفاوض بالأمس معبّرا عن تفاؤله من نضالات المحتجّين التي لن تذهب سدى وستثمر إن عاجلا أو آجلا قائلا: "إننا سنهدّأ الوضع مع الإبقاء على الإعتصام بدار الاتحاد إلى حين تحقيق مطالبنا وإن عادت العقرب فالنعال جاهزة" محذرا السلطة من تراجعها داعيا الشباب إلى مزيد اليقظة والوحدة والثبات فالمعركة طويلة ولازال الكثير من المطالب في انتظارنا للنهوض بجهتنا. وأنهى خطابه بقطعة شعرية لمحمد الصغيّر أولاد أحمد "نحبّ البلاد كما لا يحبّ البلاد أحد صباحا مساء وقبل الصباح وبعد المساء ويوم الأحد". وتفرّق الحاضرون بهدوء وغبطة بعد تصفيق حارّ.

ابن المنجم


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني