الصفحة الأساسية > البديل الوطني > حكومة الباجي قائد السبسي أو "لعبة الحلاب"
حكومة الباجي قائد السبسي أو "لعبة الحلاب"
14 آذار (مارس) 2011

أدّت المسيرات التاريخية ليوم 25 فيفري والاعتصام الثاني بساحة القصبة والاحتجاجات في جهات أخرى من البلاد وسقوط شهداء جدد يومي 26 و27 فيفري إلى انهيار حكومة محمد الغنوشي. وعلى إثر ذلك قرر الرئيس المؤقت فؤاد المبزع، ودون استشارة أيّ كان، تعيين الباجي قائد السبسي على رأس حكومة "جديدة"هي الثالثة منذ هروب بن علي.

هذا الإنفراد بالقرار من قبل رئيس مؤقت، لا تنبع سلطته إلا من برلمان صوري ومنحل، رئيس لا يتمتع لا بالشعبية ولا بالشرعية الثورية، كان دليلا على تواصل عقلية الإقصاء وعلى تواصل المناورات وتجدّدها ضد قوى الثورة. لقد تجاهل الرئيس المؤقت المجلس الوطني لحماية الثورة ووضع مكوناته الجمعياتية والسياسية أمام الأمر الواقع. ورغم أن المجلس عبّر عن استعداده للتشاور حول صلاحياته وحول تكوين حكومة جديدة عوضا عن حكومة الغنوشي فإن الذين يقفون وراء فؤاد المبزع والباجي قائد السبسي اختاروا منهج تهميشه لصالح هيئة وطنية ثانية. ويصحّ في ذلك المثل الشعبي القائل "رضينا بالهمّ والهمّ ما رضاش بينا"!

هذا الإنفراد بالقرار لدى الرئيس المؤقت يعكس تواصل سياسة العهد البائد كما ينمّ عن خضوع قراره السياسي للبرجوازية الكبيرة وحرصه على الدفاع عن مصالحها أكثر من "حرصه" على الدفاع عن الثورة وعن مصلحة الطبقات الشعبية في تعميق صيرورتها وتجذيرها. لذلك هللت الأحزاب اللبرالية بقرار فؤاد المبزع تكوين هيئة وطنية للإصلاح السياسي واعتبرته منقذها من خطر مجلس حماية الثورة.

الوزير الأول الجديد مشهود له بالخبرة والحنكة السياسية وبتقلده مهام وزارية تتعلق بالأمن والدفاع تحت حكم بورقيبة. وله أيضا مشوار سياسي قصير تحت إمرة بن علي. ولكننا لم نعرف له لا خصالا ثورية ولا مساهمة نضالية ضد النظام الديكتاتوري لبن علي.

أما الحكومة التي أعلنا عنها "مراعاة للمصلحة العامة" فقد عرفت بعض الترقيع ولم تشهد تغييرات جذرية حيث اكتفت بـ"استقالة" ممثلي التجديد والديمقراطي التقدمي وبعض الوجوه الأقرب إلى اليمين الفرنسي منها إلى الشعب التونسي، بينما حافظت على بعض الوزراء الذين تقلدوا المناصب في عهد بن علي، مثال ذلك وزير الدفاع.

وبدا المشهد السياسي للحكومة الحالية غريب الأطوار و"كفكافي" [1]،هو أقرب إلى تشويه وجه الثورة منه إلى تمثيلها. ورغم ذلك أدّى ضغط الجماهير الثوري ونشاط ممثليه في الجمعيات والأحزاب إلى تحقيق مكاسب لا يستهان بها وهي مقدمات حقيقية لتواصل الثورة وتحقيق أهدافها على الأقل سياسيا. وأهم هذه المكاسب الإعلان عن انتخاب المجلس الـتأسيسي وآخرها حلّ التجمع بعد إيقاف العمل بالدستور والإعلان عن حلّ البوليس السياسي وما يشبه حل مجلس النواب ومجلس المستشارين الصوري وقريبا حل مجالس البلدية.

الشأن المؤكد هو أن البرجوازية الكبيرة رغم خسارتها للتجمع لم تتخلّ عن احتكار السلطة ولم تلق بأسلحتها كاملة بل لا زالت تمسك بها وتشهرها في وجه الشعب وهي تعوّل في مناوراتها السياسية على حلفائها الإمبرياليين وعلى خدمها من الأحزاب اللبرالية والانتهازية وعلى حكومة الباجي قائد السبسي حتى تعيد لها هيبتها عن طريق "هيبة الدولة". والهدف المباشر للبرجوازية الكبيرة هو إبعاد الشعب والثوريين عن مواقع القرار السياسي لذلك تسعى إلى إقصاء مجلس حماية الثورة وعدم إعطائه صلاحيات تقريرية. هذا من جهة، أمّا من جهة ثانية فهي ستسعى إلى إفراغ الثورة من كل محتوى اجتماعي وحصر نتائجها في مستوى الحريات السياسية وسيساعدها في ذلك تحالفاتها مع الكم الهائل من الأطراف اللبرالية ذات الغطاء اليميني وذات الغطاء "التقدمي".

تحليلنا للوضع يقودنا إلى اعتبار حكومة الباجي قائد السبسي هي أقرب إلى "لعبة الحلاب". أي أن البرجوازية لها مسلك مزدوج. من ناحية تستجيب حكومتها الحالية إلى المطالب السياسية الملحةّ ومن ناحية ثانية تعمل على أن تؤدي انتخابات المجلس التأسيسي إلى إفراغ الثورة من كل محتوى اجتماعي واقتصادي يستجيب لمطالب وطموحات الفئات الشعبية والمفقرة. ولتحقيق ذلك ستسعى البرجوازية الكبيرة وحلفاؤها من الدوائر الفرنسية والأمريكية إلى التحكم في العملية الانتخابية ومجرياتها قدر المستطاع. و في هذا الإطار يندرج إقصاؤها لمجلس حماية الثورة وحربها العشواء وتشويهاتها الخرقاء التي بدأت بعد ضد القوى الثورية.

سمير حمودة
12 مارس 2011

هوامش

[1نسبة للأسلوب الأدبي "لفرنز كافك" وهو كاتب تشيكي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني