الصفحة الأساسية > البديل الوطني > حول التراجع الأخير في أسلوب التقييم في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي
وجهة نظر:
حول التراجع الأخير في أسلوب التقييم في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي
9 كانون الأول (ديسمبر) 2009

ما الذي يحدث داخل وزارة التربية والتكوين في بلادنا؟!! سؤال حيّر الجميع أولياء ومربين أمّا التلاميذ الصغار فهم لايفقهون شيئا ممّا يدور من حولهم، وكيف لهم ذلك وأعمار أغلبهم لاتتجاوز 12 سنة!!!

المفروض أن تحرص وزارة التربية والتكوين ومسؤولوها على حقوق هؤلاء الأطفال في تعليم جيّد، وتلتزم بوعودها التي قطعتها على نفسها والمتمثلة في الاعتراف بفشل الكفايات فشلا ذريعا وضرورة الرجوع إلى المعدّلات والتخلّي عن الارتقاء الآلي الذي أضرّ أيّما إضرار بمستوى التلميذ التونسي حتى أصبح التعليم الابتدائي مبتذلا وصارت مدارسنا وكأنّها مراكز لمحو الأميّة!!!

لقد انحدر المستوى التعليمي لأطفالنا أيّما انحدار، وقلّ وندر أن تجد تلميذا في الابتدائي قادرا على التعبير تعبيرا سليما من حيث الزاد اللغوي ومن حيث رسم الكلمات رسما صحيحا، هذا باللغة العربية لغتنا القومية فما بالك باللغات الأجنبية!!!

لقد أصبح الجميع في تونس يقرّ بفشل السياسة التعليمية المتّبعة بما فيها سلطة الإشراف نفسها والمتمثلة في وزير التربية والتكوين، ولكنّ الأخطاء لا تعالج بالأخطاء!!!

لقد جاء الوزير الحالي على أساس البحث عن أنجع السبل لتلافي انحدار المستوى التعليمي في تونس حتى ولو أدّى ذلك إلى إقرار مراجعات هامّة والتي ستؤدّي في النهاية وبصورة حتميّة إلى التخلّي عن برنامج المقاربة بالكفايات والذي طبّق في تونس في أردإ نسخه، مع العلم أنّ عديد الدول، التي تحترم شعوبها، قد رفضته، ولكن هل كتب علينا أن يجرّب على أطفالنا برنامج الكفايات هذا أو قل برنامج "النفايات" على حدّ تعبير أحد الزملاء؟!!!

ولكي نكون موضوعيّين نقرّ أنّ لكلّ برنامج إيجابيّات وسلبيّات وبرنامج المقاربة بالكفايات هذا إيجابياته على قلتها لا يمكن تحقيقها في بلدنا تونس!!!

إنّ أفضل ما في المقاربة المشار إليها آنفا هو المتابعة المعقلنة لنتائج التلميذ بما فيها من تقييم وتعلّمات ودعم وعلاج وتفريد التعلّم (لا تقدّم نفس الوصفة لجميع التلاميذ بما أنّ ليس لهم نفس الأخطاء).

لكنّ كلّ هذه الإجراءات والتمشّيات على أهمّيتها تبقى ذات طابع نظري، لا يمكن تحقيقها في بلادنا وتصبح بالتالي بلا معنى، إذ من شروطها الأساسية توفير بنية تحتيّة متطوّرة وملائمة لتحقيق أهداف هذه المقاربة والمجال هنا لايتّسع لتبيان أنّ المدرسة التونسيّة التي تعاني من عدّة نواقص على مستوى تجهيزاتها عاجزة تمام العجز عن توفير أبسط شروط التدريس بالمقاربة المذكورة!!!

هذا جانب أمّا الجانب الآخر المهمّ فهو تحسين ظروف المعلّم الماديّة حتى يتسنّى له العمل وهو مطمئنّ على وضعه ووضع عائلته التي هو مسؤول عليها!!!

لقد ورد في تقرير المعرفة للعالم العربي الصادر في 2009 أنه لتحسين مستوى التعليم والتقليل من نسبة الأميّة البالغة 60 مليونا ضرورة الاعتناء بالمعلّم وتحسين وضعه المادّي وهذا بالطبع سينعكس على مردوده.

أين نحن من الشعارات التي رفعتها وزارة التربية والتكوين في برنامجها "مدرسة الغد: من أجل مدرسة لكلّ فيها حظّ" لقد انساقت وزارتنا وراء شعارات برّاقة ولكنّها لم تقدر على تحقيقها، وفشلت في ذلك فشلا مدوّيا!!!

لقد أرادت النجاح للجميع وكان لها ذلك ولكنّه نجاح خاو، لقد طبّقت وزارتنا سياسة الإنجاح؟!

الإنجاح = يعني أنّ التلميذ ينجح بالرّغم عنه حتى ولو كان غير قادر على كتابة اسمه!!!

ومعلومة أهداف هذا التمشّي: إدخال فرحة وهميّة على العائلات والأسر التونسية في أواخر كلّ سنة دراسية، والمزايدة بالنسب المائويّة المرتفعة للنجاح في سوق الأرقام، أمّا المستوى فليذهب إلى الجحيم!!!

ابتسم إنّه العهد السعيد فلا مجال للحزن بعد اليوم فأبناؤكم كلّهم ناجحون!!!

إنّه ليس من المبالغة في شيء القول اليوم أنّ الارتقاء الآلي أنتج لدينا تلاميذ أمّيين بأتمّ معنى الكلمة "لايقرأ ولايكتب ولا يحسب" ولكنّهم يرتقون آليّا من قسم إلى آخر!!!

أمّا نحن كأولياء، وكمربّين، وكمواطنين غيورين على مستقبل أبناء هذا الشّعب فمن حقنا أن نحاسب مسؤولي وزارة التربية والتكوين وعلى رأسهم الوزير!!!

لماذا أنجزتم السنة الفارطة ماسمّيتموه استشارة؟ أين هي؟ أين نتائجها؟ لماذا لم تنشروها في العلن؟ أين ذهبت تلك الأطنان من الأوراق وتلك الاجتماعات التي عقدت من جنوب البلاد إلى شمالها من أجل تغيير واقع التقييم في مدارسنا الابتدائيّة؟ هل مازال لوزارة التربية ذرّة من مصداقيّة أمام أيّ كان؟ هل مازال للمربّي من مصداقيّة أمام تلاميذه وأمام الأولياء؟ ألاّ تخجل وزارة التربية والتكوين من نفسها لمّا تتراجع عن برنامج أقرّته على لسان وزيرها قبل أقلّ من شهر؟!!

التراجع عن نظام التقييم بالكفايات كان يوم 29 أكتوبر 2009 والانقلاب الفجئي عن ذاك التراجع كان في أوائل امتحان الثلاثي الأوّل الذي انطلق يوم 23 نوفمبر 2009!!!

يجب أن يكون المرء غبيّا أو معتوها حتى يصدّق ما يروّج!! إنه يقال أنّ الوزير الحالي لم يستشر سيّده، هل يعقل هذا الكلام في نظام مثل النظام التونسي مبنيّ على الحكم الفرديّ المطلق؟!! هل يمكن للوزير أن ينظّم استشارة حول التقييم بدون علم "بن علي"؟!! ألم يصرّح الوزير نفسه في اجتماعاته هذه السنة عند تفسيره للإجراءات الجديدة المعلن عنها بتاريخ 29 أكتوبر 2009 أنّ كلّ شيء تمّ بمباركة "سيادته"؟!! على من يضحكون؟!!

الأكيد أنّ في الأمر سرّا لا تعلمه إلاّ الدوائر المقرّبة من القصر ومن وزارة التربية والتكوين!!! ولكنّ السنة "السّوء" لها أراء أخرى:
- هناك من يقول أنّ لدى وزارة التربية كمّيات هامّة من دفاتر التقييم القديمة لاتريد إضاعتها، ولكن لماذا تسرّع الوزير لإعلان قرار 29 أكتوبر 2009؟ هل المعلومة غائبة عنه؟!!
- هناك من يقول أنّ دفتر التقييم الجديد لا يمكن إعداده في هذه المدّة الزمنيّة الوجيزة، ومن جديد تثار مشكلة الارتجال والارتباك والتسرّع والعشوائيّة في القرارات!!
- هناك من يقول أنّه حصل خلاف حول من يحصل على الصفقة (طباعة دفاتر التقييم الجديدة) هل هم بعض المقرّبين أم المركز القومي البيداغوجي؟!!
- هناك من يقول أنه وقع خلاف بين الكتل المتصارعة والميليشيات الجديدة وأصحاب المصالح المتضاربة (هناك مجموعات تتمعّش ماليّا داخل هذه الوزارة: بيع الكاباس، تعيين المعلّمين بعد اجتياز مناظرة صوريّة، تأليف الكتب والوثائق وترويجها، تربّصات وسفريّات إلى الخارج، حسابات وأفاريات كلّ شيء بثمنه فوزارتنا هي الدجاجة التي تبيض ذهبا) وبطبيعة الحال هذه المجموعات ستدافع عن مصالحها حتى النهاية وهي غير مستعدّة للتفريط في امتيازاتها، وآخر شيء تفكّر فيه هو مستوى التعليم في تونس والذي لا يهمّها إطلاقا بل ما يعنيها هو انتفاخ جيوبها بآلاف الدنانير من المال العام من التأليف والتربّصات والسفريّات والندوات والبيوعات والشراءات كلّ هذا على حساب أبناء تونس وكادحيها، مادام الفساد مستشريا في كلّ المؤسّسات ولا من محاسب!!!
- هناك من يقول أنّ الوزير الحالي ضرب مصالح بعض المجموعات في وزارة التربية والتكوين فكادوا له لدى السلطان (وكأنّنا في قصّة كليلة ودمنة باب الأسد والثور) فوشوا به لدى الحاكم الفرد في بلادنا، واستندوا على ضرورة إنضاج الظّروف لتطبيق البرنامج الانتخابي لـ"سيادته" وقد وردت هذه الجملة في منشور المدير الجهوي للتربية والتكوين ليوم 24 نوفمبر 2009، ويستدلّون على رأيهم بكون المنشور الصادر إلى المديرين الجهويين مصدره ديوان الوزير وليس الوزير نفسه!!!

كلّ شيء جائز في هذه البلاد التي ينعدم فيها الوضوح والشفافيّة ويطغى فيها الفساد.

"يا خبر بفلوس بُكرَة ببَلاش" مثلما يقول المثل المصري!!

لكنّ الأكيد أنّ السلطة في تونس برئيسها وحكومتها ووزيرها للتربية ومستشاريها ومديريها الجهويين تستخفّ بالمواطن التونسي وبأبنائه ومعلّميهم ولا تقيم لهم أدنى وزن، والدليل على ما نقول واضح وجليّ ألا وهو الاستشارات الوهميّة المنجزة، وتبديد المال العام، والقرارات والقرارات المضادّة، وهذه ليست المرّة الأولى التي تصدر فيها قرارات عشوائيّة وفجئيّة ومتضاربة، ألم يحصل هذا في عهد الوزير السابق "القربي" عندما تراجعوا له عن الطريقة التي قرّرها لامتحان الكاتريام ثمّ وقع التخلّي عنه نهائيّا؟!!

معلّم من جهة تونس


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني