الصفحة الأساسية > البديل الوطني > سيدي بوزيد: عزلة النص عن قرائه
سيدي بوزيد: عزلة النص عن قرائه
6 كانون الثاني (يناير) 2011

فوجئت النخبة التونسية في ديسمبر 2010 بانتفاضة شعبية اندلعت شرارتها إثر إقدام الشاب محمد بوعزيزي على حرق نفسه احتجاجا على الظلم الذي لحقه من أعوان بلدية سيدي بوزيد. لقد ودّعنا هذا الشاب اليوم الأربعاء 5 جانفي 2011 بعد أن ظلّ أياما طويلة يصارع الموت جرّاء الحروق البليغة التي عانى منها جسده المنهك.

قلت في البداية إنّ هذه "النخبة التونسية" فوجئت بهذه الحركة الرافضة للقمع والظلم لأنها تتعلّق بالخبز اليومي وبالرّغيف وبالحياة الكريمة التي ظلّ ينشدها مثل غيره من آلاف البطّالين.

لقد فكّرت أوّل مرّة إثر الإعلان عن الخبر في الانترنيت والقنوات التلفزيّة الأجنبية، فكّرت في شكل هذا الاحتجاج والرّفض، لماذا لم يحاول الشباب التونسي الموت مثل محمد بوعزيزي؟ لماذا لم يتم تجريم نظام الحكم في تونس ولماذا لم تطرح هذه القضيّة في المحاكم باعتبار أن النظام التونسي هو المتسبب الأوّل في جريمة القتل هذه؟ لماذا لم يقع إحصاء عدد الموتى "الحرّاقين" منذ سنوات واعتبار موتهم منذ عشرين عاما تقريبا جريمة في حق الإنسانية لمحاسبة هذا النظام باعتباره المسؤول عن كل الموتى في البرّ والبحر؟؟

منذ عشرين عاما والشباب التونسي الذي انسدّت أمامه الأبواب جميعها ينتحر بأشكال مختلفة (دخول عالم المخدرات و"البركاجات" والسّرقة والتحيّل و"الحرقة" واحتراف المقاهي والشوارع والملاعب الرياضية...).

لا أعتبر موت بوعزيزي موتا عابرا مطلقا. فهو ليس حطبا لنار قادمة كما يقول البعض وهو ليس شرارة، فموته العلنيّ في العراء بشكل احتفالي خاصّ، هو صرخة أخيرة في واد غير ذي زرع. ولنتذكّر معا تاريخ الصرخات.

إنّ موته بذلك الشكل الخاصّ هو جزء من معركة تونسييّن من أجل الكرامة. من أجل العيش بكرامة ومن أجل الحياة. فالحقوق بمقاييسها العالمية والإنسانية كثيرة ومعروفة مثل: الحق في التعليم، والحق في الأكل واللباس، والحق في "العمل" لأن الحق في العمل هو بوابة الحقوق الأخرى في (السياسة والثقافة...).

وما جمهرة البطّالين (أولئك الذين يبحثون عن حق العمل) إلاّ دليل على خلل ما في الأجهزة والمؤسسات وفي نظام الحكم ودليل على عدم التوزيع العادل في للتنمية والثروات. إنّ موت بوعزيزي هو دلالة على إفلاس النظام الحاكم في سياسته الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى إفلاسه الأخلاقي أمام الرّأي العام التونسي والدّولي. وإن جملة الإفلاسات هي جديرة بالدّرس والنّظر والمراجعة هذا اليوم دون غيره.

إنّ المظاهرات والاحتجاجات التي عمّت البلاد التونسية في المدن والقرى والأرياف هي فورية وطبيعية وضروريّة. وعلى هذه الحركات الاحتجاجيّة أن تتواصل لأنها أنجع من الاعتصام وإضراب الجوع الفرديّين.

فالتظاهر والاحتجاج وحرق العجلات شكل حرّ ومعاصر وحداثيّ، وعلى "النخبة التونسية" أن تنخرط في هذه الأشكال لتلتحم بالجماهير، مع ضرورة الابتعاد عن الاحتجاجات الفردية ووهم البطولة.

إنّ التظاهر الجماعي المتواصل في عموم البلاد التونسية انطلاقا من سيدي بوزيد هي علامة مضيئة في تاريخ الحركات النضالية في تونس. وهي أحداث كشفت أنّ الجماهير ليست متخلّفة كما يريد البعض (الذين هم في أبراجهم العاجية) و"النخبة التونسية" ليست متخلّفة كما يردد البعض، ولكن المشكلة الحقيقية هي في عزلة "النخبة" وعزلة "الجماهير" عن بعضها بعضا. فلا أحد ينكر عمل "النخبة" منذ سنوات في دفاعها عن حريّة التعبير وحقّ تكوين الأحزاب وإصدار الصحف، وتلك النضالات المتواصلة ستعطي أكلها وتنتصر رغم أنواع القمع والتعذيب والقتل والتهميش والإقصاء والهرسلة والتعتيم والمصادرة والمنع... من الأساليب الغاشمة التي أتخذها النظام الحاكم نهجا وسبيلا.

إنّ ما حدث هو وليد حركة نضالية قادتها الأحزاب المعارضة والحركة الطلابية التي قدّمت خيرة أبنائها للسّجون والتعذيب. وعلى الحركة الطلابية أن تلتحم بالجماهير. وهذا رأيي كاتبا وإعلاميا تونسيا، مؤمنا بالنضال اليومي من أجل الكرامة والعمل والتشغيل وحرية التعبير وحق التظاهر والاحتجاج...

بقلم: فراشة الضوء

يتبع


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني