الصفحة الأساسية > البديل الوطني > سيناريو واحد لانقلابات شتى
سيناريو واحد لانقلابات شتى
3 آب (أغسطس) 2009

نشرت جريدة الصباح اليوم 1 أوت 2009 هذا الخبر الذي لم يوضع كالعادة على موقعها على الواب تجنبا للفضائح حسب ما يبدو. يقول الخبر حرفيا
"عقدت لجنة إعداد المؤتمر الاستثنائي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين أمس الجمعة 31 جويلية 2009 بالعاصمة اجتماعا خصصته للجوانب الترتيبية والمادية والاتصالية المتعلقة بالمؤتمر وسجلت اللجنة إلى حدّ اليوم ورود 27 ترشحا لعضوية المكتب التنفيذي للنقابة الذي سيلتئم انتخابه أثناء المؤتمر يوم 15 أوت 2009 تحمل كلها ختم البريد حسب اللآجال المحددة في بلاغ فتح باب الترشح. وكوّنت لجنة للتثبت في الترشحات ولجنة للدعم المالي والإعداد المادي ونظرا لعدم توفر إمكانيات مادية لدى اللجنة فقد توجهت خلال الأيام الأخيرة بطلب إلى إدارة المركب الثقافي والرياضي للشباب بالمنزه لتنظيم المؤتمر في هذه المؤسسة العمومية فوافقت على ذلك مشكورة وزارت لجنة إعداد المؤتمر المركب للوقوف على ما يلزم من استعداد ليتم المؤتمر في ظروف جيدة".

عندما يقرأ المرء "خبرا" مثل هذا يحار في أمره لكثير من الأسباب. فهل نحن أمام بلاغ صادر عن لجنة؟ في هذه الحالة من هي هذه اللجنة ومن يترأسها ويتكلم باسمها ومن أمضى البلاغ المذكور وأين عقدت اجتماعها؟ أم هل نحن أمام خبر ينقل بواسطة الأسلوب غير المباشر محتوى بلاغ صادر عن لجنة؟ ففي هذه الحالة من يتكلم في النص حين يشكر إدارة المركب الثقافي والرياضي للشباب بالمنزه؟ هل هي اللجنة خفية الاسم والهوية والعنوان؟ أم هي جريدة الصباح التي اختلط عليها الأمر فامتزج صوتها بصوت مصدر خبرها. ولسنا هنا أمام تمرين في الأسلوبية لأننا نعلم جيدا أن هذا النوع من الجرائد التي لا تحترم لا نفسها ولا قرّاءها لا يهمّها أن تتقيّد بأدنى درجات الحرفية التي يستوجبها العمل الصحفي وأساسها التمييز بين موقف الصحيفة وصوتها وموقف وصوت موضوع خبرها أو مصدره.

ذاك ما نسميه بالحياد في نقل الخبر مع ما يعنيه من تثبت من مصدر الخبر ومن المسؤولية الأخلاقية والقانونية المترتبة عن نشره. ولكن ما أتفه أسئلتنا ونحن نعلم جيدا أننا أمام صحافة مستقلة كذبا لا إرادة لها غير إرادة من يستخدمونها للدعاية لانقلاب يبدو أنه يسير حثيثا على سكة السلطة كما سارت وستسير في المستقيل انقلابات أخرى في أيّة جمعية يعنّ لها أن تخرج من فلك السلطة حتى ولو كانت جمعية رياضية.

السبب الثاني لحيرتنا هو السهولة التي تحصّل بها هؤلاء الذين ينتسبون إلى اللجنة المذكورة على مؤسسة عمومية لتنفيذ انقلابهم. عجبا: لدينا حزب سياسي معترف به قانونيا يعجز عن عقد مجلسه الوطني لعدم توفر أيّ فضاء عام أو خاص يستجيب أصحابه لطلب هذا الحزب بإيواء اجتماعهم... حزب آخر معترف به أيضا كاد يعجز عن عقد مؤتمره الأول لولا تدخل رئيس الجمهورية الذي أعطى الإذن بتمكين هذا الحزب من المركب الثقافي والرياضي للشباب بالمنزه وهو ذات المكان الذي تحصّل عليه الانقلابيون... والحجة قلة ذات اليد. ولو سألنا هنا عن تفاصيل الحصول على هذه القاعة لكنّا كمن يسأل - وهو يرفع يمناه أمام محدثه - عن عدد الأصابع التي توجد بكفه. هذا انقلاب آخر سينفذ بلا شك ولا أعتقد أن الأيادي التي تحركه ولا الدمى التي انتصبت لتوهمنا بأنها صاحبة القرار يهمهما من قريب أو بعيد أية مبادرة حسن نية أو تنازل يمكن أن تصدرا عن المكتب الشرعي لأن قرار الاستيلاء على النقابة قد اتخذ نهائيا وهو قرار لا صلة له لا باللجنة ولا بمقرراتها.

إن طرفي الصراع معلومان لدينا بدقة وهما غير متكافئين فأحدهما يملك... يحل ويعقد، بيده المصائر يتصرف فيها ويقودها كما يشاء وحيثما يشاء... والآخر ليس له غير إرادات قليلة لا حول لها ولا قوّة في بلد درجة التضامن النضالي فيه هي أقرب إلى الأماني العذاب من الحقائق القائمة على أرض الواقع.

تفاصيل الانقلاب أطواره السابقة معلومة بل أطواره القادمة معلومة بدقة: سينجز المؤتمر تحت الحراسة المشددة، لقد شاهدنا مؤتمرات مثل هذه ولا عجب، وسيكون قانونيا رغم لا قانونيته وسيستولي الانقلابيون بقوّة القانون المدلّس أيضا على المقرّ وسيطرد الشرعيون ليتحوّلوا إلى مكتب شرعي بلا مقر... بعد أن يتحول المكتب الخارج على القانون إلى مكتب لا شرعي بمقر.

كل هذا شاهدناه... قبل أن نشاهده وعلمناه قبل علمنا إيّاه. عود على بدء في حركة هي أشبه بطاحونة الشيء المعتاد... السيناريو واحد بقلم واحد وإن كانت الشخصيات شتى والإطاران المكاني والزماني مختلفين. ولا يهم بعد ذلك الفضيحة محدودة النتائج لمن تعوّدوا على الفضائح. سيرفض البعض النتائج وسيتحوّل الصراع إلى ردهات المحاكم وسيطول.. وسينعقد مؤتمر انقلابي آخر ثان وثالث وستظل القضية مؤجلة ومعها أحلام الحالمين بمجتمع يحكمه الحق ويسوده القانون.

عبدالسلام الككلي

الفضاء النقابي الديمقراطي "ضدّ التجريد"
الرابط : http://fr.groups.yahoo.com/group/contre_tajrid/


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني