الصفحة الأساسية > البديل الوطني > عائلتا الحاجي والعبيدي تعبّران عن خشيتهما من حصول مكروه
بعد منع زيارة المحامين طيلة ثلاثة أيام:
عائلتا الحاجي والعبيدي تعبّران عن خشيتهما من حصول مكروه
5 آب (أغسطس) 2008

لليوم الثالث على التوالي، توجّه يوم السبت 2 أوت عدد من المحامين إلى سجن القصرين لزيارة المناضلين عدنان الحاجي وبشير العبيدي الموقوفين منذ أواخر جوان الماضي على خلفيّة ما جدّ في منطقة الحوض المنجمي من احتجاجات شعبيّة منذ مطلع هذا العام على البطالة والفقر، دون أن يتمكنوا من ذلك رغم أنهم يحملون ترخيصا من السلطة القضائيّة.

ففي يوم الخميس 31 جويلية تذرّعت إدارة السجن بأنّ الترخيص الذي قدّمه الأساتذة شكري بلعيد وعياشي الهمامي وخالد الكريشي يحمل مرّتين طابع قاضي التحقيق ممّا يجعله "محلّ شبهة". وصورة الواقعة أنّ حاكم التحقيق أخطأ في المرّة الأولى في التاريخ، ولمّا طلب منه المحامون تصحيح الخطأ أعاد كتابة التاريخ ووضع عليه طابعه لتأكيد أنّ التاريخ غير مزوّر وهو إجراء معمول به. ولكنّ هذه الذريعة انكشفت عندما وصل الأساتذة محمّد عبّو وسعيدة القراش ومنذر الشارني وهم يحملون تراخيص عليها التاريخ الصحيح وطابع قاضي التحقيق، وقتها تعلـّلت الإدارة بأنّ الوقت الإداري قد انتهى وأنّ السجن سيغلق أبوابه ولم يعد بالإمكان زيارة المنوّبين.

وفي نفس اليوم أي الخميس 31 جويلية توجّه الأساتذة راضية النصراوي ورضا الرداوي وعلي كلثوم إلى سجن سيدي بوزيد لزيارة المناضل الطيب بن عثمان الذي أبعد هو الآخر عن عائلته القاطنة بالرديّف، ولمّا قدّموا تراخيص الزيارة ماطلتهم الإدارة وظلـّت تفاوضهم في شروط الزيارة ولمّا قبلوها رغم إجحافها ومخالفتها للقانون، أعلمتهم أنّ التوقيت الإداري انتهى وأنه لا يمكنهم بالتالي زيارة منوّبهم.

وفي يوم الجمعة 1 أوت توجّه الأساتذة راضية النصراوي ورضا الردّاوي وناجي الزواري من جديد إلى سجن سيدي بوزيد وبعد أن سلموا تراخيص الزيارة لإدارة السجن أعلمهم العون الذي "استقبلهم" بأنهم لا يمكنهم رؤية منوّبهم مع بعضهم وأنهم سيضطرّون إلى مقابلته فردا فردا، ورغم ما في ذلك من تعسّف قبلوا هذا الموقف لإدراكهم أنّ الإدارة تريد استفزازهم حتى يرفضوا الزيارة.

إلاّ أنّ العون لم يسمح لهم بالدخول وتغيّب من جديد ليعود بتعليمات جديدة وهي أنّ الإدارة قرّرت السماح لمحام واحد فقط بزيارة الطيب بن عثمان، فقبلوا الأمر وأعلموه أن هذا "المحامي" سيكون الأستاذة راضية النصراوي باعتبارها جاءت من بعيد (من العاصمة).

ولكنّ العون تركهم وانصرف ليعود إليهم بعد ذلك "بتعليمات جديدة" وهي أنّ الإدارة ترفض أن تكون الأستاذة راضية النصراوي هي المحامية التي ستزور الطيب بن عثمان وأنّ المدير قد "عيّن" الأستاذ رضا الرداوي للقيام بذلك. وقبل المحامون الثلاثة هذا الموقف على مضض ولمعرفة الحدود التي ستصلها المهزلة، فربّما سيتغيّب العون من جديد ليعود بـ "تعليمات" مفادها أنّ المدير رفض الزيارة جملة وتفصيلا. وفي نهاية الأمر تمكـّن الأستاذ الرداوي من مقابلة المنوّب الذي اشتكى من ظروف اعتقاله اللاقانونيّة واللاإنسانيّة: البعد عن العائلة، العزلة رغم أنه مع المساجين حيث تمّ منع بقيّة المساجين من الحديث معه...

وبعد ذلك توجّه المحامون الثلاثة إلى سجن القصرين، ورغم وصولهم قبل انتهاء التوقيت الإداري فإنّ الإدارة ظلت تماطلهم إلى أن أغلق السجن أبوابه لتقول لهم "إن الزيارة لم تعد ممكنة"، فما كان من الأساتذة النصراوي والرداوي والزواري إلا أن اعتصموا أمام السجن للاحتجاج على هذا المنع حتى ساعة متأخرة من الليل ثمّ عادوا إلى ڤفصة حيث قضوا ليلتهم.

وفي صبيحة السبت 2 أوت توجّهوا إلى حاكم التحقيق ليحصلوا، بعد انتظار، على ترخيص جديد [1] لزيارة الحاجي والعبيدي ويتوجّهوا من جديد إلى القصرين. وبما أنهم وصلوا هذه المرّة قبل نهاية التوقيت الإداري بوقت طويل، سقطت كلّ الذرائع على إدارة السجن التي أرجعت لهم تراخيصهم وبطاقاتهم المهنيّة ومنعتهم من الزيارة دون تقديم أيّ سبب. ولم تفلح لا تدخلات ممثل الهيئة الوطنيّة للمحامين بالقصرين الأستاذ الحنيفي فريضي ولا تدخلات الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني رئيس فرع المحامين بتونس ولا حتى تدخلات العميد البشير الصيد في ثني الإدارة عن منع المحامين من الزيارة دون أيّ سبب مشروع.

إنّ رفض إدارة سجن القصرين، ومن ورائها الإدارة العامّة للسجون والإصلاح تمكين المحامين من زيارة الحاجي والعبيدي له، علاوة على ما فيه بشكل عامّ من انتهاك لحقوق الدفاع، عدّة دلالات:

أوّلا: لقد اعتادت إدارة السجون بتنسيق مع وزارة الداخليّة، وتحديدا مع البوليس السياسي ومع وزارة العدل وبالتالي مع الجهة القضائيّة المعنيّة، منع المحامين من الزيارة في الحالات التي يكون فيها السجين قد تعرّض للتعذيب أو الإهانة أو سوء المعاملة من طرف أعوان السجن ويراد طمس آثار ذلك، أو في الحالات التي يريد فيها البوليس السياسي بتواطؤ من السلطة القضائيّة الضغط على السجين السياسي وعزله عن العالم الخارجي عزلة تامّة بهدف تدمير معنويّاته، خصوصا وأنّ الإدارة بإمكانها مراقبة زيارة العائلة مباشرة ومنعها من التحدّث بحريّة ومن إعلام السجين بما يجري في البلاد والعالم وخصوصا بحركة التضامن معه، أمّا زيارة المحامين إذ تمّت فهي سرّيّة حتى وإن حاولت الإدارة انتهاك هذه السريّة بألف طريقة وطريقة (زرع آلات تنصّت وتصوير بمكاتب زيارة المحامين، ترك الباب مفتوحا ووضع عون أمامه لاستراق السمع).

وفي قضيّة الحال فإنّ منع الزيارة جاء على إثر حادثتين اثنين: الحادثة الأولى تتمثل في أنّ السيّدة جمعة الجلابي الحاجي ذكرت أن زوجها في آخر زيارة قابلته فيها (الجمعة 25 جويلية 2008) كان في خصام مع العون الذي رافقه للزيارة والذي كان يتهمه بـ "التحريض" (تحريض من؟ وعلى من؟) وكان عدنان يردّ عليه: "أنا مظلوم ومن حقي أن أحتجّ". كما ذكرت أنه طلب منها في آخر الزيارة إبلاغ المحامين أنه يرغب في أن يزوروه لأنّ له "عدّة شكاوى يريد أن يقدّمها" دون أن يوضح لها طبيعة هذه الشكاوى. وبالإضافة إلى ذلك فإن الحالة الصحيّة لعدنان الحاجي ليست على ما يرام، فهو يعيش بكلية واحدة بعد أن تبرّع لزوجته بكليته الأخرى منذ سنوات، وهو في حاجة دائمة إلى الرعاية الصحيّة، الغائبة في سجون بن علي. أمّا بالنسبة إلى بشير العبيدي فهو يعاني من ضغط الدم. أمّا الحادثة الثانية فهي المسيرة التي نظمها المئات من أهالي الرديّف يوم الأحد 27 جويلية 2008 للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهم المعتقلين والتي اعتقل على إثرها سبعة أشخاص من بينهم الحقوقيّة زكيّة الضيفاوي، وتأتي هذه المسيرة بعد أن ذهب في ظن السلطة أنها أخمدت الحركة و"استأصلتها" بعد أن عاثت "انكشاريتها" فسادا في الرديّف والمتلوّي وأمّ العرايس والمظيلة وأوقفت أكثر من 100 شخص من بينهم قادة الحركة. وتأتي مسيرة الأحد الفارط لتفنّد هذا الاعتقاد وتؤكد أنّ الحركة لم تمت ولن تموت وأنها قابلة للتجدّد باستمرار لمواصلة النضال سواء من أجل المطالب الأصليّة التي انطلقت من أجلها الاحتجاجات أي الحق في الشغل والعيش الكريم أو من أجل المطالب الجديدة أي إطلاق سراح كافة المعتقلين دون قيد أو شرط والتحقيق في الجرائم التي ارتكبها البوليس في حقّ الأهالي من قتل وتعذيب وتنكيل ونهب والتعويض لأهالي مدينة الرديّف الشهيدة ولأهالي كافة مدن الحوض المنجمي عما لحقها من أضرار ماديّة ومعنويّة. لذلك فإنّ منع زيارة المحامين، إذا لم يكن سببه تعرّض الحاجي والعبيدي إلى سوء المعاملة ممّا يجعل السلطات تحاول طمس آثار ذلك، فإنّ السّبب قد يكون إذن منعهما من إيصال بعض الرسائل لشفويّة لمحامييهم سواء تعلقت بظروف اعتقالهم أو بقضيتهم ومن الاطلاع على ما يجري في تونس وخارجها من حركة تضامنيّة معهما ومع رفاقهم الموقوفين ومع كافة أهالي الحوض المنجمي وهي حركة متصاعدة. ومن شأن ذلك أن يرفع معنويات المعتقلين ويزيدهم إصرارا على الصمود والمقاومة وهو ما لا تريده السلطة التي ظلت تردّد على مسامعهم منذ إيقافهم "أن الحركة انتهت" وأنّ "الأهالي نسوهم وقبروهم"، إلخ.

ثانيا: إنّ منع المحامين من الزيارة بمثل هذه الطريقة الفجة يبيّن حالة القضاء في تونس. ففي البلدان الديمقراطيّة التي تحترم إلى هذه الدرجة أو تلك مبدأ الفصل بين السلطات، يحتلّ القضاء مكانة محترمة ولا يمكن أن يرفض للقضاء قرار، فالجميع مطالب بالإذعان له، بالنظر إلى علويّة القانون وسريانه على الجميع مهما كان مركزهم الاجتماعي والسياسي. ولكن في الأنظمة الدكتاتوريّة والاستبداديّة مثل نظام بن علي، فإنّ القضاء لا يمثل سلطة حقيقيّة، لها نفوذ فعلي، بل هو مجرّد تابع للسلطة التنفيذيّة أو بالأحرى مساعد (auxiliaire) لبوليسها السياسي يضفي على أعماله وقراراته الجائرة صبغة قضائيّة لإكسابها شرعيّة زائفة، وحتى يقال "إنّ القضاء المستقلّ قال كلمته". لذلك يحصل ما حصل في القصرين، فقاضي التحقيق بڤفصة الذي يعتبر الحاجي والعبيدي والطيب بن عثمان على ذمّته وعلى ذمّة السلطة القضائيّة عامّة يسلـّم ترخيصا للمحامين لزياراتهم ولكنّ إدارة السجن ترفض تنفيذ هذا الترخيص دون أن يحرّك هو، أي قاضي التحقيق، ساكنا بل دون أن تكون له القدرة على فرض سلطته وإلزام أعوان السجن بتنفيذ قراراته. وهذا يعني أنه تابع لهم أو أنه في أفضل الحالات متواطئ معهم، وفي كلتا الحالتين فهو لا يتمتع باستقلاليته وهو في خدمة جهاز البوليس. وكلّ هذا يبيّن حقيقة دولة القانون والمؤسّسات في بلادنا.

تونس في 5 أوت 2008

هوامش

[1الترخيص في بلادنا لا يصلح إلا ليوم واحد بينما يحصل المحامون في العديد من البلدان العالم على ترخيص دائم


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني