الصفحة الأساسية > البديل الوطني > عمال البلدية في صدارة الحركة الاحتجاجية
في الحوض المنجمي:
عمال البلدية في صدارة الحركة الاحتجاجية
27 نيسان (أبريل) 2008

عرفت مدينة قفصة ومعتمدياتها طيلة السنوات الثلاث الماضية حركة احتجاجية متصاعدة لعمّال البلدية للمطالبة بالترسيم والتغطية الاجتماعية وتحسين الوضعيات الاجتماعية المتردّية. ولقد لفتت احتجاجاتهم أنظار الرأي العامّ خاصّة وأنّ هذه الجهة قد غرقت في أكثر من مرّة في مزابلها نتيجة الإضرابات الطويلة عن العمل، إلاّ أنّ المفاوضات مع سلط الإشراف كثيرا ما تنتهي بوعود قطعيّة لا يتحقّق منها شيء، خاصّة وأن مساندة النقابيين ونشطاء المجتمع المدني لهؤلاء العمّال كانت ضعيفة ودون المأمول، وقد تواصلت احتجاجات عمّال البلدية في انتفاضة الحوض المنجمي وأخذت أشكالا أقوى (مسيرات) وأملها أن تلقى اهتماما تضامنيا أكبر وتفاعلا سلطويا أفضل، وقد أبلى عمّال بلدية أم العرائس بلاء حسنا في الدفاع عن مطالبهم حتّى أنّ خيمتهم التي انتصبت أمام المستودع البلدي طيلة أكثر من 45 يوما في فيفري ومارس الماضيين كانت إحدى العلامات البارزة لتحرّكات الحوض المنجمي، وبعد مفاوضات فاشلة عادوا في الفترة الأخيرة إلى الاحتجاج مجدّدا أمام مركز شرطة المعتمديّة وأمام مقرّ البلدية، وبدأت تحرّكاتهم تأخذ منذ 22 أفريل الجاري جرأة أكبر وتصميما أشدّ، وكان أن اعتصم 147 منهم صحبة عائلاتهم وأطفالهم صباح الخميس 24 أفريل2008 أمام مركز شرطة المعتمديّة للاحتجاج على تواصل أوضاعهم التشغيلية الصعبة إلاّ أنّه ومع الساعة الحادية عشر وقع طردهم من المكان بكلّ عنف ممّا أثار غضب عموم المواطنين بالمدينة وجعل المئات من الرجال والنساء والأطفال يخرجون في مسيرة للغرض مع الساعة السادسة مساء ودامت لأكثر من ساعتين توجّه إثرها عمّال البلديّة للاعتصام بالمستودع البلدي، وقد تكرّر يوم 25 أفريل مشهد المسيرة نفسه وإن بدأ صباحا وانتهى مع منتصف النهار تحوّل إثرها العمّال إلى مقرّ البلدية حيث واصلوا الاعتصام بها وسط إصرار على المواصلة حتّى تحقيق كلّ مطالبهم المشروعة والبسيطة.

أمّا في الرديف فقد دخل 104 من عمّال البلدية منذ الاثنين 21 أفريل 2008 في إضراب عن العمل واعتصام بالمستودع حتّى تلاحظ الشعارات قد رسمت عليه وأبرزها: "الترسيم لتوفير العيش الكريم" و"الخبز كرامة" كما تلمس إصرارا لوجوه متعبة متحفّزة تتعالى أصواتها بكلّ عفوية "سنواصل الاعتصام هنا حتّى تُوجد لنا حلول، عندنا حقوق ويجب أن نتحصّل عليها، لن نخرج من هنا ففي بيوتنا جوعى وهنا كذلك، وفي بيوتنا عراة وهنا كذلك..." كما يتعالى صوت أكثر هدوءا وحكمة "لا يجب أن تخامرنا فكرة أن اعتصاما ليوم سيسوّي مشاكلنا، علنا أن نحتاط كثيرا لهذا الأمر... تعبنا من الفقر والخصاصة والاحتياج كفى، كفى وعودا زائفة... إذا لم تتحقّق مطالبنا سنأتي بأطفالنا وعائلاتنا وسنضرب عن الطعام" وكلّما طال بك الجلوس معهم صار بإمكانك أن تسمع أصوات مجموعات صغيرة من الشباب المارّة في الشارع نفسه ترفع شعارات يتكرّر منها " بالروح بالدمّ نفديك يا شعب".

كلّ الذين تحدّثنا معهم استاءوا لتكرار وعود المعتمدين ورؤساء البلدية ولعبهم المتواصل على نشر التفرقة بينهم عبر التلويح بتسوية ملفات 20 منهم في حين أنّ مطالبهم واحدة وعملهم واحد وأتعابهم هي نفسها ولا يتطلّب تسوية وضعياتهم جميعا ميزانية كبيرة.

أحد المعتصمين وهو عبد السلام بن علي بن عوني عامل حظيرة منذ 1995 يؤكّد أنّه يعاني أوضاعا معيشية قاسية خاصة وأنّه يعُول معاقين يعانيان تخثرا في الدم، ويصرف عليهما الكثير إلاّ أنّ دعواته للسلط المسؤولة لإعانته اجتماعيا لم تجد صدى ويرى أنّ أقصى ما يطالب به ترسيما قد يقيه البطالة المرّة.

معتصم آخر يشتغل بـ100 دينار منذ 1998 أكّد على أوضاعه المعيشية المتردّية حتّى أنّ الكهرباء مقطوع عنه منذ شهر رمضان الماضي نتيجة عدم مقدرته على دفع معاليمه إضافة إلى حالة ابنه الصحيّة المتردّية جدّا والتي تتطلّب تدخّلا جراحيّا عاجلا بالمتلوي وإنّه حين راسل الوزير الأول للتدخل لفائدته أجابته وزارة الصحّة عن طريق مدير المستشفى المحلّي بالرديف الذي حين قصده لم يفعل غير أن حرمه من بطاقة العلاج المجاني؟؟؟

السيّد نبيل أحمد عكازي، عامل ببلدية الرديف منذ 15 سنة ومحروم من الترسيم لغاية اللحظة، أشار إلى أنّه حين تحادث في الأمر مع رئيس البلدية هدّده باشتكائه لوكيل الجمهورية، وأنّ معتمد الرديف حين زارهم أخيرا بالمستودع البلدي هدّدهم بالاستغناء عليهم وتعويضهم بغيرهم متّهما إياهم بالفوضى والعصيان.

السيّد ناجي بوساحة العبيدي تحدّث باسم المعتصمين مؤكدا أنّ جراية الـ104 عاملا لا تتجاوز الـ92 دينارا متسائلا عن قيمة هذا المبلغ في ظلّ ارتفاع الأسعار، فهل يمكن أن يلبّي النزر القليل من حاجيات الخبز والماء والكهرباء والصحّة لعائلات يتراوح أنفارها بين الـ6 والـ8؟

وفي تعرّضه لطبيعة المطالب أكّد ناجي بوساحة أنّهم لا يطالبون بمضاعفة الأجر ولا بهبات كبيرة لكنّهم يرغبون بترسيم كلّ من له الحقّ في ذلك مع توفير الضمانات الاجتماعية الضرورية التي تكفلها القوانين التونسية، كما يطالبون بتحسين وضعيات الذين تجاوزوا عمر الترسيم، كما يُحمّل مسؤولية أوضاعهم المالية لسلط الإشراف وخاصّة المسؤولين المحلّيين: معتمد ورئيس بلدية الرديف الذي يرى أنّهما يستهينان بمشاكلهم وهمومهم واحتياجاتهم ويعكسان سوء تعاطي السلط مع مطالبهم المشروعة.

ويؤكد السيّد ناجي العبيدي أنّ الحركة الاجتماعية التي عرفتها الجهة أخيرا، قد أكسبتهم وعيا جديدا ودراية أفضل بحقوقهم ومطالبهم، شاكرا رموز الحركة الاحتجاجية هذه على كلّ ما ألهموهم إيّاه.

كما تجدر الإشارة إلى أنّ المعتصمين قد تحدّثوا عن زيارة لهم من قبل 3 أعوان من المجلس البلدي صباح السبت 26 أفريل دون تقديم إجابات جوهريّة عدى تحسين جزئيّ لبعض الوضعيات، وقد أكّدوا أنّهم حين رفضوا تلك التسوية المُهينة تهجّم أحد الأعوان على أحد المعتصمين وقام بضربه، ممّا جعلهم يتقدّمون بشكاية في الصّدد.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني