الصفحة الأساسية > البديل الوطني > عندما يسحق النظام شعبه
عندما يسحق النظام شعبه
26 كانون الأول (ديسمبر) 2010

للشهداء مجد ومكانة
وللقتلة خزي وفضيحة

لم يجد "نظام بن علي" وسيلة لاحتواء الاحتجاجات العارمة التي هزّت منطقة سيدي بوزيد دفاعا عن حق الشغل والتقسيم العادل للثروة سوى المرور بسرعة قياسيّة إلى خيار القوّة الغاشمة بما فيها استعمال الذخيرة الحيّة ضدّ أهالي منزل بوزيّان وأردفها بحملة تنكيل واسعة ضدّ الجميع بما فيها نهب المتاجر والعبث بممتلكات الناس وبطبيعة الحال توسيع دائرة الاعتقالات بصفة عشوائيّة في البلدة الأخيرة وجارتها المكناسي.

فالمشهد العام ليلة 25 ديسمبر كان مُروّعا وهو ما دفع أحد شهود العيان المُتدخّلين على فضائيّة الجزيرة إلى القول واصفا ما يراه "يا أخي إنّها غزّة.. إنّها العراق المحتلّ.." وكما هو واضح فإنّ الجريمة المُقترفة لا يمكن بالمرّة أن تكون اجتهادا من أعوان الحرس ولا حتّى من والي الجهة وإنّما هي ثمرة إعداد في مستويات عليا إذ لا أحد بإمكانه تحت أيّ طائل، مهما كان كبيرا، اتخاذ مثل هذا القرار الخطير دون أمر من جهات عليا مركزيّة.

وما هو واضح أيضا أنّ كلّ حيثيّات هذه الجريمة تتنزّل في إطار سياسي يرتبط بالطابع الفاشستي الطغمة الحاكمة التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشكّ رفضها القطعيّ قبولها لأيّ احتجاجات اجتماعيّة مهما كانت المطالب المرفوعة تماما مثل سعيها من خلال تضييق الخناق بقوّة البوليس وترسانة القوانين الزجريّة في وجه الحراك المدني حقوقيّا كان أم سياسيا وحتّى نقابيّا.

وما الاختلاف في درجة العنف والبطش بين السياسيين إلاّ مسألة وقتيّة مُرتبطة بمدى الخطورة الذي تستشعره السلطة التي تراه في الحركة الاجتماعيّة وتحديدا عمقها الشعبيّ.

ومن المؤكّد أنّ نظام الحكم لن يتوانى في اللجوء لأدوات القمع الثقيلة ضدّ المعارضة السياسيّة حال اكتسابها بعدا شعبيّا جماهيريا، بل يمكن الجزم منذ الآن أنّ ثقل القبضة الاستبداديّة سيكون أكثر شراسة ممّا شاهدنا بالرديّف 2008 ومنزل بوزيّان قبل يومين.

والحقيقة أن إقدام النظام الدستوري على إعادة معالجته الفاسدة بل الدمويّة ضدّ مظاهرات سلميّة تطال حقوقا دنيا وبسيطة تمسّ التشغيل والتفاوت الجهوي يطرح أكثر من أيّ وقت مضى على المعارضة الديمقراطيّة والمُستقلّة الإسراع ببلورة حدّها الأدنى السياسي وإطارها التنظيمي المُوحّد والمرور بصفة فوريّة نحو الجماهير العريضة ولا نظنّ عاقلا وحيدا بإمكانه مواصلة الرهان على الحوار مع هذه السلطة ولا انتظار استعدادها للإصلاح والتغيير في أساليب حكمها.

وعلى أيّ حال فالتاريخ والمعطيات الواقعيّة تؤكّد أنّ الإصلاحات والثورة في ظل الأنظمة الديكتاتوريّة مثلما هو حال نظام بن عليّ لا يقبل بهما إلاّ في ظلّ موازين قوى طبقيّة مُغايرة لما هو قائم.

ومن نافلة القول أنّ تغيير هذه الموازين بما يفرض حتّى الحوار والإصلاحات يقتضي النضال الذي قد تكون تكلفته ثقيلة في ظلّ حكم طغمة لم تعُد تخجل من اغتصاب الحكم بالدوس على الدستور الذي وضعته بنفسها ولا تستحي من مواصلة نهب مُقدّرات البلاد بالاعتماد على قوّة الحديد والنار.

عمّار عمروسيّة


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني