الصفحة الأساسية > البديل النقابي > في ذكرى 26 جانفي 1978
زرمدين:
في ذكرى 26 جانفي 1978
5 شباط (فبراير) 2007

أحيت بعض الإتحادات الجهوية للشغل (بنعروس، القيروان، صفاقس، سوسة، ...) ذكرى 26 جانفي 1978، وكان الإتحاد المحلي بزرمدين قد أحيى بدوره هذه المناسبة بإشراف الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل عبيد البريكي والكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بالمنستير. وقد حضر عدد مكثف من نقابيي الجهة يوم الجمعة 26 جانفي 2007 وكانت مناسبة للتذكير بأحداث قصر هلال 1977 التي نزل فيها الجيش لأول مرة للشوارع لقمع انتفاضة الأهالي وعمال معمل النسيج سيتاكس نتيجة سعي الإدارة لحرمان العمال من التمتع بفواضل القماش الذي يشغل عديد الحرفيين وتعمدها حرق ألاف الأمتار.

وقد سايرت قيادة الاتحاد آنذاك الظرف وسمحت بالتحركات والإضرابات العمالية في مواجهة السلطة التي تتّبع سياسة اقتصادية ليبرالية ومحاولة فرض "العقد الاجتماعي" التي رفضه المؤتمر 14 للاتحاد سنة 1977.

كما ركز الأمين العام المساعد علي أهمية شهر جانفي في تاريخ التحركات الاجتماعية إذ هو يأتي مباشرة بعد إعداد الميزانية العامة ودخول السياسة الجبائية طور التنفيذ وانعكاساتها علي معيشة الشعب. أما رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمنستير السيد سالم الحداد فقد أتى على ما عاشته الجهة وخاصة بلدة زرمدين من أحداث قدّمت خلالها الضحايا خاصة في معمل الأجر وحصارها من طرف البوليس والإيقافات والمحاكمات التي وصلت إلى أكثر من 100 سنة سجن في مجموعها. وذكّر الكاتب العام للاتحاد الجهوي بدوره بهجوم مليشيات الحزب الحاكم على مقرات الاتحاد. ثم فتح النقاش فكانت التدخلات ثرية ومفيدة وربطت مع الذاكرة النقابية الجماعية التي استحضرت الأحداث الأليمة بقصر هلال وزرمدين. ومن جملة التدخلات استرعى تدخل النقابي خليفة مبارك أحد مؤسسي لجنة الدفاع عن ضحايا 26 جانفي اهتمام الحاضرين. إذ علاوة على توصيف وسرد الأحداث في تلك الفترة عرّج على السلبيات والإنحرافات لحقبة التسعينات السوداء ممّا أدّى إلى تأسيس الكنفدرالية الديمقراطية للشغل لاحقا وهو ما أحدث توتّرا وتجاذبات مشحونة مع عضو المكتب المشرف على الاجتماع السيد عبيد البريكي. ومن جهة أخرى شدّ اهتمام الحاضرين تدخل الكاتب العام للفرع الجهوي للصحة السيد منذر الخلفاوي الذي تميّز بعمق التحليل والمقارنة بين تلك الفترة التي شهدت درجة عالية من النضالية والتضحية النقابية لدى الهياكل والقواعد تناغمت مع قدر كبير من المسؤولية لدى القيادة التي واكبت الإضرابات القطاعية وسايرت الإضراب العام الشهير ودافعت عن الاستقلالية النقابية بجرأة مفقودة في ظرفنا الراهن كما ركز التدخل على حق الاتحاد في المطالبة بفتح تحقيق حول أحداث 26 جانفي لتحديد المسؤوليات وعدم الإفلات من العقاب إذ أنّ كل النقابيين باتوا يعرفون جيدا من كان مدير الأمن في تلك الفترة ومن نظم الهجوم على دور الاتحاد ومن نفّذ الأوامر بارتكاب المجزرة. هذه النبرة النضالية وهذه الجراة النقابية لاقت تجاوبا في أوساط الحاضرين، لكن البوليس السياسي كان الحاضر الغائب وبلغ إلى مسامعه هذا المحتوى والتجاوب الذي لا يروق له ولأسياده فقام في نفس الليلة بمداهمة منزل الخلفاوي في جنح الظلام وتجاسر على خلع عيادة زوجته وإلحاق الضرر بها وعمد إلى توسيع دائرة الإرهاب لتشمل عائلته بمسقط رأسه بالكاف.

إن الرسالة المضمونة الوصول واضحة تماما غايتها الإرهاب وفرض التراجع على المواقف والتدخلات الجريئة والشجاعة. وإذا كانت الاحتفالات بذكرى 26 ستفتح الباب مستقبلا أمام ملف الإفلات من العقاب وتحديد المسؤوليات، وهو ما وقع ذكره في سوسة أيضا، فإن إجراءات منع هذه الاجتماعات والضغط على حضورها وتحجيم التدخلات والنقاش والتقييم، أو عدم إحيائها أصلا، قد يكون الخطوة المرتقبة في السنة القادمة لسلطة استبدادية تراقب أنفاس النقابيين عبر بيروقراطية نقابية هجينة ومترددة لا تجرؤ حتى على الدفاع على تاريخها ورموزها.

أما جرأة النقابيين واستعدادهم للدفاع عن منظمتهم ديمقراطية مستقلة ومناضلة والذود عن تاريخهم المجيد والوفاء لشهدائهم البررة فهو آخذ اليوم في الاتساع والانتشار، وقد نشهد صحوة نقابية جديدة ولو متعثرة في البداية، وما على النقابيين عموما والديمقراطيين منهم بالخصوص إلا المضي قدما في هذا السبيل ويكرسوا فعلا شعارهم المجيد في مثل هذه المناسبة: "شهداء 26 أحنا ليكم مخلصين".


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني