الصفحة الأساسية > البديل الوطني > قرقنة: وحدتكم هي السبيل لتحقيق مطالبكم
وجهة نظر:
قرقنة: وحدتكم هي السبيل لتحقيق مطالبكم
25 أيار (مايو) 2010

كثيرة هي الصور والريبورتاجات التي نشاهدها في التلفزة التونسيّة تتغنّى بجمال قرقنة وروعتها، وكثير هو الحبر الذي يسيل على ورقات الصحف الصفراء متحدّثا عن خيرات بحارها وبساطة أهلها وعن الانجازات تلو الانجازات التي تكرّم بها سيادته على متساكنيها، كم هي جميلة هذه الصور وكم جميل أن تعيش في جزر قرقنة فتتمتع ببحرها وتنعم بدفئها وهدوئها وتتناول أسماكها... ولكن قرقنة التي يتحدّثون عنها ليست قرقنة التي نعرفها، فقرقنتهم ليست في كوكب الأرض ولا في بلد اسمها تونس هذا أكيد، لأن قرقنة التي أعرفها هي تلك الجزيرة المهملة في وسط البحر، إذا اشتدّت ريح أو هطلت أمطار توقفت حركة البواخر وأمست معزولة عن العالم الخارجي قتلوا فيها روح الإبداع، فترى دار الثقافة مقفلة الأبواب ودار الشباب نزلا لمصيف طلبة الحزب الحاكم..

إن المحرّك الأهمّ إن لم نقل الوحيد للاقتصاد في جزيرة قرقنة هو الصيد البحري، فإذا جاد البحر بخيراته نعم البحّار والخضّار والعطّار والنادل... وإذا غضب وامتنع طال غضبه الجميع، ولهذا وجب النظر في أسباب غضب البحر وحرمانه لآلاف العائلات التي تقتات من خيراته، وهنا يتراءى لي سببان رئيسيّان أوّلهما التلوّث وثانيهما الصيد بالكيس أو الكركارة.

فأمّا عن السبب الأول فإنّ نظام بن علي متفان في "حماية" البحر من خطر التلوّث فهو لا يتوانى في التفريط في مساحات بحريّة عدّة لفائدة شركات البترول الأجنبيّة لتنهب ثروات بلادنا مقابل رشاوى تقدّم في شكل صفقات للمافيا التي تحكم هذه البلاد، وفي المقابل يتناسى هذا النظام كمّ الأضرار التي ستلحق بمصدر رزق آلاف العائلات الذين كلّما تحرّكوا واحتجّوا إلا وقابلتهم السّلط الجهويّة بالمماطلة والتسويف فإن هم تمسّكوا بحقوقهم وواصلوا تحرّكاتهم نالوا ولو البعض من مطالبهم، وإن هم تراجعوا وبهتت حركتهم إلا وزادت السلطة تعنّتا وعنجهيّة؛ ولنا هنا مثال أهالي المنطقة الشرقيّة بقرقنة الذين ومنذ انتصاب الشركة عبّروا عن رفضهم وشلّوا نشاطها في تحرّكات يوميّة في وسط البحر دامت حوالي الشهر وشكّلوا لجنة تفاوض من بينهم تتفاوض مع المسؤولين، سواء السّلط المحليّة والجهويّة أو مسؤولي شركة البترول، إلى أن تمكّنوا من فرض تعويضات صرفتها الشركة للمحتجّين ولم يتمتّع بها من غاب عن الرّكب، كما جدّ في شهر ماي حادث تسرّب للنفط أضرّ بمساحة هامّة من البحر في منطقة ملّيتة فقام الأهالي بالاعتصام في الشارع إلى أن حصدوا اتّفاقا مع الشركة والمعتمد على تعويضات تصرف بحلول 20 ماي إلا أن السلطة وكعادتها تماطل من جديد لترى مدى استعداد الأهالي للدفاع عن حقّهم فكان الردّ واضحا يوم 22 ماي بغلق مدخل الجزيرة بحرا بواسطة قوارب الصيد من قبل البحارة واعتصام الأهالي في الطريق بمنطقة ملّيتة..

وأمّا السبب الثاني والمتمثّل في الصيد بالكركارة فإن الكيّاسة المحليّين منهم والقادمين من خارج الجزيرة يخالفون القانون ويصطادون في مياه لا يتجاوز ارتفاعها المترين والثلاثة أمتار بل ويصلون إلى ممارسة هذه الطريقة من الصيد بجانب الشواطئ "المراقبة" من الحرس البحري الذي لا يحرّك ساكنا للقيام بواجبه الطبيعي والتصدّي لهاته التجاوزات، وما التحرّكات التي شهدتها قرقنة منذ شهر نوفمبر الفارط إلا دليل على مدى وعي البحّارة بخطورة الكيس على مورد رزقهم الوحيد وعواقبه الوخيمة على الثروة السمكيّة وبتواطؤ السلطة التي كانت في كلّ اعتصام احتجاجيّ تجنّد بوليسها وزبانيتها لترهيب المواطنين عوض الإصغاء إلى همومهم ومشاغلهم ولا تنكفؤ تلقي بالوعود الزائفة لامتصاص غضب المحتجّين إلى أن حصلت الكارثة حين خرج البحّارة للتصدّي للكيّاسة في وسط البحر فنشبت بينهم معركة بالعصي والحجارة خلّفت عديد الإصابات والأضرار لمراكب الصيد وكادت تؤدّي إلى قتل البعض... هذا هو النتيجة الطبيعيّة لإذعان السلطة في نهجها وعدم التفاتها لهموم الآلاف من العائلات المهدّدين في لقمة عيشهم.

صحيح أن البحارة المتضرّرين أمسوا يدركون أن النضال والاحتجاج الميداني هما السبيل الذي به يفرضون على هذا النظام التراجع عن خياراته اللاشعبيّة إلا أنهم لازالوا لا يدركون بعد السبب الذي يدفع نظام بن علي إلى "الغفلة" عن الكيّاسة، فعلاوة على الرشاوى التي يتقاضاها أعوان الحرس البحري من قبل الكيّاسة، فانّه تجدر الإشارة إلى أن هؤلاء البحارة (الكياسة) مثلهم مثل السواد الأعظم من الشعب التونسي يعانون الفقر والتهميش والبطالة والسلطة لا تقدّم لهم الحلول الكفيلة بانتشالهم من هاته الأوضاع وفي المقابل تراها تقدّم التسهيلات والقروض والإعفاءات الجبائيّة لأصحاب البلانصيات وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة لمزيد تكديس الثروات، والأكيد أن البحار الذي لا يقوى على التحضير لمواسم الصيد المختلفة نظرا لغلاء العدّة سيرى، على غرار المهديّة وغيرها، الطرابلسيّة ينشئون أحواض تربية السمك بدعم مطلق من السلطة التي تبخل عن تمكينهم من الفتات.. وخلاصة القول إن هذا النظام يحاول إظهار هذه الوضعيّة على أنها مشكل في قطاع الصيد البحري، طرفاه البحارة "العاملون في إطار القانون" و"الخارجون عنه"، فإذا هو منع اليوم الصيد بالكيس سيظهر جليّا المشكل الرئيسي الذي أصبح يهدّد عرشه ألا وهو البطالة والفقر والتهميش وإهمال الجزيرة والخيارات اللاشعبيّة التي ينتهجها، وبالتالي سيتحوّل الاحتجاج المطلبي ليمسّ فعليّا المطلب الرئيسي الذي يتجنّبه نظام بن علي وزبانيته ألا وهو الحقّ في الشغل والعيش الكريم وهو ما يدفع البحّارة إلى ضرورة التوحّد وعدم ترك المجال للتفرقة بينهم من أجل رفع سقف المطالب فالمشكل الحقيقيّ ليس بين بحّارة "الجهة الشرقيّة والجهة الغربيّة" ولا هو بين "بحّارة الغزل وبحّارة الكيس" بل هو حقيقة بين عموم البحّارة والسلطة وهو بين عموم الأهالي والشباب في مواجهة بؤر الفساد التي تتربّع على عرش قرقنة من معتمد طالت نيابته وعمد ورؤساء الشعب الدستوريّة وأعضاء المجلس البلدي الذين يرتشون ويتجاوزون كل القوانين ويكدّسون الثروات بطرق غير شرعيّة دون حسيب أو رقيب.

إن هذا النظام أفلس تماما ولم يعد بإمكانه الحوار إلا بواسطة بوليسه وعصاه، ولذا على البحارة أن يتحلّوا بمزيد من الجرأة ومزيد من النضال، فبالنضال والنضال وحده يمكنهم أن يفتكّوا حقوقهم ويحسّنوا وضعيّة عيشهم وليثبت أهالي قرقنة أنهم حقّا أبناء فرحات حشاد وبن جنّات وأنهم بسطاء برحابة صدرهم ولكن ليسوا بسذّج ليتمادى أمثال المعتمد في تكديس الأموال على حساب قوتهم..

الإمضاء: على درب حشّاد


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني