الصفحة الأساسية > بديل المرأة > لافتة خارجة عن الصف
على هامش المظاهرة الباريسية من أجل حقوق النساء:
لافتة خارجة عن الصف
19 تشرين الأول (أكتوبر) 2009

تسير اللافتة وسط الشارع غير مبالية بأنّ رافعيها يُعدّون على أصابع اليد، وغيرها من بني قشرتها ترفعها العشرات.

الأمر ليس بغريب، لأنّ المئات منهنّ أي المتظاهرات الفرنسيات وغيرهن من الملل، لا زلن يناضلن من أجل المساواة في كل المجالات، أما لافتتنا فكأنها تنتمي إلى مجتمع آخر تحققت فيه المساواة التامة والفعلية بين المرأة والرجل وأصبحت النساء فيه قوّامات في المنازل والشوارع والمصانع وفي الدولة.

فالمهاجرات والمهاجرون من بلد لافتتنا، كأنهم منشغلون في مثل يوم السبت هذا بمهمات إنسانية أخري تتجاوز مهاترات هذه الشعوب التي لا تزال تؤمن بالتظاهر تحت قطرات المطر البارد والضجيج الغنائي الشعبي من مخلّفات ماضي لدينا وحاضر لديهم.

اللافتة تسير وسط الشارع غير مبالية.

ليس من الضروري حضور جمعياتنا وشخصياتنا للسير باللافتة، مادامت تصرّ على الخروج عن الصف، ثم أن جمعياتنا بما فيها النسائية كأنها سوف تتوحد قريبا تحت اسم "الكونية" متجاوزة اسما وفعلا شعار هذه المظاهرة النسوية، حتى أن مشاغلها بعيدة كل البعد عن اللافتة، فهي تفكر في إنقاذ شجرة في الصحراء وفيل في الزايير وبطة في منتزه النحلي الدولي وهي تعد للاحتفال بنهاية ذبح الحيوانات.

النساء عندنا كأنهن يستغربن مما تعانيه النساء المتظاهرات اليوم، من تمييز في الشغل وتحرش جنسي في الشارع وفي أماكن العمل والمساومة بشرفهن والبعض منهن يحرمن من الدراسة والعلاج والنقل واختيار شريك الحياة، حرمانهن من الشأن العام. يستغربن من شغلهن في المصانع وفي المنازل والتنظيف وغرف النزل وفي المقاهي والمكاتب وفي تربية الأطفال والملاهي الليلية وفي البغاء.

أما مؤسسات دولتنا بالخارج، فليس من مشاغلها تمرير دعوة صادرة عن 80 منظمة نسوية تطالب بحقوق النساء، لأنها منشغلة بالعمل الدبلوماسي، ولأن المشاركة في مثل هذه المسيرة قد يفهم منه البعض أننا لا زلنا في هذه المرحلة من التخلف والحال أن الدولة تقدم لنسائنا منحة شهرية تعويضا لهن عما لحق بجدات جداتنا من عدم مساواة طفيفة، وعلبة ماكياج فاخرة بمناسبة اليوم الوطني لذكري القضاء على عدم المساواة منذ قرن ونصف.

اللافتة تسير مشدودة من طرفيها بيد امرأة ورجل وهي بيضاء وطويلة كتب عليها باللون الأحمر"تونس: عاش نضال نساء الحوض المنجمي بقفصة".

لكنها شدّت انتباه العشرات منهم ومنهنّ فكانت محضوضة في التقاط صورها من هنا ومن هناك، وكانت نظرات عدة تتقاطع مع أعيننا وبسمات منبعثة ربما مؤازرة للافتة دون اللافتات تسير بدون جماهير.

من الحين إلى الحين يقترب منى أو من مرافقتي هو أو هي لطرح سؤال من هنّ نساء الحوض المنجمي؟

كنت أجيب بسرعة "هنّ نساء تونسيات يزلزلن الأرض، يردن إقامة جمهورية النساء والرجال".

كنت أحسّ الفرحة تنتابهم، وهم من شعوب أخرى، فقلت ربما طمعا في أن تحررهم جمهوريتنا القادمة من معاناتهم.

أما السؤال الذي ظل فاقدا لجوابي، هل لديكم عنوان هناك؟

كان خاطري يقول أعطيهم عنوان جمعية "بسمة" ولكن علمت أن رئيستها منشغلة جدا طوال العام بالتلفزة وقص الأظافر ورعاية القصور وتفقد زهور المقابر.

قلت إذا أعطيهم عنوان "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" على الأقل تباهيا منّى بعنوان المعاصرة أمام الجميلات، لكنّى علمت أن عنوانهن الأدبي متغير باستمرار، وعنوانهن الإداري غير مسجل لدى وزارة الداخلية، أما عنوانهن الالكتروني فهو معقد بعض الشيء، لأنه يوجد على الفايس بوك تحت اسم أصدقاء الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وأنا لا أريد المرور عبر الواسطة بل بالموقع الأصلي لهنّ.

ماذا تبقى لي وأنا المطالب بعنوان يحيل إلى مؤسسة نسائية أو امرأة مطلعة على حال رقي وتطور ومكاسب المرأة لدينا، فحتى من أعرفهن هواتفهن مقطوعة من قبل الدولة خوفا على صحتهن من الموجات الصوتية ومن الحقول المغناطيسية.

هكذا تسير اللافتة عبثا بدون جماهير.

لكن إذا كانت النساء اليوم السبت مساء في "الحمام العربي" في إطار حملات الطهارة الأسبوعية، فأين هم الرجال والحال أن حضورهم بالنيابة فرض كفاية. لكنى علمت والحق معهم وليس مع اللافتة أنهم مجتمعين في ورشات بحوث ودراسات متفرقة بعدما حوّلوا مقاهي الجالية إلى فروع تابعة إلى الفرقة الوطنية للاستعلامات لدراسة النماذج السلوكية لدى الشيوعي والإسلامي والديمقراطي والحقوقي ومنها دراسات في سوسيولوجيا كلّ من هبّ ودبّ من عامة الأدمغة المهاجرة، وهو في الحقيقة ومن موقع المسؤولية هذا هو العمل الوطني الحقيقي.

أما اللافتة فتوقفت في الأوبيرا بنيّة كتابة سنفونية الصراع والمقاومة لمزلزلات الجنوب الغربي التونسي.

باريس في: 17 أكتوبر 2009

متابعة لحدث
لطفي الهمامي

hammami_l@yahoo.fr

ملاحظة

ـ اللافتة: مشاركة في مسيرة يوم 17 أكتوبر 2009 والتي دعت لها أكثر من 80 جمعية تقدمية ويسارية تحت شعار: "المطالبة بحقوق المرأة والمساواة التامة". انطلقت المسيرة من ساحة لاباستى لتتفرّق في ساحة الأوبيرا بباريس. شارك فيها "الائتلاف من أجل مقاطعة انتخابات أكتوبر 2009 في تونس".

ـ جمعية بسمة: جمعية تونسية ترأسها ليلى الطرابلسي زوجة زين العابدين بن علي، ميزانيتها آلاف الدينارات التونسية غير معلومة الرقم. وهي عبارة عن جمعية سيادة كوزارة الدفاع.

ـ الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات: جمعية نسائية مفتوحة لكافة نساء تونس في البيانات والخطابات وتنخرط صلبها كل امرأة نجحت في تبنى التقدمية الخالصة.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني