الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مساهمة في بيان حقيقة احتجاجات الحوض المنجمي
مساهمة في بيان حقيقة احتجاجات الحوض المنجمي
21 حزيران (يونيو) 2008

الرديف 12 جوان 2008

Le développement spontané du mouvement ouvrier tend à le subordonner à l’idéologie Bourgeoise

Lénine

لقد انطلقت الاحتجاجات الشعبية في الحوض المنجمي منذ 5 جافني على اثر نتائج المناظرة التي نظمتها شركة فسفاط قفصة، لكنه لا يمكن فهم حقيقة دلك باعتباره مجرد ردة فعل لأن ردة الفعل تكون دائما مغرقة في عفويتها فلا تقوم على عمق اجتماعي شعبي بل إنها تنحسر زمانيا ومكانيا. غير أن ذلك يبقى فهما سطحيا وساذجا وغير علمي، فلا يقوم على معرفة بطبيعة المجتمع التونسي من جهة بنيته الاجتماعية والاقتصادية ولا من جهة بنياته السياسية والحقوقية والمؤسساتية والإيديولوجية والثقافية. وهدا يعني أن كل تحليل موضوعي، متمسكا باليات التفسير العلمي، يدرك أن الاحتجاجات الشعبية التي عمت الحوض المنجمي كانت حصيلة تراكمات تاريخية تعود أصلا إلى سنة 1956 فقد خلف الاستعمار بورجوازية تابعة عاجزة فشلت في انجاز مهماتها التاريخية باعتبارها مهمات وطنية ديمقراطية...وهو ما يؤكد ،فعليا، أن مواصلة الاعتقاد في قدرة البورجوازية الوطنية على تغيير المجتمع وتحويله هو اعتقاد زائف، لذلك فقد تحدث منصور حكمت عن أسطورة البورجوازية الوطنية والتقدمية.

نعني بذلك أن هده البورجوازية التابعة قد فشلت في تحديث المجتمع التونسي:

- فشل الإصلاح الزراعي وتجربة التعاضد مع احمد بن صالح...
- بناء مؤسسات اقتصادية غير قادرة على المنافسة.
- تنمية ممركزة في جهات محددة : الشمال والساحل.
- التبعية للرأسمال العالمي ومؤسساته البنكية والمالية خاصة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي أي قيام رأسمالية تابعة للامبريالية الاحتكارية العالمية.
- الارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية دون أن يوافقه تحسين للأجور.
- ارتفاع في نسب البطالة وخاصة لدى أصحاب الشهائد.
- إعادة هيكلة ألاقتصاد وخوصصة مؤسساته منذ 1986.
- فشل المفاوضات الاجتماعية وتخلي الإتحاد العام التونسي للشغل عن دوره الريادي والمطلبي والنضالي في ظل سيطرة بيروقراطية نقابية فاسدة مهمتها تنحصر في تمرير مشروع السلطة السياسية لتحقيق الوفاق الوطني والسلم الاجتماعية...مثل مشروع مدرسة الغد وصندوق التأمين على المرض.
- سيطرة الحزب الواحد الذي تأكد مند جافني 1963 والتداخل بين الدولة والحزب الدستوري أو التجمع وفق نسخته الحالية.
- قيام نظام ديكتاتوري فاشي يعمل على قمع الحريات العامة : حرية التفكير، حرية التعبير، حرية التجمع، حرية التنظم ويكفي الإطلاع على قانون الصحافة وقانون الجمعيات والمجلة الانتخابية أو كذلك النظام الداخلي للاتحاد العام التونسي للشغل أو المنشورات الصادرة عنه خاصة المنشور83 بتاريخ جافني 2008 الذي يفرغ هياكل الإتحاد من كل نفس مطلبي فعلي ونضالي.
- غياب كلي لمعنى المواطنة دستوريا وحقوقيا وقانونيا وتشويه مفهوم السيادة وتعمق التناقض بين الشعب والدولة في خياراتها السياسية والاقتصادية والثقافية الخاضعة لتوجيهات الإمبريالية العالمية وفق منطقها النيوليبرالي المعولم.
- وجود أحزاب سياسية ديكورية تعمل على خدمة مصلحة السلطة في الترويج لمزاعم الديمقراطية البورجوازية وأكذوبة دولة القانون والمؤسسات. لكن ذلك يبين حيل السلطة وألاعيبها في استثمار هذه الأحزاب لإضفاء المشروعية على سياساتها الليبرالية المعادية للشعب مثلما يتجلى ذلك في الانتخابات التشريعية والرئاسية خاصة في العشريتين الأخيرتين.
- منع الأحزاب السياسية الحقيقية والجماهيرية من حرية العمل القانوني باعتبارها أحزابا حاملة لمشروع بديل مجتمعي رغم الاختلاف في تحديد طبيعته أو أسسه النظرية والإيديولوجية...

تتبين من ذلك أن في كل مجتمع رأسمالي تابع تنهار مزاعم تقدمية البورجوازية الوطنية ونعلم جميعا أنه بعد الحرب العالمية الثانية انتهت حركات التحرر الوطني إلى إمساك البورجوازية التابعة للحكم في عديد الدول الإفريقية والآسيوية وأنها قد فشلت في تحقيق مهمتها التاريخية خلافا للبورجوازية الوطنية الأوروبية أي في الرأسماليات التقليدية التي أنجزت ثورات وطنية ديمقراطية مثل ثورات 1848 أو1789... التي غيرت بنية هده المجتمعات تغييرا جذريا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وتقنيا علميا وثقافيا. لذلك فانه علينا الإقرار بالحقيقة الأساسية التالية : أن في الرأسماليات التابعة والمستعمرات الجديدة لا يكون انجاز المهام البورجوازية الديمقراطية إلا من خاصة الجماهير الشعبية بقيادة الطبقة العاملة لكن عليها أن تحدد أفقا اشتراكيا لذلك حتى تكشف عن الطابع الطبقي لمهامها التكتيكية. وبمعنى آخر انجاز ثورة شعبية ذات مضمون وطني ديمقراطي وذات أفق اشتراكي ونقصد بذلك انجاز المهام العاجلة والمباشرة المتمثلة في برنامج حد أدنى أساسه ضرب من النضال الديمقراطي لتحقيق إصلاحات عاجلة في مسائل الحريات وحقوق الإنسان غير أن ذلك يشترط تحالفا شعبيا والتقاء سياسيا حول هكذا برنامج باعتباره لا يتخطى حدود اللحظة التكتيكية ومثالنا على ذلك هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات...

إن المتتبع لاحتجاجات الحوض المنجمي في المتلوي والمضيلة وأم العرائس وخاصة في الرديف يدرك ،حقا، أنها تعبير كمي ونوعي عن الصراع الطبقي فقد ميزت فعليا بين طبقة حاكمة ومضطهدة وبين أخرى شعبية محكومة ومضطهدة. ويمكن أن نبين ذلك بطريقة مختزلة في النقاط الأساسية التالية:

- تحول هده الاحتجاجات من طبيعتها العفوية إلى أن تتخذ شكلا منظما وواعيا راسمة لتكتيكاتها وأشكالها النضالية المختلفة: الإعتصامات، إضرابات الجوع ،نصب الخيام، المسيرات الحاشدة والمنظمة، التجمعات الخطابية الضخمة، العرائض، البيانات...و محددة، بكل وعي ومسؤولية ،لأهدافها المتمثلة في حق الشغل والحق في التنمية والتوزيع العادل للثروة الوطنية والحق في المواطنة والعيش الكريم ومحاسبة الانتهازيين والسراق الذين كدسوا الثروة استغلالا لنفوذهم السياسي أو النقابي.
- التفاف مجموعة من النقابيين الأحرار والسياسيين والمناضلين حول هده الاحتجاجات الاجتماعية والشعبية لتكسبها عمقا نضاليا واعيا وتجلى ذلك في تشكيل لجان محددة من جهة مهامها خاصة لجنتي الإعلام والتفاوض اللذان حققا مكاسب ونجاحات على غاية من الأهمية. وهو ما جعل من الاحتجاجات في الرديف تتخذ طابع الحركة الاجتماعية.
- اصطفاف الجماهير الشعبية وراء مطالبها ومصالحها الطبقية واضعة حدا لظاهرة "العروشية" التي غذاها الاستعمار واستثمرتها البورجوازية التابعة لتفكيك وحدة المضطهدين من عمال وفلاحين ومعطلين عن العمل.
- توسع الاحتجاجات الشعبية لتمتد إلى ولاية القصرين ويدل ذلك على أن المطالب التي رفعتها الحركة بالرديف هي في حقيقتها مطالب تخص كل الشعب التونسي وليس فقط جهة ما أو فئة معينة.
- تنامي الوعي الطبقي والإجماع على أن تحقيق المطالب لا يكون إلا بتوسل النضال كنهج يستقيم عليه العمل وتقوم عليه الممارسة ويعني ذلك تحقق الوعي الذاتي الذي يمثل أساسا لكل فعل نضالي طبقي لان حركة الشعب بقيادة الطبقة العاملة مثلما بين ماركس في البيان الشيوعي هي "الوعي الذاتي والحركة المستقلة للغالبية العظمى من الناس في مصلحة غالبية الناس".
- مساندة احتجاجات الحوض المنجمي عامة والحركة الاجتماعية بالرديف خاصة من طرف مكونات المجتمع المدني الحقوقية والسياسية وكان ذلك في شكل بيانات أو زيارات للرديف للتعبير عن المساندة والدعم أو تكوين لجان جهوية ووطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي أو كذلك بيان الهيئة الوطنية للمحامين وتشكيل لجنة الدفاع عن أبناء الحوض المنجمي ولجنة المساندة بفرنسا ونذكر جميعا التحركات الأخيرة في باريس ونانت...
- عجز السلطة عن تلبية مطالب المحتجين الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والاكتفاء ببعض الإجراءات التي لا ترتقي إلى الحد الأدنى تمثلت في وعود ثبت أن هده السلطة غير جادة فيها لذلك فقد مارست شتى أشكال المناورة: الالتفاف على المطالب الشعبية التي صاغتها الحركة بالرديف رغم أنها ،حقا، حركة احتجاجية سلمية مدنية أو تعطيل المفاوضات أو كذلك عدم الاعتراف بشرعية لجنة التفاوض.
- اعتماد السلطة على جهازها القمعي لمحاصرة مدينة الرديف والتنكيل بأهلها واعتقال مجموعة من قادة الحركة والمناضلين الأحرار وتعذيبهم تعذيبا منهجيا لكن استماتة أهالي الرديف البطولية وقدرتهم العظيمة على مقاومة قوات القمع في مواجهات دامية سيخلدها تاريخ هدا الشعب وستحفظها ذاكرته أدت إلى الإفراج عنهم.
غير أن القمع لم يقف عند حدود عسكرة المدينة والاعتقالات والمداهمات الليلية للمنازل بل انه اتخذ شكلا أكثر فاشية ودموية تمثل في قتل بعض المحتجين: هشام بن جدو العلايمي على اثر صعقة كهربائية في تبديت وحفناوي بن رضا المغزاوي بعد إطلاق النار على المحتجين العزل في الرديف مما أدى كذلك إلى إصابة العديد منهم إصابات متفاوتة الخطورة. وقد استوجب ذلك تدخل قوات الجيش التي انتشرت فعليا داخل المدينة.

ويكشف هدا الوضع الأمني الحرج عن الطبيعة القمعية الوحشية واللاانسانية لهذه السلطة وتهافت مزاعم دولة القانون والمؤسسات الحاملة لشعار حقوق الإنسان. ويمكن مراجعة تقارير الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب حول الاعتقالات بالرديف لمعرفة حجم هده الجرائم في حق كل من ينهض سلميا مطالبا بحقوقه المشروعة.

ورغم هذه الأحداث المغرقة في القمع فان موقف السلطة الرسمي على لسان وزير العدل وحقوق الإنسان وأقول جيدا حقوق الإنسان أو حتى كذلك موقفها غير الرسمي انتهيا إلى اعتبار الاحتجاجات غير شرعية وغير قانونية لان منطق السلطة هو المحدد لمعايير الشرعية والقانونية وأن المركزية الدكتاتورية المتمثلة في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية وكذلك الحزب الحاكم والمركزية النقابية والمؤسسات الإعلامية الرسمية جعلت من احتجاجات الحوض المنجمي مجرد عملية شغب تخل بالنظام وبقواعد الانضباط وتحطم المفعول الإيديولوجي السلطوي المتمثل في أسطورة الأمن والسلم الاجتماعية. لكن ذلك، حسب منطق تفكير جان بودريار، لا يتخطى حدود الأسطورة التي تؤبد خيارات السلطة وخيارات رأس المال المعولم اللذان ينتهيان إلى شرعنة الاضطهاد وأنسنة الاستغلال والسيطرة على الشعوب. بل أن الأمن والسلم الاجتماعية هما، في الحقيقة، تعبير صادق عن الايدولوجيا البورجوازية حسب الماركسية اللينينية. وفي الحقيقة أن موقف السلطة هو موقف العدو الطبقي الذي يراهن على القمع كسبيل لتحقيق الأمن ويتفانى في تبرير خرق القانون باسم القانون والحط من كرامة شعب أعزل رافعا راية حقوق الإنسان.

لقد اعتمدت السلطة في تبريرها لجرائمها في مدينة الرديف، تحديدا، على الأفواه الرخيصة والأقلام المأجورة وأبواق الدعاية المفضوحة وأشباه المثقفين أي كلاب الحراسة بلغة بول نيزان. ويمكننا اعتبار المدعو" برهان بسيس" نموذجا أمينا لكل مثقف مفلس رغم انه لا يملك من البرهان سرى الاسم، فننصحه،على عجل، بأن يقرأ أرسطو وابن رشد وبريلمان Perelman.. حتى يفقه معنى البرهان وأصنافه وشروطه الابستيمولوجية والمنهجية والاتيقية أولا وحتى يكون جديرا بمحاورة مناضلي الرديف الأبية ثانيا. وقد ركز هدا المثقف المفلس في حواره مع السيد الطاهر بن حسين الذي بثته قناة الحوار التونسي بتاريخ 6 جوان 2008 الموافق دكتاتوريا لبداية التصفية الجسدية للمشاغبين والمعلن ديمقراطيا ونضاليا عن سقوط ثاني شهداء انتفاضة الكرامة ،على النقاط الأساسية التالية :

- أن احتجاجات الحوض المنجمي ليست إلا أعمال شغب وتخريب للمؤسسات وتعطيل للدورة الاقتصادية.
- حق السلطة في قمع المحتجين...؟؟؟
- النوايا الحسنة للسلطة ووعدها بتحقيق تنمية شاملة تحد من البطالة وتقضي على التلوث.
- اعتبار أن المداهمات للمنازل ومحاصرة المناضلين من نقابيين وحقوقيين مثلما حدث ويحدث للمناضل الحقوقي ومنسق اللجنة الوطنية لمساندة الحوض المنجمي السيد مسعود الرمضاني لا تتجاوز الاجتهادات الشخصية لأعوان البوليس...
- الحديث من جهة أخرى، بحماس، عن دولة القانون والمؤسسات وحرية التعبير.
- إرجاع البطالة والتنمية المتعثرة أو المعدومة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية.
- نقد الأحزاب السياسية المعارضة المساندة لاحتجاجات الحوض المنجمي واتهامها بتوظيفها سياسيا.
- أن هده الأحزاب فاقدة للجماهيرية والشعبية في مناطق الحوض المنجمي.
- التذكير بأن عصر الزعامات والستالينية قد ولى.

نحن نعتقد ،بكل مسؤولية، أن هذا المثقف المفلس أو المثقف التقليدي بلغة غرامشي ليست له أدنى معرفة بحقيقة ما يحدث في الحوض المنجمي من حراك اجتماعي سلمي مدني وأنه لم يطلع أبدا على أي بيان من بيانات الحركة الاجتماعية الأهلية خصوصا بالرديف بل انه فاقد لانتمائه الاجتماعي الفعلي. بالتالي فان حديثه عن الاحتجاجات فاقد للوجاهة وهو بكل المقاييس حكم مسبق لكنه مقصود إذ توجهه إرادة تشويه الحقيقة ومصادرة الحق لان خلفيته متأصلة في منطق السلطة وقائمة على إيديولوجيتها البورجوازية البائسة اللاديمقراطية. فالمنطق الداخلي الذي يحكم حديث هدا المثقف المفلس هو مثال لطريقة تفكير مثقفي السلطة من جهة أنه منطق متناقض ومشتت بين فعل مؤسسات السلطة وبين فعل الأفراد أي بين القانوني وبين اللاقانوني أو بمعنى آخر الجمع في ذات الآن بين الشرعي واللاشرعي. لكننا نعلم كل العلم أن الفكر السياسي قد شيد حداثته على التمييز القطعي بين ما هو قانوني وبين ما هو غير قانوني، بين ما هو شرعي وبين ما هو غير شرعي أي الفصل الدقيق في الممارسة السياسية بين العقلاني وبين اللاعقلاني نفيا لكل أشكال العنف والفوضى والاستبداد والحكم المطلق بل إن القول بدولة القانون والمؤسسات يتعارض كليا مع اعتبار أن محاصرة المناضلين وإيقافهم عملا فرديا شاذا قد يكون مزاجيا أو وفق الأهواء والرغبات. فأي منطق هدا الذي يذيب المؤسسة والقانون في رغبة الأفراد؟ أليس هو منطق اللامنطق؟

يبدو أن مثقفنا هدا لا يتحدث عن دولة القانون والمؤسسات إلا على سبيل المزاح الأبله والرديء أو إن شئنا على سبيل الدعاية الجوفاء والمتهافتة لنظام سياسي متداعي. ويبدو كذلك أنه سعيد برأسماله الانتهازي مثل غيره من الانتهازيين، فرغم سلب الحقوق الدستورية والقانونية والإنسانية فانه فخور بحرية التعبير. ويبدو أخيرا أن الحركة الاجتماعية الأهلية التي يعرفها الحوض المنجمي عامة قد بددت أوهامه وأوهام أمثاله من اللاديمقراطيين في "موت هدا الشعب" واستسلامه الكلي للسلطة وخضوعه لخياراتها اللاوطنية أو بكلمة أخرى القضاء على كل حس طبقي. لكن ذلك ،في الحقيقة، ليس إلا أحلاما بورجوازية بيروقراطية لان الأحداث تكذبها والوقائع تظهر زيفها، فنحن لا ننطلق إلا من التحليل الملموس للواقع الملموس أي معرفة علمية جدلية بالواقع مثلما كان لينين، دائما، يؤكد على ذلك. إذا فالفرق شاسع بين النهج الانتهازي وبين النهج الديمقراطي، بين تحليل يحلق في سماء الأوهام وبين أخر يحمل في ذاته لون الأرض ورائحتها.

إن احتجاجات الحوض المنجمي وخاصة في الرديف اتخذت شكل حركة اجتماعية أهلية مطلبية ويتجلى ذلك في بياناتها وتجمعاتها الجماهيرية وكذلك في مفاوضاتها مع السلطة، وأكدت بكل ايجابية أنه لا يمكن توظيفها سياسيا غير أن ذلك لا يعني ،إطلاقا، رفض أشكال الدعم الممكنة ومساندة مكونات المجتمع المدني. فادعاء توظيفها سياسيا من جهة لا يعني أنها حركة غير شرعية ومن جهة أخرى فان ذلك لا يمثل إلا تبريرا أحمقا تتوسله السلطة بطريقة بافلوفية عمياء لتشويه المضمون الاجتماعي والمطلبي والديمقراطي لكل احتجاج أو حركة، ويعود هدا الادعاء أولا إلى إرادة تكريس إيديولوجية الحزب الواحد الحاكم باعتباره حزبا جماهيريا بينما يثبت الواقع أنه غير ذلك، ويعود ثانيا إلى رفض الاختلاف والتعددية رغم أن السلطة في خطابها الرسمي أو في خطاباتها الغير رسمية تتحدث، في كل المناسبات، عن خيارات التعددية والتنوع السياسي والديمقراطية، بل إن دولة القانون والمؤسسات تتأسس دستوريا وقانونيا وسياسيا وحقوقيا ونظريا على منطق الاختلاف، ويعود ثالثا إلى خوف السلطة من الأحزاب السياسية الفعلية القادرة على الفعل الاجتماعي والسياسي وأن عملية حرمانها اللادستوري من العمل السياسي القانوني والعلني يثبت جماهيريتها وشعبيتها...

وينتهي هدا المثقف المفلس الأبله ،تعريفا، إلى الحديث عن انتهاء عصر الزعامات بلغة متبرجزة ومتبقرطة متهما المناضلين الأحرار الديمقراطيين وحاملي هموم الفقراء والعاطلين عن العمل والمضطهدين بأنهم يطلبون الزعامة، وهو لا يعلم أن كل حركة اجتماعية وفق ظروفها الذاتية والموضوعية تنتج قادة وزعماء يمثلون طليعتها فتاريخ الشعوب يبرهن على ذلك. ونحن ندعوه إلى قراءة هدا التاريخ مثلا : روسيا 1917 / ألمانيا 1919 / المجر 1919 و1956/ ايطاليا 1919 و1920 / اسبانيا 1936/ فرنسا 1968/ البرتغال 1974/ البرازيل 1982...

إننا لا نعني بالزعامة عبادة الشخصية الكاريزماتية وإنما لكل مرحلة من تاريخ الشعوب قادتها الديمقراطيين الأقدر على التوجيه والتكتيك والمناورة السياسية وفق موازين القوى وحسب وضعية المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكذلك حسب الوضع الدولي والعالمي. ويبقى النقد والنقد الذاتي هما أساس كل ممارسة سياسية وكل حركة اجتماعية واعية لان معرفة الأخطاء يمثل درسا لتقدم العمل إلى الأمام، ويمثل هدا جوهر الدرس اللينيني العظيم.

-  المجد لشهداء الحركة الاجتماعية الأهلية السلمية بالرديف.
-  الذل والعار للمواقف الانتهازية والبيروقراطية.

الصيفي – الرديف.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني