الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مصير العمّال بأيديهم
بمناسبة غرّة ماي:
مصير العمّال بأيديهم
29 نيسان (أبريل) 2006

يحتفل الشغالون التونسيون، يوم غرة ماي، مع سائر الشغالين في العالم، باليوم العالمي للعمّال ولكنهم، على عكس رفاقهم في معظم الأقطار، لن يكون لهم مرة أخرى الحق في تنظيم التظاهرات والاستعراضات والاحتجاجات. فالدكتاتورية التفّت على عيد العمّال وحولته إلى مناسبة رسمية ينتظم فيها موكب بقصر قرطاج يُعَدّد خلاله بن علي الإنجازات المزعومة التي حققها نظامه للعمال والكادحين وتجدّد فيه قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل الولاء له. ويتولى البوليس السياسي محاصرة دور الاتحاد في كافة أنحاء البلاد، وخاصة في المدن والجهات ذات التقاليد النقابية النضالية لمنع القواعد العمالية والنقابية من القيام بتحركات احتجاجية.

إن أوضاع الشغالين التونسيين تشهد اليوم تدهورا غير مسبوق. فالطرد الجماعي، وخاصة في قطاع النسيج يتفاقم. والعمال والعاملات المطرودون لا يجدون من يحميهم. والبطالة تنهش مئات الآلاف من الناس بمن فيهم أصحاب الشهائد العليا. وأشكال التشغيل الهش (عمل وقتي، عمل جزئي، مناولة...) تتوسع على حساب العمل القار. والعمل صار امتيازا لا يحصل عليه في الغالب إلا مُوَالٍ للسلطة أو دافع لرشوة. وظروف العمل في المؤسسات تتردى مسببة مزيدا من حوادث الشغل والأمراض المهنية. والمقدرة الشرائية للعمال والأجراء تتدهور. والعامل أو الأجير يضطر إلى القيام بأكثر من عمل، على حساب راحته وصحته، لمواجهة تكاليف العيش وتسديد كمبيالة أو قرض. والخدمات الاجتماعية (صحة، تعليم، نقل...) طالتها الخوصصة وتقلصت مساهمة الدولة فيها فانقسمت إلى خدمات راقية للأغنياء، وأخرى متردية للكادحين والفقراء.

ويحكم نظام بن علي على الشغالين والأجراء والنقابيين بقبول هذا الوضع وتحمل تبعات سياسات اقتصادية، رأسمالية متوحشة، مملاة من الدوائر الامبريالية، لم يكن لهم فيها رأي أو قول، والامتناع عن الاحتجاج عليها و الدفاع عن حقوقهم و مكتسباتهم في الوقت الذي تذهب فيه خيرات البلاد وثرواتها إلى حفنة من أصحاب رأس المال الأجانب الذين سيطروا على مصائر الاقتصاد التونسي عن طريق الخوصصة وغيرها وإلى أقلية من التونسيين ممّن أثروا بطرق غير مشروعة مستغلين في معظمهم صلتهم بالقصر. إن العمال والأجراء محرومون من حرية النشاط النقابي داخل المؤسسات، إن كانت لهم نقابات، لأن قطاعات واسعة من الذين يعملون في القطاع الخاص يمنعهم أعرافهم من تكوين نقابات. كما هم محرومون، شأنهم شأن بقية الشعب التونسي، من التعبير عن آرائهم، ومن الانتظام السياسي ومن المشاركة في الحياة العامة وفي تقرير الخيارات الجوهرية الداخلية والخارجية للبلاد. ويجند نظام بن علي البوليس السياسي والشعب المهنية وأعوان الإدارة لقمع تحركاتهم وملاحقة العناصر النشيطة منهم وافتعال الذرائع لطردهم أو محاكمتهم والزج بهم في السجن. وقد وقف العمال والعاملات الذين شنوا الإضرابات والاعتصامات خلال هذه السنة على هذه الحقيقة.

وما كان للشغالين أن يصلوا إلى هذه الحال لولا تواطؤ القيادات البيروقراطية للاتحاد مع نظام بن علي على مدى التسع عشرة سنة الأخيرة. لقد أغرقت السلطة والأعراف معظم هذه القيادات في امتيازات مادية (مناصب هامة في مؤسسات وشركات، قروض ومشاريع، وتسهيلات أخرى...) أبعدتهم كل البعد عن واقع العمال وربطت مصالحهم بمصالح النظام القائم وحوَّلتهم إلى أدوات يفرض بها هذا النظام اختياراته الاقتصادية والاجتماعية التي وصلت بالعمال والأجراء إلى ما هم عليه من بؤس مادي ومعنوي. لقد زكت هذه القيادات كافة مخططات الحكومة سواء ما تعلق منها بالخوصصة أو تحرير الأسعار ورفع الدعم عن المواد الأساسية أو زيادة الضغط الجبائي على العمال والكادحين أو تحوير قوانين الشغل بما يخدم مصالح الأعراف ويمكنهم من التلاعب بقوت الشغالين وبحقهم في العمل (مرونة التشغيل...) كما قيدت العمال والأجراء بـ"مفاوضات اجتماعية" ليس فيها من المفاوضات إلا الاسم لأن شروطها ونتائجها تتحكم فيها الحكومة، وبسبب هذه المفاوضات، يُحرَّم على العمال والأجراء التحرك للمطالبة بتحسين أجورهم. و شكلت تلك القيادات البيروقراطية سندا لنظام بن علي في قمع الحريات الفردية والعامة وفي دعم الحكم الفردي المطلق وإعادة الرئاسة مدى الحياة وذلك رغم معارضة العديد من الإطارات النقابية، في الهيئة الإدارية وبعدد من الاتحادات الجهوية والنقابات العامة والجامعات لهذا التوجه. وهي تصمت على ما يتعرض له القضاة والمحامون والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والصحافيون المستقلون ومناضلات ومناضلو أحزاب المعارضة الديمقراطية من قمع ومحاصرة وتشويه واعتداءات، والحال أن هؤلاء جميعا كانوا دائما إلى جانب الاتحاد في كافة المحن التي مر بها ولم يدخروا أي جهد للدفاع عنه.

إن مصير العمال والشغالين بأيديهم. وذلك هو المغزى الكبير من اليوم العالمي للعمّال الذي يُخلّدُ تضحياتهم من أجل حقوقهم وتعبئتهم الدائمة من أجل مواصلة النضال لإقامة مجتمع خال من استغلال الإنسان للإنسان ومن كافة أشكال الاضطهاد السياسي والفكري. وليس أمام العمال والشغالين التونسيين من مخرج مما هم فيه اليوم إلا بالنضال والتضحية. فالسلطة ماضية في سياستها المعادية للعمال والشعب، وما تقدمه من حلول لا يتجاوز الوعود الزائفة والمسكنات التي سرعان ما تتضح حقيقتها. وتفيد كل المؤشرات أن المظالم المسلطة على العمال والكادحين ستتفاقم في المستقبل. ولا أمل في توقيف السلطة عند حدها إلا بالجرأة على المقاومة. ولئن شهدت الحركة العمالية هذه السنة بداية نهوض تشهد عليها الإضرابات والاعتصامات العديدة التي نظمها العاملات والعمال وقطاعات من الموظفين، فإنها لا تزال ضعيفة ومشتتة. فالسلطة لن تضطر إلى التراجع وإلى التنازل إلا إذا وجدت في وجهها حركة اجتماعية ناهضة وموحدة وذات أهداف محددة.

إن العمال والأجراء في أشد الحاجة اليوم إلى الدفاع أولا عن حقهم في الشغل ومواجهة موجات الطرد التي تستهدفهم وأشكال التشغيل الهش ومنها خاصة المناولة التي تتجسد فيها أبشع أنواع الاستغلال. وثانيا عن حقهم في أجور تضمن لهم أسباب العيش الكريم. وثالثا عن حقهم في ظروف عمل إنسانية. ورابعا عن حقهم وحق عائلاتهم وأطفالهم في خدمات اجتماعية مجانيّة أو بأسعار رمزيّة و لكن راقية. ولكن العمال والأجراء يجدون في وجههم عسف السلطة وطغيانها الذي يعرقل نضالهم من أجل تلك الحقوق. وهو ما ينبغي أن يفتح عيونهم على حقوقهم النقابية والسياسية. فلهم مصلحة، كل المصلحة في الحرية النقابية وفي حرية التعبير والتنظم والاجتماع والتظاهر والإضراب وفي حق المشاركة في الحياة العامة وفي الديمقراطية. إن النضال الاجتماعي والسياسي متلازمان. ولقد كان حشاد مؤسس الاتحاد أكد أكثر من مرة على أن العمال لا يمكنهم أن ينالوا حقوقهم في مناخ لا تتوفر لهم فيه الحريات الفردية والعامة. لذلك يكتسي انخراط العمال والكادحين في المعركة ضد الدكتاتورية، من أجل الحريات والديمقراطية أهمية كبيرة ليس لهم فحسب بل لكل الشعب التونسي.

ولا ينسى العمّال والشغالون التونسيّون أنّ لهم إخوة وأخوات في الوطن العربي وفي فلسطين والعراق خاصة يتعرضون لأبشع أنواع الاضطهاد الاستعماري على يد التحالف الامبريالي الصهيوني. وقد عمل نظام بن علي بكل الوسائل على منع التضامن معهم. ولم يتورع في السنة المنقضية عن دعوة مجرم الحرب أرييل شارون لزيارة تونس بمناسبة قمة مجتمع المعلومات وعن استقبال وزير خارجية الكيان الصهيوني بنفس المناسبة، والتنكيل بكل من حاول الاحتجاج على هذه الزيارة. ولا يمكن للعمال التونسيين أن يرضخوا للأمر الواقع بل عليهم التعبير عن تضامنهم بكافة الأشكال مع إخوتهم وإخوانهم في العراق وفلسطين ومن أجل القضيّة القوميّة العادلة والتصدي لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.

إن نضال العمال ضد القهر والاستغلال اكتسى اليوم أكثر من أي وقت مضى بعدا أمميا بسبب العولمة الرأسمالية التي أخضعت كافة كادحي العالم وشعوبه إلى استغلال واضطهاد وحشيين. لذلك نرى العمال في جميع أنحاء العالم وخاصة في البلدان التي يتمتعون فيها بالحرية السياسية يتضامنون وينسقون تحركاتهم ضد الوحش الرأسمالي ويربطون مصير بعضهم ببعض. ولا يمكن للعمال التونسيين أن يبقوا خارج هذه الحركة العالمية، فهم جزء من شغيلة العالم التي تواجه نفس العدوّ والتضامن والتساند شرط أساسي للانتصار.


عاش كفاح الشغيلة العالميّة
عاشت نضالات العمّال التونسيّين
المجد للحرّيّة والكرامة الوطنيّة
تسقط الدّكتاتوريّة

حزب العمّال الشيوعي التونسي
غرّة ماي 2006


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني