الصفحة الأساسية > البديل الوطني > ملاحظات لابدّ منها
ملاحظات لابدّ منها
12 آذار (مارس) 2008

كانت البديل في الأسبوع الماضي، ضمن أحد مقالاتها "الحوض المنجمي بين الهدنة والإحتجاج"، قد تعرّضت إلى استمرار الاحتجاجات وإن بمستويات أقلّ من الأيام السابقة في كلّ من الرديف وأم العرائس ونبّهت الجميع وبالتحديد بعض القوى الديمقراطيّة من خطورة الانزلاق المتعمّد أو دونه إلى ما سعت ولازالت السلطة تعمل على ترويجه للإيهام بأنّ تلك الاحتجاجات انتهت وأخلت مكانها إلى عودة الهدوء التّام.

ومن المؤسف أنّ تعاطي بعض أجزاء من المعارضة التونسية ظلّ على حاله حتّى أنّ جريدتي "الموقف" و"مواطنون" مؤخّرا، خلتا من كلّ إشارة ولو بسيطة إلى ما يدور في هذه الجهة ممّا ينجرّ عنه ضرورة إعادة طرح أسئلة كثيرة لعلّ أبرزها يتمثّل في ما يلي:

ما هي أسباب وأهداف هذا الصمت؟

ما هي مكانة النضال الاجتماعي الشعبي في برامجكم؟ وتحديدا ما هي العلاقة بين النضال السياسي ونظيره في الحقل الاجتماعي؟

من الرّابح من مثل هذا التعاطي؟ هل الغانم هو السلطة الاستبدادية التي تودّون مقاومتها، أم الشعب الذي تنوون خدمته؟

ذاك قليل من أسئلة كثيرة، لا تختصّ بطرحه النُخب السياسية وطنيا وجهويا وإنّما هو يطال شرائح واسعة من المواطنين بقفصة أو خارجها. ومن نافلة القول أنّ الإجابات تأتي مختلفة ومحكومة بعوامل عدّة إلاّ أنّ الثابت حتّى الآن بمنطقة الحوض المنجمي هو تنامي الامتعاض وحتّى السّخط من هكذا تعاطي، ووصل الأمر حدّ اتخاذ خطوات عقابية مؤلمة ضدّ البعض من رموز المعارضة التونسية، لا نرى بالمرّة موجبا للخوض في تفاصيلها وحيثيات وقوعها بهذه المنطقة أو تلك وضدّ هذا الوجه أو ذاك لأمر بسيط يتّصل بأخلاقيات التعامل السياسي التي نسعى على الدوام على الإلتزام بها إن مع شركائنا في النضال الديمقراطي وإن مع خصومنا (سلطة و"معارضة" مزعومة).

ومن جديد، نعيد سؤالا سبق أن طرحناه على أعمدة "البديل" وفحواه: هل لدى أصدقائنا في قيادتي" الحزب الديمقراطي التقدّمي" و"التكتّل من أجل العمل والحرّيات" معرفة بما يدور على أرض الواقع بالحوض المنجمي؟ وهل لديهما دراية بالمنعرجات المعقدة التي سارت عليها احتجاجات الحوض المنجمي؟ وهل لديهما ولو القليل عن أصداء تغطيتهما الإعلامية وفعل مناضليها في أذهان الأهالي هناك؟

وبصفة موضوعية، فإنّ مثل هذه الأسئلة وغيرها تمسّ بصفة أساسية "الحزب الديمقراطي" فهو من له جامعة بالجهة منذ سنوات وهو من له مقرّ، وهو من انفرد من خلال جامعته بإصدار بعض البيانات التي تضمّنت مواقف فيها الكثير من اللبس والغموض الذي غذى مشاعر السّخط والغضب على هذه الجامعة وخصوصا كاتبها العام.
فالسيد عبد الرزاق داعي ضمّن أوّل مقال له حول الاحتجاجات المذكورة - منتصف جانفي بجريدة حزبه - دفاعا صريحا عن شركة فسفاط قفصة وإدارتها حيث ذهب إلى تبرأتها جملة وتفصيلا من الفساد الذي طال نتائج المناظرة وحصر التلاعب في الطرف النقابي!!! وهي مغالطة من الحجم الثقيل تدحضها كلّ الوقائع لعلّ أوّلها أنّ إدارة الشركة هي من تحكّمت وفق ما يعرفه القاصي والدّاني في 80 بالمائة من النتائج أمّا من يراه هو مسؤولا وحيدا فمجال تحرّكه وعلى الأصحّ فساده محصور في الـ20 بالمائة. وبطبيعة الحال فإنّ هذا الإدعاء يترتّب عنه ضرورة حتّى دون التصريح إخراج إدارة الشركة المذكورة من دائرة المسؤولية المباشرة لاندلاع الاحتجاجات. وهي الشهادة الثمينة التي نالتها إدارة تلك الشركة في وقت عصيب ميّزه سعي كلّ الأطراف الضالعة في الفساد إلى استقطاب هذه الجهة أو تلك للدفاع عن نظافتها والتفصّي من مسؤوليتها المباشرة في اندلاع الاحتجاجات.
قد يقول البعض أنّ ما ورد بالمقال المذكور هو اجتهاد شخصيّ لا يلزم إلاّ كاتبه وهو ما لا يُقنع، إلا أنّنا نفترض صواب ما قيل ونمرّ إلى التعليق على البيانات الرّسمية لـ"جامعة الديمقراطي" المتصلة بطبيعة الحال بالاحتجاجات.

وبداية نودّ الإشارة إلي مسألتين: الأولى تتعلق بعدم نشر جريدة "الموقف" ليس فقط لأيّ بيان وإنّما خُلوّها التامّ من أيّ إشارة لما صدر وذاك ما يثير الإستغراب، والثانية الحدود الضيقة جدّا لرواج تلك البيانات.

أمّا من حيث المضمون فهي جميعها قد حافظت علي الصمت المريب حول كلّ ما له صلة بشركة فسفاط قفصة فلا مطلب إلغاء نتائج المناظرة المهزلة وجدناه، ولا الفساد المالي ولا الإداري الكبير الذي ينخُر الشركة عرف سبيلا لتلك البيانات!!!

فـ"جامعة الديمقراطي" في هذا الإطار سارت في نقيض تامّ ليس فقط مع ما أجمع عليه المحتجّون بالحوض المنجمي وإنّما حتّى أحزاب الديكور الديمقراطي بالجهة الذين أصدروا بيانا رباعيا بتاريخ 13 جانفي 2008 ضمّنوه ما يلي: "إلغاء نتائج المناظرة وتحديد مسؤوليات الجهات المعنيّة بهذه الأزمة".

والحقيقة أنّ مثل هذا الصمت والدفاع الصريح أحيانا والمبطّن عن شركة فسفاط قفصة أحيانا أخرى مثلما ورد في الرسالة الموجّهة لوالي قفصة مثل العلامة الوحيدة القارّة لخطاب "جامعة الديمقراطي" وهو مثار سُخط داخل المحتجّين ومبعث تساؤلات عن سرّ تلك المقاربة العقيمة وعن الحدود الواقعيّة لمسؤولية الجامعة والحزب عموما.

ولعلّ أفضل ما توصّل إليه بعض المتابعين تمثل في إقامة نوع من التمييز بين الحزب الديمقراطي وما تأتيه جامعته. وهو الرأي الذي يعتبر ما يصدر من الأخيرة على الأقل في الإطار السابق محصولا لأوضاع جهويّة متّصلة بمصالح معروفة لكاتب عامّ الجامعة وبعض الأنفار معه الذين حوّلوا جامعتهم في غفلة من حزبهم وحتّى بعض رفاقهم في الجهة إلى خليّة للدفاع عن الشركة ومكمّل لمجهودات مسؤولها الإعلامي "محمّد الصغيّر الدالي" الذي أسعفه قلمه للردّ عبر مختلف الصحف التونسية التي أشارت بأصابع الإتهام لشركته (مثلا "مواطنون"، "صباح الخير"...) ولم يجد مبرّرا لممارسة حقّ الردّ إلاّ على صحيفة "الموقف"!!!

ودون شكّ فإنّ مثل هذا التعاطي حتّى دون العودة لمسائل أخرى مثل القاعدة المادّية لاتساع الهوّة بين المحتجّين و"جامعة الديمقراطي" وغذى الشكوك القائمة منذ القديم حول نضاليّة رأس هذه الجامعة وبعض معاونيه ممّا أضرّ بمكانة الحزب وقياداته وحتّى ببعض مناضليه بالجهة نظنّ المعاملة القاسية التي حصلت بالرديف إلاّ رسالة سخط طالت حتّى غير معنيّ بها وهو ما يؤسفنا، كما أنّ بعض الإجراءات العمليّة التي إتّخذها المحتجّين في كلّ من أم العرائس والرديف ضدّ كاتب عامّ جامعة الديمقراطي بقفصة علامات أكيدة على قناعات مؤكدة تقتضي المراجعة من قبل من يعنيهم الأمر.

إبـن المنجم


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني