الصفحة الأساسية > البديل العربي > منبر الخطابة وذرّ الرماد على العيون
القمّة العربيّة:
منبر الخطابة وذرّ الرماد على العيون
27 آذار (مارس) 2010

بقلم عمّار عمروسيّة

تحتضن مدينة "سرت" الليبيّة بداية من يوم 27 من الشهر الجاري الدورة الثانية والعشرون لقمّة جامعة الدول العربية، تحت رئاسة الدولة المضيّفة. وكعادة الإعلام الحكومي والدائر في فلكه يقع التطبيل والتهليل للموعد المرتقب في محاولة يائسة لشدّ انتباه الرأي العام الشعبي الذي يحمل الكثير من السخط والقليل من الاحترام والآمال على مثل هذه القمم. وهي مشاعر تحوّلت على مرّ السنوات إلى قناعات راسخة يصبّ جميعها في اليأس من قدرة الدول العربية الـ22 وجامعتهم على بلورة استراتيجيا وتكتيك يضمن الحدّ الأدنى من العزّة القومية والكرامة الوطنية.

والحقيقة، أنّ اليأس من النظام الرسميّ العربي تجاوز الإطار الجماهيري المذكور ليصل في السنوات القليلة الماضية إلى المجالات الرسمية نتيجة تزايد الخلافات وتضارب المصالح والولاءات الأجنبية بين مُكوّناته المُتنفّذة. وفي هذا السياق نستحضر تصريحات أمير قطر قبيل انعقاد القمّة الماضية ببلاده، حيث صبّ جامّ غضبه على دول عربية كثيرة وختم قائلا "حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم" وقبله كان "عمرو موسى" رئيس هذه الجامعة قد أعلن بالوضوح يأسه من العمل العربي المشترك وعبّر عن رغبته في الاستقالة من منصبه!!!

بعد هذا وغيره تجد أبواق الدعاية الحكوميّة ومن يدورون في مربّعهم الجرأة للنفخ في اجتماعات وقمم، ويقع استحضار مفردات من القاموس السياسي للرجعيّة العربية مثل "وحدة الصفّ العربيّ" و"إحياء الأمل" و" الوقفة الشجاعة"، إلخ. من المفردات التي أصبحت منذ عقود مثار سُخرية وتندّر في الأوساط الشعبية. فأغلب القمم العربية وتحديدا منذ منتصف السبعينات تعرف مزيدا من تشتت هذا الصفّ أيّاما قليلة قبل اجتماع القادة في علاقة بالإجراءات الترتيبية لاجتماعاتهم وتنتهي بمزيد التباعد الذي وصل أكثر من مرّة إلى حدّ الحروب والاقتتال.

كما أنّ "إحياء الأمل" غالبا ما أثمر مراكمة الخيبات التي جعلت الهوّة سحيقة بين النظام الرسمي العربي ومحيطه الشعبي الجماهيري، إذ يمنع الاستبداد السياسي لأغلب هذه الأنظمة الشعوب حتّى من التعبير في الشوارع والفضاءات العامّة عن سُخطها للتنفيس عن الاحتقان الكبير الذي يعتمل داخلها ويمنعها بقوّة القوانين الزجرية وهراوات البوليس والعسكر من ممارسة أدنى فعل في القرارات العربيّة التي يتمّ اتخاذها في قاعات مُغلقة وأحيانا كثيرة بالتنسيق وتحت ضغوطات الدول الامبريالية وخصوصا أمريكا.

فكلّ المعطيات المُتوفّرة حتّى الآن تدلّ على أنّ قمّة "سرت" ستكون نُسخة مُعادة من نظيراتها السابقة وخصوصا بعد التسعينات. ومن المُحتمل أن يرتفع بحكم "المكان" والرئاسة سقف الخطابة، ويرتفع العويل حول العرب والعروبة والقدس.. وبعدها تصدُر قرارات من المُرجّح أن تحمل وعودا سخيّة تليق بالكرم العربي في ظلّ الطفرة النفطيّة الجديدة. وقد أقرّ بعد وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التمهيدي يوم 25 مارس مبلغ 500 مليون دولار لحماية القدس، وعلى الأرجح أن يقع الاختلاف لاحقا على الجهة المسؤولة عن تلك الأموال (فتح أم حماس) مثلما حصل في قمّة الدوحة وما وقع الاتفاق فيه بشأن إعادة إعمار "غزّة"!!!

ولأنّ انعقاد هذه القمّة يتمّ في ظلّ غطرسة صهيونيّة أهم مميّزاتها تسريع وتائر الاستيطان في الضفّة والقدس الشرقية، والمرور أشواطا في تهويد القدس من خلال العمل على تغيير خصائصها الديموغرافية والثقافية والدينية، فالقادة سيبذلون مجهودات كبيرة – أعانهم الله – في اختيار أقسى عبارات التنديد والشجب لحكومة "نتنياهو" وسيختلفون في مصير "المبادرات العربية للسلام" وينتهون إلى الإبقاء عليها مع حقّ هذا "الزعيم" في التحفّظ وحقّ الآخر في الرفض، سيشجبون، ويندّدون، ويعدون وبعدها يعودون إلى الربع الأوّل للاستسلام والتفريط في الحقوق العربيّة تحت مقولات "السلام خيار استراتيجي" و"التفاوض هو الحلّ" ولا ندري مع من سيفاوضون؟ وحول ماذا سيفاوضون؟

فرئيس الحكومة الصهيونية من خلال قوله "نبني في القدس مثلما نبني في تلّ أبيب" أسقط كلّ الذرائع أمام دُعاة التفاوض.

والرباعيّة الدولية تراوح بين عجزها في لجم المشروع الصهيوني المتنامي في المنطقة وانحيازها الكلّي للسياسات الصهيونية.

يتباكون على العروبة والوطن العربي في أسوأ حالاته فالعراق الشقيق مازال يرزح تحت الاحتلال الأمريكي المباشر وجور الحكومات الاستبدادية الطائفية، والصومال قاعدة مُتقدّمة للقوات الأمريكية تُمزّق أوصاله الحروب الأهلية منذ أكثر من عقدين. و"اليمن السعيد" يلعق جراحه جرّاء الحكم الديكتاتوري الفاسد والتدخّل العسكري الأمريكي. والسودان يختنق بأزماته السياسية والاجتماعية ويقترب رويدا رويدا من التجزئة والتقسيم الذي سيحصل بعد الاستفتاء بالجنوب في السنة القادمة.

وخلاصة القول أنّ قمّة "سرت" ستكون مثل سابقاتها وهو أمر منطقيّ، فالنظام الرسمي العربي أعجز من أن يتجاوز وهنه وتفكّكه في ظلّ المعطيات الواقعيّة السائدة، ومن الوهم المُضرّ تعليق أيّ أمل على مثل هذه القمم خاصّة بعد رجحان كفّة موازين القوى داخل هذا النظام العربي لصالح محور "البترودولار" مضافا إليه مصر، الأردن، المغرب وتونس...

هذا المحور الذي يتخفّى وراء تسمية مغشوشة (الاعتدال) الذي يعني بصفة ملموسة من جهة الصمت بل المشاركة في تمرير المشاريع الامبريالية الغربية وخصوصا الأمريكية بالمنطقة، ومن جهة أخرى تنويع وتقوية جسور التطبيع مع الكيان الصهيوني.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني