الصفحة الأساسية > البديل الوطني > من تونس الاسم المجرّد إلى تونس الاسم المشترك
حالة مواطنة:
من تونس الاسم المجرّد إلى تونس الاسم المشترك
23 كانون الأول (ديسمبر) 2010

أوّلا وقبلا، إنّ ما يجري في ولاية سيدي بوزيد هذه الأيام هو مجرّد فاصلة موجزة أو عارض أحداث غير منفصل عمّا حدث ويحدث في أماكن عديدة مرئية وغير مرئية من التراب الوطني الحر. وما هذه الوقائع بخوارق فوق الطبيعة وإنما هي حقا مروّعات بشرية جدا بل تحت بشرية أصلا. هي طبيعية جدا لأن تونس دولة مستقلة وحديثة وذات نظام جمهوري تسمح به وحدة شعبها دما وروحا ووحدة إقليمها ومشترك مصيرها. وعليه، فما من جدوى من الإفلات من المسؤولية حيال العمق الاجتماعي والسطح السياسي والتناقض الحيوي والبعد القيمي لآفات عامّة الناس الذين يبتكرون ألف طريقة وطريقة في حياة كلّ يوم لمجرد الحفاظ ليلا نهارا على شكل من أشكال البقاء الذي يكاد يكون لا- حيويّا إطلاقا. ولا فائدة تذكر وتستحق هذا المعنى، ولو بعد الأزلية، من تجنب المنظار السياسي العيني والمباشر والحقيقي في واقع هذا الأمر. كما لا شيء يفيد عبث الاستعاضة عن الخيارات الاقتصادية والسياسية العامة بالآلة البوليسية التي لا توفر الأمن بقدر ما تخرق الحد الأدنى لنظام الكائن الحي والحد الأدنى للكرامة البشرية المنهوبة والمنكوبة أصلا في ظروف الحياة الراهنة. إذ ليس على الشعب أن يكون موسى وعصاه في نفس الوقت وليس عليه أن يكون أيّوب نفسه ونوق نفسه ولا أن يكون صديقا للحكومة حتى يكون شعبا ولا صديقا للمعارضة حتى يكون صديقا أو عدوّا لهذا أو لذاك وهو الهمّ الوحيد والأهم الأوحد من كل هذا قبل كلّ حساب وبعد كلّ "يمين". إذ لا سبيل أيضا لحكم الناس خارج المصلحة الوطنية الدّنيا والعامة. وبالأحرى والأولى، خارج الحدّ الأدنى المعيشي لعموم المعنيين بالبقاء الذين لهم اسم ولقب وتاريخ ولادة ومسقط رأس وأهل وبيت وجسم وروح وبطاقة هوية... وميل طبيعيّ إلى الحياة... واستعداد دائم للتنفس تحت الأنقاض والقفز في الهواء لمجرد رائحة ليمونة أو برتقالة... وإخلاص لقدرة النار على إزالة أيّ كمد عن النفس بمجرد قطرة سائلة...

لا يحدث أبدا حكم الناس، وهو لَعزاءي فنّ عظيم، خارج قوّة الصواب واقتدار الحق. ولا يحدث أبدا مثل هذا وذاك بتحويل الجمجمة إلى خلية ميتة مقتطعة من قبر متجول دون قامة تثقله وتحويل البطن إلى بقعة خز والحلم إلى قطعة فحم واللحم الحي الأحمر إلى قطعة عهن رمادية... وتحويل فكرة الأمة إلى فرن ذرّي وصراخها العام والعلني إلى خدعة صوتية زائدة عن الخيال وحديثها الخاص معصية كبرى لكلام الله... وإعلان الشارع ثكنة والبيت زنزانة ومجرد الاتصال سؤالا عن الحال تآمرا دفينا أو تخابرا عاجلا أو شهادة زور غير مرخص لها وتخطيطا لمجهول اسمه الغد بمجرد إعادة التركيب أو التأليف. إنّ إعادة التنظيم البنيوي لا تحجب عمّن يكتفي باستعمال حاسة وحيدة من حواسه خطر الفوضى المقننة بل خطر الجريمة المنظمة التي تعصف أكثر ما تعصف بضحايا السوق أفرادا وجماعات وفئات وجهات وعقولا...كما أن التنمية بكلّ أساطيرها وأوهامها لا تسحب مصيرية الانعتاق وتحديد المصير بالنسبة للأكثرية الآملة في العيش الواحد والتضامني بالحد القوي والايجابي للكلمة. وعلى كلّ ذلك ومن أجل ذلك كله فان أيّ جهد كيفما كانت بساطته وكانت ما كانت جهته، لا بدّ من أن ينصبّ في اتجاه أفق اجتماعي- سياسي منظور ويحقق القدرة الفعلية على البقاء البشري الحر والكريم. ولا بدّ لهذا الأفق من عمق تتجسد فيه قدرة الأمل الجماعي والمشترك والعام على البقاء والصمود والتقدم.

يستطيع الشعب التونسي مثله مثل سائر شعوب كرة الأرض أن يحكم نفسه بشكل من الأشكال التي تلائمه ولسبب بسيط ووحيد: هو أن لا شيء يعقل ويقبل ويمكن فعلا خارج المشترك الديموقراطي لكلّ المواطنين سوية وسواء.
يستطيع هذا الشعب، بعد إذنه، في هذه الدولة، بعد إذنه، أن ينظر إلى نفسه من خلال نفسه أي أن ينظر في الأمر أمره. أن ينظر إلى الإنسانية التي تعيش على هذه الأرض على أنها مجموعة بشرية من المواطنين المدنيين السياسيين الذين يتمتعون بالأحقية المتساوية والقدرة المتساوية على الحياة المشتركة والسلمية. ويستمتعون، إذا أحبوا، بياسمين تونس الأبيض السماوي.
هؤلاء المواطنون جميعا ومهما كانت الخيارات العامة للبلاد ومهما كان الحاكم والمحكوم وكيفما كانوا يتداولون الأيام بينهُمُ، لهم أن يتمتعوا بمجرد كونهم أحياء وبمجرد كونهم مواطنين بوسائل العيش. أن يكون لهم أجر أو نصيب أو عائد وجود أو منحة مواطنة... بجرة قلم جافة.
إن الأمر هكذا على بساطة قاتلة. يصبح مجرد التعقيد في البداهة جنونا والتهاون انتحارا. ليس حكرا على الجيوش الخائبة في كل أصقاع العالم ولا الشعراء ولا الفلاسفة...

إلى جسد المواطن محمد بوعزيزي،

من أجل جمهورية المواطنين
من أجل جمهورية الجماهير
لا لحاكميّة المال والسلاح والإعلام

البقاء للناس في مدن الناس

المواطن المتربّص: صلاح الداودي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني