الصفحة الأساسية > البديل النقابي > وإذا لم تستح... فافعل ما شئت...
وجهة نظر:
وإذا لم تستح... فافعل ما شئت...
4 كانون الثاني (يناير) 2008

تونس في 03 جانفي 2008

بقلم: عين من المرصد

لا شكّ في أن ما حدث خلال أيام 27 و28 و29 ديسمبر 2007 من مستجدات مرتبطة بملف المضربين عن الطعام داخل الإتحاد العام التونسي للشغل مثّل تطوّرا خطيرا في مسار العمل النقابي خاصة بعد مؤتمر المنستير. وفي ذات الوقت يعتبر ما حدث نتيجة طبيعية لخيارات محددة اتبعتها القيادة البيروقراطية الانتهازية للإتحاد في تناولها للملفات النقابية وهي خيارات طالما نبّه النقابيون الديمقراطيون إلى خطورتها وعملوا على فضحها ومقاومتها ممّا جعلهم مستهدفين بحملات الإحالة على لجان النظام والتشويه فصنّفوا ضمن "أعداء العمل النقابي والمنظمة وضمن السّاعين إلى إرباك الإتحاد وقيادته "المناضلة!!" كما يحلو للبعض تسمية أنفسهم.

يوم الخميس الماضي شهدت بطحاء محمد علي تجمّعا ضخما للمناضلين النقابيين حضروا من جميع الجهات لدعم المضربين عن الطعام وبحضورهم المكثّف أكّد المتجمّعون حقيقتين هامّتين: الأولى وعيهم العميق بأنّ ملفّ المطرودين الثلاثة ليس سوى قضيّة تكثّفت فيها أهمّ الأخطار التي تهدّد مستقبل الحركة النقابية والإتحاد كضرب حقّ الشغل القارّ والطرد الجماعي للعمّال واستهداف الحريّات النقابية والحقّ النقابي بما في ذلك حقّ الإضراب والحقّ في تكوين النقابات، وهنا يجدر التذكير باستفراد السلطة بوضع النصوص القانونية المتعلّقة بتأويل الإتفاقيّة الدوليّة 135 الخاصّة بحماية المسؤول النقابي وقد قامت بذلك لوحدها دون أدنى مراعاة لموقف الإتحاد الذي لم يحرّك ساكنا. أما الحقيقة الثانية التي أكّدها المتجمّعون فهي ما تختزله الحركة النقابية في تونس من طاقات نضالية، رغم محاولات التخريب الخارجي والداخلي التي تتعرّض لها، قادرة، متى وجدت القيادة المناضلة، على تحقيق الكثير من المكاسب للشغالين وللطبقة العاملة وعلى فرض هيبة منظمة العمال على كل المتآمرين والعاملين على تدجينها وجرّها إلى فلك سلطة الأعراف. ورغم أنّ الإتحاد العام التونسي للشغل في أشدّ الحاجة لمثل هذه التجمعات قبل انطلاق المفاوضات الإجتماعية إلا أنّ قيادة البيروقراطية الإنتهازية عمدت وبجرأة غريبة إلى شجب واستنكار هذا التحرك حيث عقد المكتب التنفيذي اجتماعا طارئا ندّد فيه بالمتجمعين وتبرأ فيه من الشعارات التي رفعوها معتبرا ما قاموا به "...محاولة لإرباك القيادة... وإدخالا للبلبلة في صفوف النقابيين... وتوظيفا لنضالات الشغالين لغايات غير نقابية!!".

المضحك المبكي في ما حدث يوم الخميس 27 ديسمبر 2007 هو أنّه في الوقت الذي سارع فيه أعضاء المكتب التنفيذي مهرولين للإجتماع بمقرّ "القيادة العامة!!" للتنديد بالمتجمعين كانت قوات القمع تحاصر النقابيين الغاضبين وتعنّفهم مانعة إياهم من محاولة الخروج في مسيرة للتنديد بسياسة السلطة ووزارة التربية. لقد وجد المناضلون أنفسهم وقتها بين سنديان البيروقراطية ومطرقة البوليس ورغم ذلك تمسكوا بحقهم في التعبير والتظاهر ورفعوا شعاراتهم غير آبهين بعصا البوليس وبنداءات "المتعقّلين!!" من خدم البيروقراطية الداعين إلى إجلاء البطحاء وعدم النزول إلى الشارع والدخول إلى إحدى قاعات الإتحاد مسقطين بتلك المقترحات ونهائيا آخر أقنعة النضال التي يلبسونها وكاشفين حقيقة ولائهم التام للبيروقراطية ولمشاريعها.

لقد بيّنت أحداث يوم الخميس عزم البيروقراطية، بتنسيق مع الموالين لها، على إنهاء تحرّك إضراب الجوع بالصّيغ التي أرادتها السلطة غير آبهة لما سينجرّ عن مثل ذلك التصرّف من تأثيرات سلبيّة جدا على العمل النقابي وعلى المنظمة وهذه حقيقة أكّدها إقدام المكتب التنفيذي في الأيام الأخيرة على مجموعة من الخطوات هدفها وضع حدّ للتحرّك المتعلّق بإضراب الجوع رغم اقتناعه التام بأنّه لن يحصل ولو على مكسب واحد من السلطة مقابل تنازله. وأهمّ تلك الخطوات كانت:
-  عدم الدعوة إلى أيّ تحرّك ميداني لمساندة إضراب الجوع والإكتفاء بالمساندة الشفويّة الباهتة.
-  إصدار أول موقف مكتوب داعم للإضراب بعد ستة وثلاثين يوما (!!) من انطلاقه ضمن بلاغ تضمّن دعوة لحلّ إضراب الجوع فورا، وهذا ما يؤكّد انحيازه إلى موقف السلطة الرافض لأيّ تفاوض قبل حلّ إضراب الجوع.
-  رفضه تمكين قطاع التعليم الثانوي من هيئة إدارية إلاّ بعد حلّ إضراب الجوع ضاربا عرض الحائط بقوانين المنظّمة واستقلالية القطاعات وحقّها في اتخاذ قراراتها وخاصة جوهر المسألة الديمقراطية في المنظمة لتؤكد مرة أخرى صحّة ما ذهب إليه النقابيون الديمقراطيون عندما نبّهوا إلى خطورة مصادرة الرأي وحقّ الإختلاف وحقّ التعبير داخل المنظمة.
-  حال انتهاء الهيئة الإدارية قام بإصدار بيان تبنّى فيه موقف السلطة حرفيا لوضعية المطرودين الثلاثة حيث جاء فيه في النقطة الثانية: "... يدعو وزارة التربية... من أجل تجديد عقود الأساتذة (الذين لم يعودوا متعاونين بل متعاقدين!!)..." رغم معرفته جيدا لموقف القطاع من المسألة، كما تضمّن البيان في نقطته الرابعة تنصّلا واضحا ممّا جدّ في بطحاء محمد علي يوم التجمّع.

لقد أسقطت الأحداث الأخيرة كلّ الأقنعة التي اختفى وراءها هذا المكتب "الشريعي / التنفيذي !!" للإتحاد وسقطت أوهام المراهنين على "بعض الأصوات الديمقراطية!!" داخل المكتب التنفيذي إذ أنّ أحدا، من أعضاء المكتب التنفيذي، لم يحرك ساكنا لمعارضة القرارات المتّخذة والمعادية لمصالح العمال. لقد آن الأوان لكي يقف كل الغيورين على مصلحة المنظمة والطبقة الشغيلة ضدّ هذا التيار البيروقراطي الإنتهازي ويعيدوا ترتيب الوضع داخل المنظمة لأنّ الواقع يثبت اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى أنّ المعركة الملحّة الآن أصبحت داخل المنظمة حتى تستطيع مواجهة السلطة وأذنابها ومشاريعها.

المصدر نشرية: "الديمقراطية النقابية والسياسية" عدد 113 ليوم 04 جانفي 2008

http://fr.groups.yahoo.com/group/democratie_s_p


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني