الصفحة الأساسية > البديل النقابي > ورطة وزارة التربية والتكوين وصمود المناضلين
إضراب الجوع:
ورطة وزارة التربية والتكوين وصمود المناضلين
10 كانون الثاني (يناير) 2008

بقلم : نقابي بالاتحاد العام التونسي للشغل

والآن بعد أن تم تعليق إضراب الجوع الذي نفذه الأساتذة المطرودون عمدا على امتداد 39 يوما وما أحدثه ذلك من حالة استياء واحتجاج كبيرين على سياسة وزارة التربية والتكوين من النقابات والجمعيات والمنظمات والأحزاب المستقلة على النطاق الوطني والعالمي فقد بات ضروريا أن يتم التقييم والمحاسبة الموضوعية ومن جانبي ارتأيت بصفتي أحد المواكبين لحركة إضراب الجوع ولمختلف تفاعلاته أن أقدم وجهة نظر في ردود الوزارة وتبريراتها فيما أقدمت عليه من طرد تعسفي للمدرسين الثلاثة.

لقد قرأت باستغراب شديد أجوبة السيد محسن القروي مدير مدرّسي المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية بوزارة التربية والتكوين حول إضراب ثلاثة أساتذة متعاونين صنف "أ" عن الطّعام بجريدة "الشّروق" بتاريخ 09 ديسمبر 2007 فاعتقدت للوهلة الأولى أنني إزاء تصريح لمدير مؤسسة خاصة تحكمها علاقات شغلية جديدة بدأت تتبلور بوزارة التربية والتكوين وهي تنبني على تشريع مستحدث في الوظيفة العمومية لا نعلمه، شرع يسوّق له السيد القروي تمهيدا لخصخصة المؤسسة التربوية و يعتمد قاموسا جديدا يضبط الانتداب والتشغيل...إلخ.

ففي الأسطر التي قرأتها والتي يبدو أنه خطّها ـ وبتنسيق تام مع المسؤول الأول بالوزارة ـ على رويّة وبتمحيص إجابة عن أسئلة يعلمها سلفا سقط السيد القروي في تكرار وخلط كبيرين، فهو لا يُجيد الحديث إلاّ عن "العقد" و"التّعاقد" و"المتعاقد" و"العقود" و"إمضاء العقد"...إلخ وكأنّه يتحدّث عن علاقة عرف بعامل في مصنع يعمل به أجراء متعاقدون وفق فصول من مجلة الشغل مثلا أو تشريع آخر غير القانون المعلوم، فأصبح الأستاذ أجيرا عند هذا المدير أو ذاك الوزير يتعاقد ويمضي العقد فـ"هم من صنف المتعاقدين ويخضعون لشروط العقد وليس لقانون الوظيفة العمومية" حسب رأي السيد القروي!!! ولا يخضع "العقد" لأيّ مرجع قانوني سوى "تقييم أداء المتعاقد تقييما شاملا يأخذ بعين الاعتبار الجوانب البيداغوجية والإداريّة وكلّ ما يتعلّق بالعمليّة التربويّة" فإذا سلّمنا بأنّ الوزارة تحترم هذه "القواعد" وتجدّد "العقود" على هذا الأساس وحده فبماذا تبرر الوزارة إذن قرارها بطرد عفوا بعدم "تجديد العقد" للأساتذة المطرودين الثلاثة؟ هل أنّ علي الجلولي ومعز الزغلامي ومحمد المومني من أولائك الذين سقطوا في "التّقييم الشّامل"؟ هل للسيد محسن القروي أن يقدّم الدّليل على "ضعف" أداء هؤلاء الأساتذة؟ لا أظنّه قادرا على تقديم الحجّة والدليل لأنّه وبكلّ بساطة لا يملكها لأنّه استند في تقييمه لهؤلاء الأساتذة على تقييمات أخرى لا تمت بصلة إلى التقييمات الموضوعية وهو ما حدا بالإطار البيداغوجي وأعني بالمتفقدين عبر نقابتهم إلى إصدار بيان يتبرؤون فيه من محاولة وزارة الإشراف تغطية قرارها التعسفي القاضي بطرد الأساتذة الثلاثة ومحاولة الزّج بإطار التفقد فيه. نعم لقد تحصّل السّادة الأساتذة على تقارير بيداغوجيّة وأعداد إداريّة لايقدح فيها أحد عاقل. والغريب أنّ التقييمات كانت أفضل من أعداد بعض المترسّمين منذ سنوات وليس ذلك دليل ضعف أو تهاون.

فماذا يعني طرد أستاذ معاون له عدد بيداغوجيّ (12 من 20) وعدد إداريّ (65 / 100) مثلا فهل أخضعوه لمعايير "التّقييم الشّامل" الموضوعي؟ أم إلى تقييمات ما فوق تربويّة وما فوق بيداغوجية وإداريّة. إنّها مقاييس أخرى سياسية ونقابية يعرفون تفاصيلها، وهو ما يعمّق لدى الكثير الوعي أنّ تلك القرارات تعكس نزعة معادية للعمل النقابي والنّقابيين داخل وزارة التربية والتكوين وتتلاعب بحق الشغل كحق قانوني لايقبل المساومة.

القرار الأرعن وفضيحة وزارة التربية والتكوين

إنّ المتتبّع للجدل الدائر بين النقابة العامة للتعليم الثانوي ووزارة التربية والتكوين حول إضراب الجوع وأسبابه وخلفياته يتوقف عند حقيقة مفزعة لكل من يحمل بصيصا من العقل أو حدا أدنى من الحسّ السليم. وبسبب حالة التخبط التي وقعت فيها وزارة التربية والتكوين أضحت تبحث عن مسوغات لتبرير عملية الطرد للمدرسين معز الزغلامي، علي الجلولي ومحمد المومني وكلنا يعلم المبرّر الذي تقدم به السادة المسؤولون منذ انطلاق المشكل وهو "الضعف البيداغوجي والإداري" الذي اتسمت به ملفات الأساتذة الثلاثة إلاّ أنّ الحجج والمدعمات المكونة لملفات أولائك المدرسين سفهت أكاذيب الوزارة. وهي ملفات بين أيدي النقابة وعموم الأساتذة.

وكمحاولة من الوزارة لتغطية ذلك الادّعاء الباطل الذي انكشف لعموم الناس اختلقت تعلاّت أخرى تقدمت بها خلال الجلسة المنعقدة بينها وبين وفد من المكتب التنفيذي والكاتب العام للنقابة العامة للتعليم الثانوي فقد اعتبرت يومها أنّ عدم "تجديد عقود" الأساتذة الثلاثة كان ناتجا عن حصول زيادة عن النصاب شملتهم هم الثلاثة دون غيرهم؟؟؟ وهو ما يعني ضمنيا حصول نقص في حاجيات الوزارة خلال هذه السنة الدراسية 2007/2008 في مادتيْ الفلسفة والانقليزية على الأقل في الجهات التي يعمل بها هؤلاء الأساتذة وفي واقع الحال فُرض هذا الأمر على الوزارة أن تتخلى عنهم الثلاثة وكأنما هم مع بقية الأساتذة المعاونين وربما الأساتذة المتربصين وغيرهم في عداد الاحتياطي أو "العجلة الخامسة". وما يزيد الرّيبة حقا ويؤكد انفضاح أمر الوزارة أنّها انتدبت فعلا أساتذة من نفس صنف الزملاء المطرودين حسب ما صرّح به ممثلو الوزارة خلال تلك الجلسة!!! لتعويض الأساتذة الثلاثة وتوفير الحاجيات الطارئة حسب تعبير الوزارة فأين تكمن الزيادة عن النصاب إذن؟؟؟ وإن كانت الزيادة عن النصاب قائمة فعلا فلماذا مسّت هؤلاء الأساتذة الثلاثة دون غيرهم فهل هي الصّدفة أم الحظّ السيّئ؟؟؟ أم أشياء أخرى لايعلمها إلا مسؤولو الوزارة!!! إنها ليست الصدفة ولا سوء الحظ ولا الأقدار طبعا.

ولم تكتف الوزارة بعرض هذا التبرير المفضوح بل ذهبت إلى الادّعاء بأن المدرسين الثلاثة لم يطردوا بسبب مشاركتهم في إضراب 11 أفريل 2007 لأنهم لم يضربوا أصلا كما أنهم غير منخرطين بالاتحاد!!! لتبرئة ذمتها تجاه النقابيين. مرة أخرى تنكشف ادعاءات الوزارة من خلال مسؤوليها لأن هؤلاء الأساتذة أضربوا في اليوم المذكور بحسب قرار خصم يوم العمل غير المنجز بتاريخ 11 أفريل 2007 الذي استظهر به السيد معز الزغلامي على سبيل المثال. و قد وصل الإسفاف بالوزارة إلى حدّ تبرير صنيعها فعبرت عن تبرمها من دفاع النقابة عن المظلوم وإن كان غير منخرط بالاتحاد العام التونسي للشغل!!! ثم أليس في ذلك تدخل في الشأن النقابي؟ لقد شرح الكاتب العام النقابة للتعليم الثانوي من خلال قناة "الحوار التونسي" بما يكفي مشكلة التعطيلات التي تمارسها الوزارة لتأخير عملية خصم الانخراط لآلاف الملتزمين بالانخراط ولا فائدة من الرجوع إليها.

هل يفيد تّعنّت وزارة التربية والتكوين؟

بالعودة إلى حديث السيد محسن القروي ومسألة "العقد" و"التقييم الشامل"..إلخ وبالرجوع إلى البلاغ الصحفي الذي تناقلته وسائل الإعلام ووكالات الأنباء وكذلك بالعودة إلى "التّوضيحات" التي تقدّم بها السيد مستشار وزير التربية والتكوين في قناة "الجزيرة" نجد إصرارا شديدا من الوزارة على تأكيد الطابع التعاقدي لانتداب الأساتذة المعاونين بمرجعية لا قانونية وبخطاب تبريري غير متماسك فيه استخفاف واضح بالقانون وتلاعب بالمفاهيم. ومع تأكيدنا على زيف الخطاب الوزاري بهذا الخصوص وهو الذي لا يملك أي مسوّغ قانوني فإننا مع ذلك نؤكد ما يلي:

إذا كانت الوزارة قد ارتبطت بهؤلاء المدرّسين بعقود كما تدّعي فبماذا تفسّر عدم تجديدها لتلك العقود مع هؤلاء الأساتذة على الرغم من كفاءتهم المهنية والتزامهم بالتّراتيب الإداريّة (الملاحظات والأعداد البيداغوجية والإدارية جيدة)؟ وهل أن "التّقييم الشّامل" الذي تحدّث عنه السيد القروي يشمل غير الكفاءة المهنية والالتزام بالتراتيب الإدارية؟ وما هي شروط تجديد "العقود"؟ وهل أن إعادة انتداب أستاذ معاون متحصّل على عدد بيداغوجي 05 من 20 تخلت عنه الوزارة في شهر جويلية 2007 يمثل التزاما منها بالموضوعية التربوية والجدّية والشّفافية؟؟؟ وفي المقابل حينما ترفض رفع مظلمة على أستاذ معاون له عدد بيداغوجي 12 من 20 وعدد إداري 65 من 100 على سبيل المثال ألا يمثل هذا الصنيع استهتارا بالمستوى التعليمي وتجاوزا للقانون والأخلاق؟ ثم إذا كان "العقد" المزعوم محددا بالزمن أي بالمدة المؤقتة مثلما تعلن الوزارة وتحديدا نهاية شهر جوان فكيف لا تعلم المعني بالأمر بقرارها إلا قبل انطلاق السنة الدراسية بيومين أو ثلاثة؟ ثم كيف سمحت لهم بالمشاركة في الأنشطة التكوينية خلال الصائفة؟ بل كيف تواصل صرف مرتباتهم لما بعد نهاية "العقد" لو لم يكن القرار قد اُتّخذ مع قرار نقل 97 أستاذ خلال الصائفة على خلفية معادية للعمل النقابي؟ ألا تدفع الوزارة بهذه التّصرفات المشبوهة إلى تعميق الشكوك فيما تصرّح به وتفعله وهي المؤتمنة على التربية والأخلاق؟ لم يعد خافيا على أحد بعد إضراب الجوع الذي نفذه الأساتذة الثلاثة على مدى 39 يوما وبعد أن انكشف المستور لم تعد أحاديث العائلات ورواد المقاهي والكبار والصغار على حد ّالسّواء... حول الانتدابات المشبوهة وآلاف الدنانير التي تّدفع للحصول على عمل بوزارة التربية والتكوين وعن إقصاء وتهميش كل من تشتمّ منه الوزارة رائحة المعارضة أو الانتماء النقابي أو السياسي أمرا معروفا بل أصبح شائعا عند الجميع وما الاحتجاجات التي احتدت في جهة الرديف وفي مناطق أخرى إلا تعبيرا عن حالة احتقان تغذيه تصرفات وزارة التربية والتكوين بقراراتها الانتقامية ضد شريحة هامة من أبناء هذا الشعب فهل أصحاب القرار بالوزارة يدركون خطورة ما أقدموا عليه كأنهم يصبّون الزيت على النار. أما إذا فلت أحد الشباب العاطل من غربال التصفية الأولى فإن الغربلة ستلاحقه مثلما فعلت الوزارة مع هؤلاء الأساتذة الثلاثة الذين ناضلوا وكافحوا لتأكيد حقهم في العمل وإثبات جدارتهم بمهنة التدريس فإن التّصفية ستلاحقهم وتجبرهم على خوض أعتى كفاح حينما انسدّت الأبواب أمامهم واشتدّ الظلم وهو النضال عبر إضراب الجوع والمخاطرة بالحياة، ومع ذلك يواصل المسؤولون بوزارة التربية والتكوين استهتارهم واستخفافهم بأبسط الحقوق وبأقدس ما في الإنسان وهو الحق في الحياة.

نقابي بالاتحاد العام التونسي للشغل

المصدر نشرية: "الديمقراطية النقابية والسياسية" عدد 121 ليوم 10 جانفي 2008

http://fr.groups.yahoo.com/group/democratie_s_p


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني