الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مواصلة للنهج الرأسمالي الليبرالي للحكومات السابقة
الخيارات الاقتصادية المعلنة لحركة النهضة:
مواصلة للنهج الرأسمالي الليبرالي للحكومات السابقة
3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

أفرزت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي فوز حركة النهضة بأكثر من 40% من المقاعد داخله مما يخول لها دورا أكبر في تشكيل الحكومة الجديدة وتحديد ملامح التوجهات الاقتصادية للبلاد في الفترة التي سيستغرقها إعداد الدستور الجديد وإلى حد إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة. فهل نجحت النهضة بفضل قوة برنامجها؟ أم ساعدتها على هذا الفوز الكاسح عوامل أخرى؟

لا يمكن لهذا الحزب/الحركة أن يدعي أن نجاحه يعود إلى قوة برنامجه الاقتصادي وهو الذي لم يَمض على نشره سوى بضعة أسابيع والذي سنحاول أن نبين عدم اختلافه جوهريا عن محتويات مخططات حكم بن علي ولا مع سياسة الحكومة الانتقالية الحالية التي نعتبرها مواصلة له.

فشل الخيارات السابقة

إن هذا النجاح الانتخابي يعود إلى عدة أسباب من بينها المناخ العام الذي سبق وزامن الانتخابات والذي اتسم بالزيغ عن الشعارات التي رفعتها الثورة نحو قضايا استقطاب إيديولوجي لم تكن مطروحة أصلا مثل قضية الهوية والعلمانية وهي قضايا ألهت النخب والشعب وأفادت كثيرا حركة النهضة لاحقا، دون أن يخفى على أحد توظيفها لخطاب ديني أخلاقوي يجد أرضيته في حالة الانهيار القيمي التي خلفتها حقبة بن علي كما لا يمكن للنهضويين آن ينكروا استخدام مختلف الفضاءات وبالذات دور العبادة في استقطاب الناخبين وفي تشويه منافسيهم السياسيين ومن ضمنهم حزب العمال، هذا مع إقرارنا بحسن إدارتهم لحملتهم الانتخابية بطريقة ماكيافيلية باهرة جندوا لها طاقات بشرية وإمكانيات لوجستية ومادية وإعلامية يفتقدها منافسوهم خصوصا من اليساريين. أما الآن وبعد أن نجحت النهضة في الوصول الى الحكم هل يمكنها أن تحقق لعموم الشعب التونسي الأهداف الاجتماعية للثورة؟

حسب اعتقادي إن أهم الأسباب البعيدة للثورة هي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي عرفتها البلاد بداية من أواخر سنة 2008 كنتيجة لمنوال اقتصادي تابع أدمج الاقتصاد في العولمة الرأسمالية برعاية المؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوروبي، منوال جعل الاقتصاد التونسي وبالذات قطاعاته الرئيسية شديدة التأثر بالتقلبات الخارجية في مركز النظام الرأسمالي، من ذلك أنه في بداية سنة 2009 شهدت صادرات قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية تراجعا بنسبة فاقت 16% وذلك خلال الخمسة أشهر الأولى لتلك السنة لوحدها دون الحديث عن التراجع الكبير لصادرات النسيج المتأزمة أصلا منذ تحرير قطاع الملابس بموجب اتفاقيات ضمن منظمة التجارة الدولية بداية من 2005 كما أن أكثر من 400 مؤسسة مصدرة كليا أو جزئيا قد تأثرت بالأزمة إلى حدود منتصف سنة 2009 وذلك بسبب انكماش الطلب الخارجي خصوصا من بلدان الاتحاد الأوروبي الذي تستوعب سوقه أكثر من 80% من قيمة الصادرات التونسية. وطبيعي جدا أن تكون لهذه الصعوبات الاقتصادية انعكاسات مباشرة على الوضع الاجتماعي فلقد تمت إحالة آلاف العمال على البطالة الفنية ومراجعة عقود آلاف آخرين من خلال تخفيض ساعات عملهم وبالتالي أجورهم وقد شملت هذه المراجعة أكثر من 70.000 عامل. وعموما فقد انخفضت نسبة نمو الناتج القومي الخام في تلك السنة إلى 3% تحت تأثير الأزمة (كان المخطط الحادي عشر يراهن على نسبة نمو سنوي يفوق 6%) وتجاوزت نسبة البطالة الرسمية المعلنة 13% سنة 2010 وقد زادت ظروف الثورة في تعقيد مشكلة البطالة التي تشمل حسب ما أوردته صحيفة الحياة في عددها ليوم 7 سبتمبر 2011 على لسان وزير المالية في الحكومة المؤقتة الحالية « 700.000 عاطل من بينهم 160.000 من حاملي الشهادات العليا».

كما أن الاختيارات اللاشعبية للنظام السابق وهي في جوهرها رأسمالية ليبرالية قد أفرزت تفقيرا لحوالي ربع عدد التونسيين (24% حسب ما أعلنته وزارة الشؤون الاجتماعية بعد الثورة). كما أن نفس الخيارات قد مكنت رأس المال الأجنبي من التغلغل في مفاصل الاقتصاد التونسي فحسب دراسة للأستاذ فتحي الشامخي فقد استحوذ الاستثمار الأجنبي على 87% من قيمة عمليات التفويت والخوصصة ومن التحكم في أكثر من نصف قيمة الصادرات الصناعية وترتفع هذه النسبة أكثر في الصناعات الكهربائية والميكانيكية. فكيف ستتعامل حركة النهضة وهي في موقع الحكم الآن مع هذا الواقع الاقتصادي الذي يتسم بتأزم هيكلي ناجم عن اختيارات رأسمالية تابعة ؟ وهل تقطع خياراتها وتوجهاتها المعلنة مع الخيارات والتوجهات التي سبقتها والتي كانت من أسباب الثورة؟؟

برنامج النهضة مواصلة لبرنامج بن علي

تؤكد تصريحات زعماء هذا الحزب - بعد الإعلان عن نجاحه في الانتخابات- والتي جاءت كلها بمثابة رسائل طمأنة إلى الغرب الامبريالي (الذي يبدو أن النجاح الانتخابي أنسى النهضويين طبيعته)، على تبني توجهات ليبرالية على المستوى الاقتصادي خصوصا وأن القاعدة الاجتماعية لهذا الحزب تضم شريحة واسعة من التجار ومن المستثمرين الحريصين على سياسة اقتصادية ليبرالية، كما أنه وهو ما لا يمكن نكرانه يفتقد لخطة واضحة المعالم لتغيير السياسة الاقتصادية التي انتهجتها الحكومات السابقة منذ 1986 وصولا إلى الحكومة المؤقتة الحالية لذلك تعتزم حركة النهضة حسب ما أوردته صحيفة الوسط التونسية في نشرتها الإلكترونية في تصريح منسوب لسمير ديلو يوم الجمعة 28 أكتوبر 2011 اعترف فيه «أن الحزب يميل إلى الإبقاء على خطوط استراتيجية الحكومة الانتقالية الحالية» وهو ما يستوجب حسب فهمنا الحفاظ على أهم رموزها في الميدان الاقتصادي والمالي ونعني بذلك وزير المالية جلول عياد الذي كان يشغل منصبا كبيرا في السيتي بنك الأمريكي وفي البنك المغربي للتجارة الخارجية وبنوك إماراتية ومصطفى كمال النابلي الذي كان يترأس إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي، وفي الإبقاء عليهما – إن حصل ذلك وهو الأرجح- إشارة واضحة إلى مواصلة نفس نهج الالتزام بالرأسمالية الليبرالية الذي ترعاه هذه المؤسسات المالية الدولية . فمصطفى كمال النابلي هو صاحب خطة «الياسمين» التي تطبقها الحكومة الحالية والتي حشدت لها الدعم المالي لمجموعة الثمانية والاتحاد الأوروبي والتي تستهدف» تعزيز الاندماج في الاقتصاد العالمي».

وفي نفس السياق صرح رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي لوكالة رويترز البريطانية يوم الجمعة 28اكتوبر 2011 انه «سينتهج سياسة اقتصاد حر تضمن أن يكون الدينار عملة قابلة للتحويل» وهو إجراء يهدف عادة إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي وتحرير التجارة ويعتبر من تعهدات حكومة بن علي إلى الدوائر المالية الدولية منذ سنوات، ولم ينس رئيس النهضة أن يؤكد في تصريحه لوكالة تونس إفريقيا للأنباء في نفس اليوم «التزام تونس بتعزيز روابطها كشريك استراتيجي ومع صديقتها الولايات المتحدة» وهي ذات توجهات حزب العدالة والتنمية في تركيا الذي يعد الآن النموذج المقبول غربيا في المنطقة.

وتعبر هذه التوجهات عن أن الحركات «الإسلامية» حركات ليبرالية لا تناقض جوهري في المصالح الاقتصادية بينها وبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ليبقى السؤال مشروعا: هل أن الخيارات التي أفرزت البطالة والفقر والتهميش في زمن بن علي يمكنها أن تؤدي إلى نقيض ذلك إذا طبقتها حكومة بقيادة حركة النهضة وضمت بعض رموز السياسة المالية والاقتصادية لبن علي؟

تحديّات لا يمكن تجاوزها بنفس الخيارات

كما أنه إذا سلمنا سلفا أن قسما من البورجوازية المحلية قد حقق جزء من مطالبه بالتخلص من عائلة بن علي وأصهاره ومن قهر جهاز الدولة الاستبدادي الذي كان معرقلا لتطوره فإنه بالمقابل لازالت الفئات التي قامت الثورة بدءا بالمعطلين والمهمشين والكادحين وبعض شرائح البورجوازية الصغيرة تنتظر تحقيق مطالبها. فكيف للنهضة أن تحقق مطالب هذه الفئات وكيف ستواجه تحركاتها المطلبية المشروعة؟

إذا كان الخطاب الأخلاقوي قد ساعد الحركة على استقطاب جزء هام من المواطنين إبان الفترة السابقة فإن نفس هؤلاء باتوا ينتظرون إجراءات ملموسة فكيف يمكن ترفيع نسبة النمو السنوي الى 7% ليمكن استيعاب هذا العدد الكبير من العاطلين دون المضي في تقديم التنازلات للدوائر الرأسمالية الأجنبية؟ وهل يمكن للرأسمال الخليجي (وبالذات القطري في الظرف الراهن) الذي تعدنا النهضة بتدفقه على بلادنا أن يغني عن الاستثمار الأوروبي خاصة الفرنسي وهو ما يستوجب منها تطمينات للأوروبيين حول المشروع المجتمعي وحول مجال الحريات والحقوق المدنية وهو ما لم يتخلف زعماء النهضة عن الإدلاء به في كل المحافل الإعلامية؟ وكيف ستتعامل حكومة النهضة مع مطالب العمال والموظفين بخصوص ترفيع الأجور بما يمكن من تحسين القدرة الشرائية التي اهترأت طيلة حقبة بن علي بسبب اختيارات تشير التصريحات المعلنة لزعماء النهضة بعد الفوز بالانتخابات أنهم لن يقطعوا معها على الأقل على المدى القصير؟ وكيف يمكن النهوض بالجهات الداخلية في ظل اختيارات تدمج الاقتصاد التونسي في العولمة الرأسمالية التي يعرف جميع مبتدئي علم الاقتصاد أنها تؤدي إلى اختلال إقليمي لفائدة الجهات الساحلية؟

في اعتقادنا أن التحديات الاقتصادية أمام الحكومة الجديدة لا يمكن تجاوزها بالإمعان في سياسة اقتصادية رأسمالية ليبرالية وبمواصلة المراهنة على الاستثمار الخارجي مهما كان مصدره وعلى السوق الخارجية. وإن الإصرار على نهج أثبتت كل الهزات التي عرفتها البلاد فشله سيوقع لا محالة الحكومة في مأزق مع الفئات والجهات التي شاركت في الثورة والتي كانت محركا لها.

محمود نعمان



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني