الصفحة الأساسية > البديل العالمي > الإرهاب والإرهاب المضاد
الإرهاب والإرهاب المضاد
20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2003

في ظرف أسبوع تعرضت كل من مدينتي الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، وإسطنبول، عاصمة تركيا، لهجمتين مسلحتين شنتهما –على ما يبدو- مجموعات انتحارية. وقد استهدفت الهجمة الأولى، يوم 8 نوفمبر الجاري مجمعا سكنيا يقطنه في الأساس رعايا غربيون وأدت إلى مقتل أكثر من 17 شخصا وعشرات الجرحى. أما الهجمة الثانية فقد استهدفت يوم 15 من نفس الشهر كنيستين يهوديتين وأدتا إلى مقتل أكثر من 25 شخصا وجرح قرابة 300.

وقد جاءت هذه الهجمات لتفند مزاعم جورج بوش الابن بأن احتلال أفغانستان والعراق مثلاَ "خطوة هامة على طريق القضاء على الإرهاب" الذي اتخذت الإدارة الأمريكية من مقاومته ذريعة لاحتلال هذين البلدين في نطاق سعيها المحموم إلى إعادة اقتسام مناطق النفوذ في العالم وتكريس هيمنتها المطلقة عليه. وتدل عديد المؤشرات ومنها ما حدث في الرياض يوم 12 ماي 2003 ويوم 8 نوفمبر من نفس السنة، وفي الدار البيضاء يوم 16 ماي 2003 وفي تركيا مؤخرا أن الأعمال الإرهابية ضد المصالح الغربية وفي مقدمتها المصالح الأمريكية، سواء كانت داخل البلدان الغربية ذاتها أو خارجها، مرشحة لتصعيد خطير في المستقبل، تصعيد في مستوى شراسة الهجمة الامبريالية، بقيادة الولايات المتحدة على الشعوب وفي مقدمتها الشعوب العربية والإسلامية.

وهذا الأمر طبيعي في رأينا. فما تمارسه الامبريالية الأمريكية وحلفاؤها من إرهاب على هذه الشعوب من أجل إخضاعها والسيطرة على ثرواتها الاقتصادية والتحكم في مصائرها، وما تقدمه من دعم للعصابة الصهيونية التي لا تتوقف عن تقتيل الشعب الفلسطيني، لا يولد لدى هذه الشعوب التي تشعر بالإذلال والمهانة القومية سوى النقمة. وهذه النقمة يمكن أن تعبر عن نفسها بعدة أشكال من بينها الإرهاب الذي ترى فيه بعض الفئات "الجواب الأسلم" على الإرهاب المسلط عليها، إرهاب القوة العظمى، فتتحول المعادلة إلى "إرهاب وإرهاب مضاد".

ومن البديهي أننا حين نقول هذا الكلام ليس من باب الدفاع عن الإرهاب كأسلوب نضال سياسي وعسكري وإنما من باب تحديد أسبابه. فالإرهاب الذي نشهده اليوم في البلاد العربية والإسلامية خاصة هو في الواقع رد فعل المضطهدين والمسحوقين والشاعرين بأنهم مغتصَبون في كرامتهم وفي هويتهم على إرهاب الدولة العظمى وغطرستها، وعلى إرهاب ربيبتها الصهيونية المجرمة والعنصرية والفاشية والتوسعية، وعلى إرهاب عملائها الذين يحكمون شعوبهم بالحديد والنار دفاعا عن مصالحها في الأقطار العربية والإسلامية.

ولكن الإرهاب، مهما كانت دوافعه ليس أسلوب النضال السليم. وهذا ما أكدته مجريات الأمور بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. فقد استغلت الدول الامبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تلك الأحداث لإحكام قبضتها على شعوبها وتشريع غطرستها على شعوب العالم وفي مقدمتها الشعوب العربية والإسلامية بدعوى "مقاومة الإرهاب". وليس من المستبعد، بل من المتأكد أن ما حدث في الرياض والرباط وتركيا ستستغله الإدارة الأمريكية لمزيد حشر أنفها في الأقطار العربية (إرسال جيوش من الاستخبارات، تكثيف التدخل في تحديد سياسات الدول، تبرير اعتداءات جديدة…) كما ستستغله الرجعيات العربية لتبرير مزيد قمع شعوبها وتأخير الاستجابة لتطلعاتها الديمقراطية بدعوى "أولوية ضمان الاستقرار الأمني".

إن النضال الشعبي التحرري بمختلف أشكاله السياسية والعسكرية، التي تراعي ظروف كل بلد والمهمات المطروحة عليه، هو وحده الذي يقدم قضايا الشعوب، حتى يوجه ضرباته رأسا إلى مقاتل العدو، لأنه في هذه الحالة لا يمكن تشويهه أو عزله أو الخلط بينه وبين الإرهاب. إن الغاية المشروعة ينبغي أن تتبع في تحقيقها وسائل مشروعة. فحين تكون الغاية هي التحرر من ربقة المحتل أو من نيـر الدكتاتورية، أي حين تكون الغاية تحقيق الاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم والمساواة، فمن الضروري أن تستلهم الوسائل من مشروعية هذه الأهداف فيكون النضال مركزا على مقومات الاحتلال (من جيوش وفرق أمنية) أو على مقومات الدكتاتورية (مؤسسات عسكرية وأمنيــة وسياسية…).

إن معضلة الإرهاب أنه يضر القضايا التي يزعم معتنقوه الدفاع عنها. وهو يضر لأنه لا يفهم أنه لا يمكن اعتبار مجموعة بشرية معينة أو شعبا أو أمة ما مذنبة برمتها بسبب انتمائها العرقي أو الديني أو القومي أو الايديولوجي. وهو ما يسهل إثارة الناس في البلدان المستهدفة ضد مرتكبي الأعمال الإرهابية وتشويههم وتشويه القضية التي يزعمون تبنيها وتشريع أشنع الأعمال الإجرامية والقمعية على حساب أصحاب القضية الأصليين. لذلك فإننا نرى أن تحقيق الاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم للشعوب العربية والإسلامية لا يمكن أن يتم إلا عن طريق تعبئة هذه الشعوب وتنظيمها وتوعيتها ضد مضطهديها ومستغليها والحائلين دون نهضتها وتطورها من قوى امبريالية وصهيونية ودكتاتوريات عميلة وفاسدة، وتوجيه ضربات المقاومة التي تصدر عنها إلى حيث ينبغي أن توجه وليس توجيهها بصورة عمياء.

إن الضربات الإرهابية قد تؤلم العدو ونزعزع لحينٍ استقراره ولكنها لا تقضي عليه، بل يمكن في بعض الظروف أن تعزز سطوته وتشرع غطرسته وتؤخر الخلاص منه.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني