الصفحة الأساسية > بديل الشباب > التنمية المستديمة ومستنقع البطالة
التنمية المستديمة ومستنقع البطالة
تشرين الثاني (نوفمبر) 2008

يعتبر شهرا جوان وجويلية على قدر من الأهمية بالنسبة للعائلات التونسية بشكل عام والشعبية منها على وجه الخصوص نظرا لاقتران هذه الفترة بانتهاء السنة الدراسية والجامعية بما تعنيه من اقتراب خلاصها من مصاريف التعليم المجاني والإجباري من جهة وتطلعها لتعوض فلذات أكبادها بما ضحوا به ماديا ومعنويا في سبيل المستقبل الكريم. ولعل ما يلفت الانتباه للوهلة الأولى هو التطور المطرد والمنقطع النظير في نسب النجاح لدى السنوات النهائية والطلبة على حد السواء الذي لا يتناسب البتة مع التراجع الخطير لقدرة الاقتصاد التونسي ومؤسساته على استيعاب حاملي الشهادات الوافدين على سوق الشغل رغبة في الاندماج في الحياة المهنية كمدخل أساسي ومحدد لدرجة الاستقرار الاجتماعي والعائلي.

I- تعليم ديماغوجي ونسب لغايات سياسوية:

منذ مطلع هذا القرن ما انفك النظام يضخم نسب النجاح في الباكالوريا والجامعة مطوعا البرامج التعليمية ومقاييس النجاح لتحويل الجامعة المؤسسة التعليمية إلى رافد من روافد الدعاية السياسية و"الرهانات" الانتخابية كتلك النسب المذهلة قبيل انتخابات المهزلة 2004 والتي فتحت التعليم نهائيا أمام الاستثمار السياسي متغاضية عن الدور التربوي والأكاديمي لهذه المؤسسة التي تراجعت عن كونها فضاء للعلم والمعرفة ونواة أساسية عليها يتوقف تطور المجتمع وتركيبته الثقافية والمعرفية. إن الدكتاتورية تعتبر التعليم ركيزة من ركائز الماكينة الإيديولوجية التي تدعم في سائر النظم الاستبدادية تفريخ الشخصية المحافظة السلبية والإنبطاحية أي الشخصية النعم. إن التدمير المنهجي والمنظم للمضامين التقدمية في برامج التعليم ليس بمحض الصدفة أو نتيجة نقص في كفاءات البحث العلمي والبيداغوجي إنما هو عملية منظمة هدفها الإمساك بفاصل الرفض الاجتماعي التي يعتبر التعليم أحدها. ولعل المتصفح في كتاب القراءة السنة الثامنة أساسي الذي يفتتح بنص بعنوان "المسرات العائلية" لينتهي بدرس "الطمأنينة" يمكن أن يلامس التجسيد الصارخ لهذا التوجه القصدي والخسيس أصلا للمعرفة من أجل نحت شخصية المجتمع وتستعين في ذلك بمن انتدبتهم من مرتزقة ووزراء ومسؤولين و"مفكرين" تستقوي بهم على المجتمع وتستشرف ملامحه العامة ومزاجه الاجتماعي. إن الدكتاتورية تدفع بالأمور إلى أقصاها في لهث محموم لتأجيل ساعة سقوطها وتستعمل مثل هذه الوسائل لتخرس العقول وتدجنها من موقع رجعي ينكر الحركة ويطوع المجتمع لرغبته في تأبيد السائد وهنا بالضبط تكمن خلفيته. فالبقاء على سدة الحكم كتعبيرة مكثفة لمحاولة استدامة نهبه لمقدرات هذا الوطن يستوجب ضرورة ومنطقيا السيطرة على المدرسة والمعهد والكلية كبؤر آهلة لوضع لبنات التمرد والاحتجاج. إن إرفاق إصلاح بإصلاح وإقالة وزير والاستعاضة عنه بآخر يندرج في السياق التمويل المعرفي والأكاديمي لبرنامج "الإصلاح الهيكلي" بعد عجز نظام بورقيبة عن أداء مهامه في نمذجة الثقافة الاستهلاكية واعتماد مصلحة الرساميل كبوصلة لوضع المخططات والمشاريع التنموية والتعليم لا يخرج عن هذا المنطق بل يعتبر دعامة من دعائمه. إن مضاعفة خريجي الجامعة سيوفر كميا يد عاملة بالقدر الذي يجعلها متضررة من العرض والطلب ويقلص من حظوظها في تحصيل قيمة محترمة نوعيا من خلال الكفاءة والتخصص التي تصب في تحريك عجلة رأس المال ومضاعفة فائض قيمته. إن خريجي الجامعة المعطلين عن العمل بهذا الكم الهائل يثبت نزوع البورجوازية العميلة إلى نحو إذلال الشباب التونسي ورهنه لدى الرأسمال الخارجي. ولسائل أن يسأل لماذا توفر الرساميل في دول البرجوازية التقليدية حدا أدنى من الرفاه الاجتماعي والاستقرار؟ إن المصادر الرسمية بنفسها تصرح ب %14 كنسبة بطالة ورغم ذلك يتبِع النظام سياسة النعامة متغاضيا عن ما يعنيه ذلك من استفحال البطالة والفقر وضعف المقدرة الشرائية والانحراف والجريمة والتزمت والتطرف كنتيجة طبيعية لهذه الأوضاع التي أفرزت من بين ما أفرزته أحداث "سليمان" في ديسمبر الماضي. إن البنية الاقتصادية في تونس وما تشهده من هشاشة ليس نتيجة "الظروف الصعبة" التي تحدث عنها النظام وبن علي رأسا في اجتماع اللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي بل هو على العكس من ذلك تماما. فالخلل يكمن في أن هذا النظام هو تعبيرة عن بورجوازية عميلة متحالفة مع أعتى الشركات الكبرى لتطويع الاقتصاد التونسي بما يتماشى مع التقسيم العالمي للعمل وحصر دور تونس في دور استخراج المواد الأولية (فسفاط قفصة مثلا) والصناعات الاستخراجية وتوفير سوق استهلاكية يمكن لرأس المال أن يروج فيها بضائعه ومنتجاته بداية من المواد التقليدية (سيارات، طائرات، سفن) إلى المواد الأكثر تطورا في مجال البرمجيات والعالم الرقمي. إن إعاقة الاقتصاد التونسي عن اكتساب القدرة على تركيز صناعات ثقيلة ومؤسسات قادرة بالفعل على النافسة هو السبب الحقيقي الذي يقف وراء عدم وجود مواطن شغل لطالبيه. إن بناء اقتصاد وطني حقيقي لا يمثل مصلحة لبن علي وزبانيته ولا للرساميل الخارجية بحكم أنه سيخرج تونس من حلقة التقسيم العالمي للعمل ويجعلها تسجل خسارة سوق استهلاكية لذلك لا سبيل لتحقيق الكرامة والاستقرار الاجتماعي إلا على قاعدة إزاحة التحالف الرجعي الجاثم على صدر المجتمع ويشوه تطوره ويعرقله، كذلك الحال بالنسبة إلى المؤسسات العمومية التي يتم التفويت فيها واحدة تلو الأخرى (اتصالات تونس) بدعوى تحقيقها لنسب ربح دون المطلوب أو أنها أصبحت "عبئا" على الدولة وكل ما في الأمر هو رضوخ النظام لطلبات رأس المال الذي يريد التحكم في القطاعات الحيوية. وما تبقى من المؤسسات العمومية يتم التعاقد مع طالبي الشغل بنظام (SNP) كما يجري في عملية تشغيل تقني سامي في مؤسسة البريد التي يتقاضى فيها الأجير بطبيعة الحال في حالة الحصول على أجر الحصول على شغل ما يقارب 200 دينار طيلة سنة كاملة أو أكثر، كذلك الحال بالنسبة للأساتذة إذ يتم حشد أكثر من 35 تلميذ في قسم واحد بما يقلص من فرص حصول أساتذة جدد على عمل في هذا المجال إذا تجاوزوا مصيبة الكاباس.

II- القطع مع اليتم الهيكلي والنقابي مدخل أساسي لمكافحة آفة البطالة

يمثل الاتحاد العام لطلبة تونس هيئة أركان الحركة الطلابية الذي بإمكانه توحيد ممارسة كافة الطلاب ب " معطلي الغد" حول التشغيل. بإمكان هذه المنظمة إذا عادت إلى أصحابها وإلى وضعها الطبيعي موحدة حول شعاراتها المركزية للحركة الطلابية أن تشكل ركيزة من ركائز الذود عن هذه الفئة التي تضررت كغيرها من شرائح المجتمع من سياسة التفويت والخصخصة.. بالإضافة إلى ذلك فإن توحد مكونات الحركة الطلابية التقدمية حول مصلحة الطلاب يمكن له أن يفوت الفرصة على السلطة احتفالها بالجامعة الافتراضية والجامعة الخاصة التي تمثل خطوة نحو تعليم طبقي في عمقه.

بالإضافة إلى ذلك فإن لجان المعطلين عن العمل التي خاضت تحركات جريئة في الفترة المنقضية مدعوة بمناسبة تحركات الحوض المنجمي إلى تجاوز تشتتها التنظيمي والهيكلي والتفكير جديا في بعث أداة نضال اجتماعي حول آفة البطالة بإمكانه أن يوقف نزيف اليتم الهيكلي لفئة المعطلين عي العمل. إن تجميع هذه اللجان والأطر بشكل عام في هيكل وطني يمثل الإجابة العلمية والمنطقية على تردي أوضاع المعطلين الذين من حقهم التمتع بتغطية صحية ومنح تمكنهم من الاستمرار في انتظار حلول جذرية. هذه مجموعة من المقترحات المطروحة للنقاش ولما لا تنظيم ندوة وطنية بحضور ممثلين عن اللجان والأطر الجهوية التي تناضل من أجل الحق في الشغل والكرامة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني