الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الحوض المنجمي ملفّ لم يغلق بعدُ
في ذكرى انطلاق الانتفاضة:
الحوض المنجمي ملفّ لم يغلق بعدُ
12 شباط (فبراير) 2010

مرّت يوم 5 جانفي 2010 الذكرى الثانية لاندلاع انتفاضة الحوض المنجمي التي مثلت أروع ملاحم نضال الشعب التونسي من أجل العدالة والمساواة وضد الفساد والرشوة.

هذه الملحمة، كما هو معلوم، واجهها النظام التونسي بالبطش والتنكيل والسجون والملاحقات وأفرزت قيادات شعبية سرعان ما وجدت طريقها إلى السجن والسريّة، ثم خرجت من وراء القضبان خروج الأبطال بعد نضالات كبيرة خاضوها داخل السجون وخاضتها عائلاتهم وأصدقاؤهم ورفاقهم خارجا...

ولقد تنفّس الكثير من الناس الصعداء بعد خروج أبطال الرديف والحوض المنجمي عموما باعتبار نجاح الضغط المسلط على الدكتاتورية، آخرون ارتاحوا بدورهم لكن بسبب الضغط القاعدي المسلط ضدهم والذي أحرجهم في أحيان كثيرة بما أنهم لم ينخرطوا في حملة التشهير ضد النظام واقترافه أبشع الجرائم على قيادات ومتساكني الحوض المنجمي.

هؤلاء، اعتقدوا أن الملف تم حسمه بمجرد خروج المساجين وعودة الملاحقين، فسارعوا بالتهليل لـ"سيادته" الذي تكرّم وأعطى أوامره بالحرية، إلا أنهم نسوا أو تناسوا أن هذه القيادات ما كان لها أن تكون في غياهب السجون لولا النضال الذي خاضوه من أجل مشاكل حقيقية تعاني منها منطقة الحوض مثلها مثل كل مناطق بلادنا من فساد وسرقة واستثراء على حساب الضعفاء والمستغلين وجيش البطالين.

لذلك نرفع السؤال التالي مثلا: معلوم أن بداية معركة الحوض المنجمي انطلقت مع ظهور نتائج مناظرة القبول للانتداب بشركة الفسفاط وما عكست من محسوبية و"أكتاف" و"رشوة"، فهل أن هذه المظاهر انتهت؟!

معلوم كذلك، أن الاستثمار في هذه المناطق منعدم تماما وحتى إن وُجد فهو على الأوراق فقط ويقع استغلاله للديماغوجيا الاجتماعية لا غير، فهل سمعنا بحملة مثلا من أجل خلق مواطن الشغل وتركيز استثمارات تخضع للمراقبة والمحاسبة على كل المستويات؟

مجموعة الفساد في هذه المنطقة والمتورطة في كل عمليات السرقة والتحيّل وتبييض الأموال، والتي شكلت تقريبا إحدى دعائم الدكتاتورية في المنطقة والمدافعة عنها (رؤساء لجان التنسيق، رؤساء مديرين عامّين، مسؤولين أمنيين، مسؤولين في الحزب الحاكم، بيروقراطية نقابية...) هذه المجموعة التي تشكل تحالفا حقيقيا مازالت قائمة إلى اليوم، بل هي ماضية الآن أكثر من ذي قبل دون محاسبة... وأكبر دليل على ذلك، الفيضانات الأخيرة التي اجتاحت مدينة الرديف والتي أتت على الأخضر واليابس وأبرزت بشكل لا يدعو للشك هشاشة البنية التحتية بل تورّط السلطة في بعض المشاريع التي كانت من الأسباب الرئيسية لكل تلك الخسائر البشرية والمادية (مجاري المياه...).

إن كل ما سبق، هو بعض التفاصيل التي تمثل خصوصيات المنطقة والتي تؤكد أن الأسباب التي أدت إلى انتفاضة الحوض المنجمي مازالت قائمة إن لم نقل أنها آخذة في التعمّق أكثر. والمتتبع النزيه للواقع الملموس يدرك أن مشاكل الحوض المنجمي وغيرها من مناطق بلادنا ستبقى موجودة بوجود نظام حكم يعتمد على تقديم خيرات بلادنا وثرواتها على طبق من ذهب لجموع الرأسماليين المحليين والأجانب، ويقوم على أسلوب بوليسي في الحكم لتلجيم الأفواه وضرب الحريات والعمل الجمعياتي والحزبي المستقل. فهذه العوامل التي ستخلق بالضرورة (أو هي خلقت بالفعل) مجموعة من العائلات والأشخاص يستظلون بمظلة قصر قرطاج وحاكمه بن علي للاحتماء بقوانينه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية غير الشعبية وغير الديمقراطية. هذه القوانين التي وقعت صياغتها على أساس مصالح الأعراف وأصحاب العمل، خاصة خلال الأزمة المالية الأخيرة، فكم هي الإضرابات التي تم تنفيذها في عديد المؤسسات التي أغلقها الرأسماليون الأجانب أو المحليون وهربوا محمّلين بالمليارات تاركين جيوشا من المسرحين والبطالين يقاومون عصا البوليس والبيروقراطية النقابية وضعف الأحزاب الديمقراطية... فبالضرورة، أن واقعنا الاقتصادي والاجتماعي الحالي والتي نجحت السلطة في حياكته (باعتبار انخرام موازين القوى لصالحها) لن يؤكد لنا إلا تواصل نفس الأسباب الموضوعية التي جعلت انتفاضة الحوض المنجمي تندلع وتجعلها مرشحة للانلاع من جديد.

كل هذه العناصر، تجعلنا بالتأكيد ننهل من دروس وتجارب الماضي بهنّاته وحدوده وتكون على أتم الاستعداد لتأطير وتنظيم حركات اجتماعية محتملة وخاصة من انتفاضة الحوض المنجمي التي علمتنا الكثير على مستوى التأطير والتوجيه والصمود والنضال.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني