الصفحة الأساسية > البديل العالمي > الرأسمالية تولّد الفقر والجوع
الرأسمالية تولّد الفقر والجوع
كانون الأول (ديسمبر) 2008

تحوز مقاومة الفقر اهتمام القوى الاجتماعية والحقوقية والسياسية التي تناهضه وتدعو لمقاومة أسبابه، ويخرج آلاف النشطاء في أماكن عديدة من العالم كالهند والبرازيل والأرجنتين والمغرب... للتعبير عن رفض السياسات والتوجهات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتج الفقر، منادين بعالم أكثر عدالة وأكثر مساواة.

1 – الفقر نتيجة حتمية لسيطرة رأس المال:

الرأسمالية هي نظام عالمي سائد ومسيطر، وهي في شكلها الاحتكاري (الامبريالية) تتحكم في كل مفاصل الاقتصاد العالمي وبالتالي فإن انعكاساتها هي أيضا عالمية ودون الإغراق في المفاهيم النظرية أو تتبع المسار التاريخي لتطور النظام الرأسمالي العالمي، يكفي النظر للوجه الآخر للمسألة وهو الواقع العيني كما يعلمه الناس ويحيونه. فكثيرا ما ركّزت الدعاية البرجوازية على أن عصرها هو عصر الجنة الموعودة، وهو الذي اعتبره فرانسيس فوكوياما نهاية التاريخ من جهة تحقق كل ما تصبو إليه البشرية وكل ما حلمت به في تاريخها الطويل، مقابل ذلك وصف كارل ماركس عصر الرأسمالية-من بين ما وصفه به- بكونه عصر المجاعات "إن الرأسمالية هي الجوع" فما هي الحقيقة يا ترى؟ لندع الأرقام تتحدّث: في سنة 2005 بلغ الناتج العالمي الخام قرابة 60 ألف مليار دولار أمريكي وبلغ عدد السكان في العالم 6,5 مليار بما يعني أن متوسط دخل الفرد يقارب 9 آلاف دولار، لكن حقيقة الوضع مختلفة تماما، فالتفاوت الصارخ قائم إن بين الدول أو بين الطبقات، ففي المستوى الأول أي التفاوت بين البلدان الغنية (دول الشمال الـ29) والبلدان المتخلفة (دول الجنوب الـ146) ففي بداية القرن الماضي كان نصيب الدول الغنية تسعة أضعاف دخل الدول المتخلفة أما اليوم فهو مائة ضعف،وبلغ الدخل المتوسط الأمريكي سنة 1990، 38 مرة الدخل التنزاني وقد بلغ اليوم 61 مرة.

إن الفروقات جلية بين معسكر الأغنياء ومعسكر الفقراء، من ذلك أن تقرير التنميــــة الإنسانية لسنة 2005 افترض لو أن الدول الغنية تقرر إيقاف نموّها، فإن دول الجنوب مجتمعة لن تصل إلى مستواها إلا سنة 2177، أما دول إفريقيا جنوب الصحراء فلن تصل إلا سنة 2236.

أما بين الطبقات فعدد مليارديرات العالم 726 بينما عدد الذين يبيتون على الطوى هو 1,4 مليار إنسان، والمقصود بالعيش على الطوى هو عدم القدرة على توفير القوت اليومي وبلغة الأرقام من لا يصل دخله اليومي إلى 1,25 دولار علما وأن عدد الذين يقلّ دخلهم عن 2 دولار هم 2,598 مليار إنسان، وعن 2,5 دولار هم 3,140 مليار دولار (سنة 2005) أي أكثر من نصف سكان الأرض. وضمن هذه الأرقام نعثر على 50,4% من الذين لا يتجاوز دخلهم 1,25 دولار هم من إفريقيا جنوب الصحراء ومن الذين لا يتجاوز دخلهم 2,5 دولار 79,9% أي 609,9 مليون إنسان إفريقي.

الفقر حسب الخبراء هو درجات فمن لا يصل دخله إلى 1,25 دولار يوميا هو تحت الخط الأدنى أما الخط الأعلى فهو يعني الحصول على مقابل نقدي للحاجيات الأساسية. وتختلف مؤشرات الفقر حسب الأوضاع والبلدان والأجناس... لكن في كل الحالات تعتبر المجاعات هي الحالات الأسوأ والأفظع وهي تمسّ اليوم 1,4 مليار إنسان. وقد اعتبرت منظمة الفاو أن القضاء على المجاعة ممكن في حدود 2015 ولن يكلّف إلا 30 مليار دولار، وهو ما رفضت الدول والاحتكارات تجسيده في حين تضخ الولايات المتحدة 700 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب لإنقاذ مصاصي الدماء من المضاربين، وجمعت حكومات أمريكا وأوروبا 1775 مليار دولار في أيام معدودة لنفس الغرض. علما وأن الأزمة المالية الحالية ستزيد أوضاع الفقراء صعوبة وعسرا من جهة القدرة على الاستهلاك والشراء واستفحال البطالة التي ستشمل كل قطاعات الإنتاج كانعكاس حتمي للأزمة المذكورة التي يعتبرها الكثير من المختصين الأكثر اتساعا وعمقا، إذ تعتبر الأزمة المالية هي أحد فصولها إذ بدأت بأزمة عقارات في العام المنقضي ثم طاقية وغذائية وهو فصلها الأهمّ الذي أربك الطغمة المالية التي تسيطر على المستوى العالمي. إن هذه الأزمة ستزيد من حدة الفقر اتساعا، وأوضاع الفقراء مزيدا من الصعوبة.

2 – الفقر في تونس بين الديماغوجيا والحقيقة

حسب "المسح الوطني حول الأنفاق والاستهلاك ومستوى عيش الأسر" كانت نسبة الفقراء في بلادنا 4,2% سنة 2000 ووصلت سنة 2005 إلى 3,8% علما وأن "عتبة الفقر" محددة في دخل أدنى هو 400 دينار شهريا وبلغة الأرقام فإن عدد الفقراء في تونس سنة 2005 هو 376 ألف فقيرا، ولا غرابة في الأمر إذا كانت الأرقام تفيد أن 81% من التونسيين هم من الطبقة الوسطى وأن التغطية الاجتماعية شملت سنة 2008، 93,3% من الأجراء.

إن الأرقام المذكورة مشكوك في نزاهتها وموضوعيتها وهي منافية للواقع. وفي غياب إحصائيات خالية من الديماغوجيا فإن التقدير هو الأغلب وهو ما يقوم به العديد من الخبراء مثل تقديرهم لنسبة البطالة حيث تقول السلطة إنها في حدود 15% لكن الحقيقة غير ذلك فهي بين 25% و35% كما أن التسريح من العمل يطال عشرات الآلاف كل عام وبطالة أصحاب الشهادات من خريجي الجامعة ومدارس التكوين المهني تطال أيضا الآلاف. إن هؤلاء لا يمكن أن نسميهم إلا فقراء، وحتى يكون تحليلنا أكثر موضوعية نشير إلى التقرير العالمي حول التنمية الإنسانية الصادر سنة 2005 والذي اعتمد مؤشرات الدخل الفردي ومستوى التنمية الإنسانية لقياس درجة "التقدم والتخلف"، اعتبر أن نتيجة تونس هي سلبية ضمن 76 بلدا متخلفا (مقابل 101 بلدا نتيجتها إيجابية) وهو ما يسفه الدعاية النوفمبرية التي تركّز على "المعجزة الاقتصادية التونسية" و"القدرة على التقدم في ظرف غير موات". إن هذه الدعاية يسفهها الواقع الأليم لفقراء تونس خاصة في المناطق الداخلية (مناطق الظل) التي لازال العديد من سكانها محروما من أبسط الخدمات مثل الماء الصالح للشراب والكهرباء والتعليم والبنية الأساسية دون الحديث عن الثقافة والترفيه. وهي مؤشرات تعتمد في تحديد معنى الفقر كما ذكرنا سابقا. إن الحصول على 2230 حريرة ليست في مستطاع جزء أصبح يتعاظم من أبناء تونس وبناتها، فالملاحظ بالعين المجرّدة يشد انتباهه تنامي ظاهرة التسول الذي يطال مختلف الأعمار بمن فيهم الأطفال والشباب، كما تشدّ انتباههم ظاهرة التشرد والعيش دون مأوى والاقتيات من المزابل (جمع القوارير البلاستيكية، البحث عن الأكل...). إن اتساع رقعة مظاهر الإملاق والتعاسة هي واقع عيني لا افتراضي يضاف إلى "المظاهر التقليدية" للفقر مثل الدعارة والمخدرات والكحولية والسرقة (والإجرام والعنف عموما) والهجرة السرية والانقطاع المبكر عن التعليم (رسميا هي 18,1% من السكان أي حوالي خمس السكان).

3 - الفقر ومقاومة الفقر:

إن الفقر كما رأينا هو نتيجة حتمية لخيارات اقتصادية واجتماعية غير عادلة بل هي قائمة أساسا على تملك وتنفذ أقليات محدودة وبؤس أغلبية غير محدودة وقد بينت التجربة التاريخية والعالمية أن القضاء على الفقر ممكن إن أراد الفقراء ذلك حين يمسكون مصيرهم بأيديهم ويثورون على مصاصي دمائهم من طبقات وأنظمة رجعية. إن القضاء على الفقر غير ممكن بالوصفات الأخلاقوية والإنسانوية. إن البرجوازية تتباكى وتنافق وتنسى أنها سبب الأهوال والكوارث التي تعيشها الإنسانية. إن الحل الواقعي والنهائي والإنساني ليس إلا نظاما اجتماعيا أكثر عدلا ومساواة وكرامة، وهذا النظام ليس إلا الاشتراكية التي تنسف من الجذور السبب الأول للفقر وهو الطبقية. إن غدا إنسانيا دون فقر ممكن بل ضروريّ متى اتحد فقراء العالم وتجرؤوا على أخذ مصيرهم بأيديهم.

الوجه الحقيقي للرأسمالية العالمية بالأرقام:

-  1,4 مليار إنسان يعيشون تحت خط الفقر
-  يموت يوميا 50 ألف شخص لأسباب مرتبطة بالفقر
-  يموت طفل كل 3 دقائق بسبب الفقر
- يبيت 800 مليون إنسان كل ليلة دون أكل
- 880 مليون إنسان لا يتمتعون بالخدمات الصحية



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني