الصفحة الأساسية > البديل العربي > "السيادة الكاملة" هي تكريس الاحتلال وتشريعه!
"السيادة الكاملة" هي تكريس الاحتلال وتشريعه!
22 حزيران (يونيو) 2004

مع نهاية هذا الشهر (30 جوان) تنتهي الفترة التي حددتها إدارة بوش لـ"نقل السيادة إلى العراقيين". ومن المعلوم أن قوات الاحتلال اضطرت تحت ضربات المقاومة إلى التلويح بهذا الشعار الكاذب والخادع في محاولة منها للخروج من المستنقع العراقي الذي وضعتها فيه المقاومة العراقية الباسلة. ومنذ أن وقع رفع هذا الشعار والإدارة الأمريكية تسعى جاهدة إلى إقناع حلفائها في أوروبا وآسيا بضرورة الوقوف إلى جانبها ومساندتها عسكريا وسياسيا في احتلال العراق. وقد تمكنت في منتصف هذا الشهر من إقناع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالمصادقة بالإجماع على قرار أممي جديد حول العراق يهدف بالدرجة الأولى إلى تشريع احتلاله وتوحيد كافة امبرياليات العالم ضده وهو محاولة "لإصلاح" بعض "الأخطاء" التي اعترفت بها واشنطن في علاقة باحتلال العراق مثل الاستفراد بالرأي وعدم العودة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن وعدم التشاور مع الحلفاء في أوروبا وآسيا... وهو ما عزز من عزلة الولايات المتحدة وأثار حفيظة بعض الدول المؤثرة في مجلس الأمن وجعلها تحجم عن المشاركة في الحرب على العراق. فجاء القرار الجديد ليعيد الأمور إلى نصابها ويصلح "أخطاء" الماضي. فالمصادقة بالإجماع على هذا القرار من طرف الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن هو خطوة هامة لصالح بوش على حساب الدول التي عارضت الحرب في البداية. فرغم كثرة الحديث عن "التعديلات العديدة التي فرضتها الدول المعارضة للحرب" وعن "التنازلات والضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة" فإن هذا القرار لم يأتِ بجديد في علاقة بطبيعة الحرب العدوانية على العراق التي تقودها الولايات المتحدة. فـ"قوات التحالف" ستصبح "قوة متعددة الجنسيات" بقيادة الولايات المتحدة، و"مجلس الحكم الانتقالي" سيصبح "حكومة عراقية انتقالية جديدة" و"الحاكم المدني للعراق" سيصبح "سفيرا للولايات المتحدة في العراق"..إلخ. وكما نلاحظ فإن المسألة لا تعدو أن تكون تلاعبا بالألفاظ بغاية إيهام الرأي العـام بأن واشنطن جادة في "إنهاء الاحتلال ونقل السيادة وإعطاء دور أكبر للأمم المتحدة..إلخ".

وحسب بوش وطغمته فإن الاحتلال سينتهي بشكل كامل يوم 30 جوان الجاري. فـ"السيادة" ستنقل إلى العراقيين وسيصبح للعراق "حكومة ذات سيادة" ولن تكون هناك قوات احتلال بل ستكون هناك "قوات متعددة الجنسيات" موجودة "بطلب من هذه الحكومة لمساعدتها على محاربة الإرهاب وحفظ الأمن..إلخ". بل إن هذه الحكومة ذات السيادة-حسب بوش دائما- "بإمكانها" متى أرادت ذلك أن تطلب من هذه القوات مغادرة العراق فورا حسب ما ينص عليه قرار مجلس الأمن الأخير. لذلك فمن 30 جوان فصاعدا لن يكون هناك أي مبرر لوجود مقاومة مسلحة وكل عمل مسلح هو "عمل إرهابي" يجب مقاومته بكل قوة من طرف الحكومة العراقية "ذات السيادة" بالتعاون طبعا مع "أصدقائها" من الدول وفي مقدمتهم الولايات المتحدة في إطار "الحرب الشاملة على الإرهاب..إلخ".

وكما نلاحظ فإن هذا الكلام الذي يتردد باستمرار على لسان بوش وطغمته وعملائه لا يمكن أن ينطلي حتى على السذّج. فالجميع يعرف أن الحكومة ذات السيادة التي يتحدث عنها بوش ما هي في الحقيقة سوى مجموعة من العملاء السابقين في أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية وظفتهم واشنطن ليكونوا واجهة لمشروعها الاحتلالي. وهل يمكن لحكومة كهذه أن تتخلى عن حماية أسيادها؟ فلو أن جنود الاحتلال يغادرون العراق فإن الشعب العراقي سيقطّع هؤلاء العملاء إربا إربا. وهو ما يجعل هذه الحكومة العميلة تؤكد باستمرار أنها في حاجة أكيدة إلى بقاء قوات الاحتلال في العراق وترفض حتى مجرد تحديد جدول زمني لرحيلها. وحتى التعديلات التي جاءت في قرار مجلس الأمن الأخير والمتعلقة بحق "الحكومة ذات السيادة" في أن تطلب من "القوة المتعددة الجنسيات" مغادرة العراق، فإنها جاءت بطلب من الدول التي عارضت الحرب في البداية وليس بطلب من هذه الحكومة العميلة.

وما دمنا نتحدّث عن "السيادة البوشية" نشير إلى أن كل القرارات المتعلقة بالعراق لا يقع استشارة الشعب العراقي حولها أو أخذ رأيه فيها على الأقل بل يقع دراستها في أروقة البيت الأبيض ومكاتب المخابرات المركزية بالتشاور مع الحلفاء المقربين وفي مقدمتهم شارون، ومع العملاء ومن بينهم العملاء العرب الذين لعبوا الأدوار القذرة كعادتهم في تشكيل الحكومة العراقية العميلة الجديدة (النظامين الكويتي والأردني خاصة) وفي صدور القرار الأممي الأخير وهم يستعدون الآن ليكونوا ممثلين في "القوة المتعددة الجنسيات" استجابة لأوامر سيدهم بوش.

إن الشطحات البهلوانية التي يقوم بها بوش وطغمته في علاقة بالعراق إنما تعبرّ عن حالة من الإحباط واليأس بعد أن فلتت الأمور من يديه ومن أيدي عملائه الذين طالما راهن عليهم. ولم يجن من احتلال العراق سوى المزيد من التنديد الشعبي داخل وخارج الولايات المتحدة. فسياسة بوش العدوانية أصبح الآن يشار إليها بالإصبع، وكلما حلّ ببلد إلا وكانت الجماهير الشعبية في انتظاره للتنديد والسخرية. وقد امتد هذا السخط ليشمل حتى بعض المقربين من البيت البيض مثل البيان الذي أصدرته مؤخرا مجموعة من الديبلوماسيين القدامى، فيهم حتى من عمل مع بوش الأب، ويعتبرون فيه أن ما وصلت إليه الولايات المتحدة في عهد بوش الابن من تخلف وعزلة لم يسبق وأن عرفتهما طوال تاريخها الحديث.

وبالطبع فإن بوش الابن لا ينظر إلى مثل هذه المواقف المنددة بسياسته إلا من منظار تأثيرها في حملته الانتخابية ومدى قدرته على البقاء لولاية ثانية. لكن لعنة العراق ما انفكت تلاحقه مثلما تلاحق كل الذين شاركوا في الحرب، حيث سقط أزنار في إسبانيا والدور سيأتي على برلسكوني وبلير، خاصة وأن كل استطلاعات الرأي تؤكد أن كل الذين تورطوا في هذه الحرب العدوانية معرضون للخسارة في أي انتخابات يخوضونها. وقد جاءت الانتخابات المحلية في بريطانيا لتؤكد ذلك، حيث مُني حزب بلير بهزيمة نكراء لم يسبق له أن عرفها منذ تأسيسه.

إن الشعب العراقي لا يمكن أن تنطلي عليه ألاعيب بوش فهو يدرك أن الامبريالية الأمريكية جاءت إلى بلده بغرض إخضاعه للاحتلال وخلــق الظروف المناسبة لنهب ثرواته واستغلال أراضيه خدمة لمصالحها ولمصالح الكيان الصهيوني. لذلك فإن المقاومة المسلحة ضد المحتل ما انفكت تتوسع وتتخذ طابعا شعبيا وتحقق الانتصارات الميدانية التي فاجأت العدو وأربكته وأجبرته على التراجع من بعض المدن مثل الفلوجة وبعقوبة...

ومع اقتراب الموعد الكاذب حول "تسليم السيادة للعراقيين" تتكثف عمليات المقاومة لتشمل جنود الاحتلال وكل المتعاونين معهم وخاصة العاملين في الأجهزة الأمنية العراقية التي شكلها المحتل لقمع المقاومة (شرطة عراقية، جيش عراقي، دفاع مدني...) وهي أجهزة تم تشكيلها من ميليشيات الأحزاب التي اختارت الوقوف في صف المحتل وضد المقاومة. كما استهدفت المقاومة أيضا كوادر الحكومة العراقية العميلة وتمكنت من اغتيال البعض منهم، مع مواصلة خطف الأجانب المتعاونين مع القوات المحتلة أو العاملين في الشركات التي تم السماح لها بالاستثمار في العراق.

إن الوقائع الميدانية تبشر بأن المقاومة العراقية رسخت أقدامها في العمق العراقي وأصبحت تحظى أكثر من أي وقت مضى بدعم شعبي واسع بعد أن أثبتت جدارتها بحمل راية تحرير العراق من الغزاة.

إن الولايات المتحدة الأمريكية ستحاول استثمار التفويض الأممي الأخير من أجل تشريع الاحتلال وتكريسه وحث بقية الدول على المشاركة في العدوان باسم مساعدة الحكومة العراقية الجديدة على بناء العراق وباسم مقاومة الارهاب. والأكيد أنها ستأمر توابعها في المنطقة العربية بالانظمام إلى قافلة المعتدين على العراق وبعث الجنود لقمع المقاومة. ولن يكون بمقدور هذه الأنظمة رفض ذلك باعتبار أنها عاجزة عن رفض طلبات راعيها وحاميها والقادر على إزاحتها متى تلكأت.

ونظام بن علي لن يتردد في مؤازرة بوش عبر الاعتراف بالحكومة العراقية الجديدة ومساعدتها على "مقاومة الارهاب" عن طريق بعث الجنود والخبراء... خاصة وأن نظام بن علي له "تجربة رائدة في مقاومة الإرهاب" وسبق له أن "نبه إلى مخاطر الإرهاب على السلم والأمن العالميين..". لذلك فمن واجب القوى الثورية في تونس أن تكون يقظة حيال ما يحاك من مؤامرات ضد شعب العراق.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني